كان الاندهاش واضحا علي وجوه جميع الزملاء عندما فوجئوا أن جميع المدعوين للمشاركة في الاحتفال بذكري جلال الدين الرومي بمدينة قونية التركية من الصحفيين فقط. ثمانون صحفيا قادمون من معظم دول العالم وهم يتصورون وجود باحثين وعلماء يتجاورون حول تاريخ الرجل وفلسفته وما يمكن ان يفيد في عصرنا لأزماتنا. ولانني كنت اتصور هذا مثل بقية الزملاء حرصت أن أذهب ولدي معرفة كافية لصحفي عن بطل الاحتفال لاشارك بوعي في المناقشات بل أنني تحركت خطوة للأمام فطلبت أن تكون لي ورقة عن التصوف الذي يبدأ بعلماء عارفين وينتهي باتباع يفرغونه من مضمونه. لم ينته الاندهاش عند هذا الحد بل فوجئنا ببرنامج الاحتفال وقد خلا حتي من الحديث عن الرجل سوي ما جاء في كلمة رئيس الجمهورية ووزير الاديان واحد الاتباع الذي قرأ بعض كلمات الرجل وهو أمر لم يتجاوز في احتفال امس الذي استمر قرابة الثلاث ساعات الا القليل. إذن فالامر ليس جلال الدين في ذاته وهذا ما تبيناه عندما وجدنا برنامج الزيارات يركز علي الجانب الاقتصادي لمحافظة قونية ويتسع فيها الحوار عما احدثته من طفرة اقتصادية من عام 1990 حتي الان وما تملكه من مشاريع واعدة وكذلك الشركات والدول التي تستورد من قونيا معظم حاجياتها والخطط المستقبلية لاقتصاد قونيا الواعد فضلا عن مشاريع الطاقة وهو ماتم التركيز عليه في زيارة البورصة هناك وكذلك في زيارات مصانع اللحوم والالبان فضلا عما زرناه من مناطق سياحية كلها تصب في سلة الاقتصاد وصناعة فرص العمل. فالقضية الاقتصادية هي الشغل الشاغل لأهل قونيا ومادام لديهم جلال الدين الرومي فلا حرج من استغلاله اقتصاديا وما دام الاعلاميون هم أكثر الناس قدرة علي توصيل ذلك للعالم أجمع سواء في كتاباتهم وبرامجهم أو في علاقاتهم فليكن الوفد المشارك في الاحتفالات من الصحفيين. اذكر انني دعوت في مقالات ولقاءات مع مسئولين لدينا خاصة في وزارة الاوقاف ان يكون اكثر المدعوين في مؤتمراتنا من الصحفيين الاجانب لانهم هم الذين سينقلون مانريد توصيله الي العالم بأكثر مما يستطيعه العلماء خاصة وأننا ندعو علماء ممن يملكون نفس قناعاتنا. انني كنت دائما أواجه باستغراب احيانا أو باعتذار بأن الوقت قد فات واننا سنفعل في قابل الايام حتي فوجئت بما كنت اتصوره صحيحا يطبق في قونيا بل بشكل سافر - ان صح التعبير - اقصد خلو الاحتفال من الباحثين تماما. انها طبيعة الباحثين عن النجاح الذين يريدون ان يسبقوا والذين يعيشون حالة من الخوف الايجابي علي المستقبل والمدركين ان الاقتصاد والتنمية هما المفتاح السحري للاستقرار والسلام الاجتماعي اي ان الاقتصاد القوي قادر علي ان يصلح الدنيا بل قد يصلح الدين فالفقر اخطر علي الدين من الغني وقديما قال الامام علي كرم الله وجهه: "لو كان الفقر رجلا لقتلته" ونقول نحن المصريين "الجوع كافر" لذا فالتنمية هاجس يسيطر علي كل شئون الحياة لمن اراد الاستقرار. فهل نستطيع ان نتجه هذه الوجهة التي تجعل من التنمية محور حياة فنضعها في نسيج كل ما نقوم به في حركة وسلوك واعتقد ان لدينا من الغني التاريخي مايسمح لنا بأن نتفوق علي امم كثيرة اذا ما ملكنا إرادة النجاح والحركة؟