حقا لانعلم قيمة الأشياء الا بعد زوالها..فلا يعلم قيمة الحرية الا من عاني في فقدها ..ولا يعلم قيمة العلم إلا من لم يحصل ولو علي قسط قليل منه ..ولا يقدِر قيمة الأمن إلامن استشعر عدم وجوده كما يحدث في مصرنا الآن ولا يشعر بقيمة الوطن إلا من قاسي مرارة الغربة والبعد عن الأهل والاحباب..والأكثر من كل ذلك بكثير فلا يشعر بقيمة فقد الحب والحنان والعطاء والبذل بغير حدود سوي من فقد مصدره وهو الأم. بالأمس القريب فقدت أغلي حبات عقد أسرتي الكبيرة..فقدت المدرسة التي علَمت وربَت وتعبت وسهرت من أجل أطفال صغار حتي صاروا جميعا كبارا بفضلها.. غابت عني شمس الحياة التي كانت دائما تضيء ظلام ايامي..غابت عن دنيايا إشراقة النور الحقيقية .. فقدت أمي ذلك النبع الصافي للحنان والرعاية والعطاء بلا حدود .. فقدت الحب الحقيقي الذي يمنح بلا حدود ويعطي دون ان ينتظر مقابلا .. غابت عني مصدر الأمن والأمان والذي كنت أستشعره واستمتع به لحظة ان أرتمي في أحضانها بعد ان تكون قد ضاقت بي الدنيا فلم يسعني سوي حضنها الدافيء.. عندها دائما كنت اجد الراحة والأمان اذا ما اتعبتني الحياة وكثيرا ما تتعبنا الحياة هذه الأيام . لم أرها يوما منكسرة طيلة حياتي..ابتسامة الأمل والتفاؤل والرضا لم تفارق شفتيها حتي في اللحظات العصيبة خلال فترة مرضها الأخير والتي كانت تغيب فيها عن الوعي فترات متقطعة وما ان تفيق أراها مبتسمة راضية داعية لكل من حولها بالصحة وطول العمر وراحة البال..الأكثر من ذلك انها كانت دائمة السؤال عمن يغيب من الأبناء او الأحفاد اوحتي ابناء الأحفاد التي كانت تحبهم بجنون.. فعطاؤها لنا كان لايعرف قانونا ولا يستند الي نظام..تحب من يحبنا وتكرمه اذا ماجاء يسأل عنا..كانت دائما لاتكلفنا مشقة في أمر يخصها وأشهد الله علي ان كل أمورها كانت يسيرة خاصة بعد ان اشتد عليها المرض وعانت من فشل الكلي لأكثر من ثلاث سنوات ..كان الله سبحانه وتعالي في عونها وعوننا .. دائما يسدد خطانا ويستر طريقنا ويلبي دائما نداءنا..وذلك كله بفضل دعواتها وتوسلاتها للمولي عز وجل اناء الليل واطراف النهار. رحم الله امي.. ذلك الاحساس الظريف والهمس اللطيف ..فهي تمثل لي ولإخوتي الجمال والابداع في ابهي صورة ..وهي تعني لنا الخيال والإمتاع وتستحق ان تكون الجوهرة المصونة واللؤلؤة المكنونة التي ستبقي دائما في قلوبنا ما حيينا .. فعطرها دائما سيفوح وعبيرها سيعطر حياتنا.. فهي زهرة يشتم رائحتها الابناء وأريج يتلألأ في وجهنا كآباء.. هي الدفء والحنان هي الرحمة والأمان.. محبتها ومودتها لن تتكرر.. كانت سيدة ذات قيم ومباديء فأحبها الأهل والجيران ..الصغار والكبار ..كانت مدرسة بل جامعة ننهل من علمها الرباني الكثير والكثير ..أحبت والدي رحمه الله بجنون لدرجة انها رفضت الحياة بعد أن انتقل الي جوار ربه منذ ثلاث سنوات فأصابها ما أصابها بعد رحيله حزنا عليه .. والآن وبحق اشعر انني اصبحت يتيما بعد فقدها.. اصبحت مهموما بعد موتها ..اصبحت وحيدا بعد فراقها.. ادعو بطول العمر لكل ام .. وادعو كل ابن لاستثمارهذا الكنزالرباني والحفاظ علي هذه القيمة الغالية فهي مفتاح الجنة التي تجدها تحت قدميها. لم يكن كثيرا علي الأم ما وصانا به ربنا تبارك وتعالي في قرآنه فهويعلم ما لا نعلم ..وما حثنا عليه رسولنا الكريم في سنته فكان صلي الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوي .. فهي تستحقه بكل تأكيد..ورغم صعوبة الفراق إلا ان عزاءنا انها غادرت دنيا الفناء الي عالم البقاء وانتقلت من دنيا الجحود الي عالم الخلود..انتقلت الي جوار ربها الحنان المنان الرحيم الرحمن والذي اسأله سبحانه وتعالي ان يتغمدها بواسع رحمته وان يسكنها فسيح جناته وان يحشرها مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وان يجمعنا بها في الفردوس الأعلي من الجنة انه ولي ذلك والقادر عليه.