* يبدو أن ثورة يناير أضعفت قبضة الحكومات المتعاقبة في السيطرة علي الخارجين علي القانون. فحكومة عصام شرف تساهلت عن ضعف مع قطع الطرق.وتحدي سلطات الدولة الذي بلغ ذروته بمنع تعيين محافظ قبطي مسيحي لقنا. ورضخت حكومة شرف.واستسلمت لإهدار هيبة الدولة بدعوي أن الشعب جريح ينبغي "الطبطبة "عليه وعدم القسوة في التعامل معه. ولم يكن ذلك التساهل إلا بابًا واسعًا لجهنم استمرأه بعض الفوضويين لإحداث مزيد من الانفلات بهدف تفكيك أعمدة الدولة القوية.وإفقادها السيطرة علي مقاليد الأمور.. ومضت حكومة شرف بضعفها وسوءاتها وضيق رؤيتها واهتزاز قبضتها وتلتها حكومات أخري لم يكن ما حدث في عهدها القصير أحسن حالاً مما مضي. فوقعت الأزمة تلو الأخري وفجعت مصر في شهدائها الذين سقطوا بدم بارد بأيدي مجرمين لم يكشف عنهم حتي هذه اللحظة.. حتي قامت ثورة 30 يونيو وصححت المسار وأتمت استحقاقيهما الأول والثاني بنجاح باهر وأصبح لمصر دستور شعبي ورئيس جاءت به إرادة المواطنين.لكن ذلك لم يعصم البلاد من تردد الحكومات. ووقعت حكومة الببلاوي في خطأ عظيم حين سمحت بإطالة أمد الفوضي.وتركت اعتصامي رابعة والنهضة يدخل إليهما السلاح ويتمدد فيهما الإرهاب مستعرضًا عضلاته أمام الشاشات وكان يمكنها بقليل من الحسم سد الطرق علي الرائحين والغادين ومنع دخول العتاد والمؤن والأطفال والنساء الذين استخدمتهم جماعة الشر لنسج المظلومية ثم التباكي عليها أمام الشاشات المشبوهة.. لكنه البطء والتراخي والأيدي المرتعشة آفة حكوماتنا في تعاملها مع الإرهاب. وكنا نظن أن حكومة محلب وهي حكومة محاربين كما يحلو لرئيس وزارئنا أن يسميها. سوف تمسك بناصية الأمور وتزنها بميزان القانون والحسم بتطبيقه علي الجميع بلا استثناء -كما قال الرئيس السيسي في احتفالات عيد الشرطة -لتعيد الأمن والانضباط كاملين للشارع ولتمنح عجلة الاقتصاد فرصة للدوران وتعويض الهدر الهائل الذي تعرضت له في أربع سنوات هي عمر الثورة. حيث تفاقم العجز في الموازنة وازدادت الديون وتناقصت الموارد مقابل زيادة الاحتياجات والمطالب اليومية لشعب بأكمله.. * ما حدث يوم الأحد الماضي في الذكري الرابعة للثورة ورغم أجواء الحزن التي تغمرنا في مصر والعالمين العربي والإسلامي لرحيل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حكيم العرب وجامع شملهم ومانح دعمه لمصر بلا حدود.. لكن من خرجوا للشارع احتفالاً أو تحدياً لسلطات الدولة لا يعرفون للموت جلالاً ولا حرمة رغم إعلان الحكومة إلغاء احتفالاتها بذكري الثورة احتراما لمشاعر أشقائنا السعوديين ومشاركة لأحزانهم وذلك هدف إنساني نبيل. لقد صالت وجالت الجماعة الإرهابية في الشارع رغم قلة أعدادها وضآلة حشدها.. وعاثت هذه القلة فسادًا يضرب بعضهم بالخرطوش من يلقاه في طريقه كما شهدنا علي شاشات التلفاز »فأصابت من أصابت وقتلت من قتلت.. ورغم أن بؤر الإخوان معروفة سلفًا لدي حكومة محلب فإنها تراخت في التعامل معها بعصا القانون. والحزم الواجب لا لشئ إلا لأنها تحذر أو تخشي الإعلام والصحافة الغربية وبعض المنظمات الحقوقية المشبوهة التي لا تجرؤ علي أن تنبس ببنت شفة إذا فعلت فرنسا وغيرها من دول الغرب ما تراه مناسبًا للحفاظ علي أمنها القومي في وجه الإرهاب. * الحسم في تطبيق في القانون واتخاذ الإجراءات الوقائية ليسا ضد دولة القانون في شئ وليسا خروجًا علي مبادئ الثورة. فكيف يتحقق العيش دون استقرار وكيف يأتي الاستثمار والسياحة دون أن يفرض القانون سطوته علي الجميع جماعات وأفراداً.. وكيف تتحقق الحرية في ظل انفلات يطبق فيه كل فصيل قانونه الخاص ورؤيته الضيقة دون احترام الدستور الذي تراضت عليه الأغلبية.. كيف تأتي العدالة في ظل الفقر..فهل تريدون يا دعاة الثورة عدالة الفقر أم تراهنون علي غضبة الشعب حين يأكل الجوع أمعاء سواده الأعظم.. علام يراهن الإخوان.. ولماذا يصرون علي تعطيل الدولة أطول وقت ممكن.. هل تريد الشوشرة علي المؤتمر الاقتصادي العالمي المزمع عقده في مارس المقبل بشرم الشيخ.. هل تهدف لإرسال رسائل للخارج مفادها أن الفوضي والاضطرابات لا تزال تضرب مصر. * التناول الإعلامي لما جري الأحد الماضي كان مستفزًا وخصوصًا تغطية بعض الفضائيات وبرامج التوك شو والمواقع الالكترونية لمقتل شيماء الصباغ عضو التحالف الشعبي التي تألمنا لمقتلها.. فمن يتحمل مسئولية هذا الجرم.. لماذا أصر بعض الأحزاب ونشطاء السبوبة والانتهازيون علي الخروج في هذا اليوم.. لماذا لا يفهمون أنهم يجدفون ضد إرادة شعب فاض به الكيل من بعض نخبته الفاسدة المتاجرين بالوطن حتي في ساعة الشدة.. لماذا يصرون علي التماهي مع إجرام الإخوان.. لماذا لا يدرأون الشبهات عن أنفسهم والأضرار والمفاسد عن مصر.. ولماذا لا يحمّل الإعلام مسئولية ما جري لشيماء للتحالف الشعبي نفسه الذي خرج في تظاهرة مخالفة للقانون لأنها ببساطة دون تصريح يلزم الداخلية بتأمين المتظاهرين.. ثم لماذا اختراق القانون ثم التباكي علي الضحايا الذين يجب أن نترك للتحقيق القضائي مهمة القصاص العادل ممن أجرموا في حقهم. وبدلاً من أن يخرج بعض إعلاميينا ورؤساء الأحزاب والسياسيين لينادوا بدولة القانون ويطالبوا باحترامه وجدناهم يزيدون ويعيدون في ظروف مقتل شيماء وينصّبون من أنفسهم قضاة يوزعون الاتهامات ذات اليمين وذات الشمال. وبدلاً من الوقوف في وجه الإرهاب ومساندة الدولة في حربها ضده وبدلاً من أن ينصحوا شبابنا الذين لا يأبهون بالقانون ولا ينصاعون لأحكامه بضرورة الكف عن هذا العبث الذي يستحيل أن يحدث في دولة يحترم أفرادها القانون نجدهم يتمادون في الغي والجدل.. وأسأل هؤلاء وأولئك. من خرجوا للتظاهر ومن أكثروا القيل والقال : لماذا الخروج في مسيرات من الأساس في ظل هذه الظروف..وهل تتحمل بلادنا موجة جديدة من الفوضي وسفك دماء جديدة.. هل يرضيكم أن تصبح مصر مثل ليبيا أو سوريا أو اليمن.. هل يرضيكم أن يستثمر الإخوان مثل هذه الحوادث لتأجيج الفوضي والعنف والاحتقان والانقسام خصوصًا بين الشعب وشرطته.. لماذا تصرون علي جعل الاحتفال بالثورة مقرونا بالدم.. وهو الهدف الأسمي للإخوان.. هل أفعالكم تلك تحقق أهداف الثورة؟! * لا شك أن أهداف الثورة لم تتحقق علي النحو الأمثل الذي يرضي شهداءنا لظروف اختطاف الثورة وتعطيل مسارها منذ البدايات الأولي.. لكن ها هو الشعب يسترد ثورته من خاطفيها. وحتماً هناك فرق بين ذكري الثورة هذا العام ومثيلتها العام الماضي. فها هو الاقتصاد يتعافي والدولة تعود والعنف يتقلص وإن لم ينته. وليس بالتظاهر تتحقق بقية المطالب الثورية ولا تطلعات الشعب في حياة كريمة.. ثم سؤالي للخارجين احتفالاً بالثورة بم تحتفلون.. هل تحتفلون بشئ منقوص لم يتحقق كله.. الإنجازات وحدها تستحق الاحتفال.. أما الآلام والأوجاع فتستحق الصبر والعظة واستخلاص دروس الماضي.. الناس لا يرضيها شعارات بل يسعدها ما يصل إلي بطونها من ثمرات الثورات.. الواقع المعاش وتحسين جودة الحياة هما المعيار الأصدق للنجاح أرقام الحكومة عن زيادة معدلات النمو وتناقص معدلات البطالة والتضخم ليست كافية في ظل عجز كثير من المواطنين عن الحصول علي أنبوبة بوتاجاز بطريقة آدمية.. الحكومة الحالية لا تتحمل أوزار تراكمات المشاكل لكن الناس لا تقبل تبريرات المسئولين في ظل غلاء فاحش وغياب الرؤية وخارطة الطريق في التعاطي مع المشكلات اليومية. الفقراء لا يعنيهم من جدل الساسة واختلافات النخبة شئ..لا يهمهم إلا ما يتعلق بلقمة العيش وتحقق الكرامة الإنسانية فهل شاركت تلك النخبة المختلفة في وضع حلول وتصورات لكيفية الخروج من الأزمات.. هل نجحنا مثلاً في التخلص من القمامة والعشوائيات وهل تراجعت شكاوي الناس ومظالمهم أمام المحاكم..هل توقف إهمال المسئولين وتراخيهم عن متابعة أداء مرءوسيهم وانحرافهم وجمودهم في مواجهة ما يتعرض له الناس من ظلم وغبن وقهر الأجهزة الحكومية. مصداقية الحكومة لا تزال محل نظر. ولا يزال فقدان الثقة فيها قائمًا رغم ما نشاهده من تحسن ملحوظ في حياتنا وفي ملفات كثيرة معقدة مثل أزمة رغيف العيش مثلاً وهي تجربة ناجحة ينبغي استنساخها في شتي المجالات. خصوصًا فيما له صله بالدعم.. أما تجاهل المسئولين لمعاناة المواطن في مستشفي أو هيئة حكومية أو حي فيزيد الفجوة ويعمق الأزمة وعدم الثقة. نحن في حاجة إلي ثورة في الأداء الحكومي في مواجهة الفوضي والفساد. ثورة في تطبيق القانون علي الخارجين عليه. ثورة علي المتراخين في الاستجابة لمطالب الجماهير. ثورة ضد الفساد والمفسدين الذين يعتدون علي حقوق المواطن والدولة.. صحيح أن لدينا أجهزة رقابية كثيرة تعمل علي قدم وساق في محاربة الفساد لكن آلة هذا الفساد لا تزال تعمل بكفاءة.. فتراخي المسئولين وتقصيرهم في حل المشكلات الجماهيرية أولي لبنات هذا الفساد وأخطرها فهذا يلحق الضرر بمصالح المجتمع العليا وهو ما يستلزم تشريعات رادعة تواكب ما يستجد من أمراض البيروقراطية الحكومية وفساد الضمائر والذمم. ينبغي أن نساعد علي عودة هيبة الدولة وقوتها في مواجهة الفوضي.. مطلوب جسر الفجوة بين الحكومة والناس بالقضاء علي بيروقراطية الفساد والمحسوبية والرشاوي المقنعة بتحديث الإجراءات وميكنتها وتدريب الجهاز الحكومي علي التكنولوجيات الحديثة خصوصًا في الخدمات الجماهيرية كاستخراج الوثائق المدنية ورخص القيادة وتوثيق العقود والمعاملات وغيرها.. هزيمة الروتين والفساد مهمة الحكومة ومهمتنا جميعًا قبل أن نخرج للاحتفال بثورة لم تحقق أهدافها بعد.