مدينة أوروبية تستعد لحظر الآيس كريم والبيتزا بعد منتصف الليل (تعرف على السبب)    "الدفاع الروسية": "مستشارون أجانب" يشاركون مباشرة في التحضير لعمليات تخريب أوكرانية في بلادنا    أخبار الأهلي : غيابات الأهلي أمام مازيمبي.. استبعاد 11 لاعبا    نجم الأهلي السابق: سنتخطى عقبة مازيمبي واستبعاد طاهر منطقي.. وكريستو مسؤول عن استبعاده الدائم    بعد سقوط عصابة «تجارة الأعضاء» في شبرا.. هل نفذ المتهمون جرائم أخرى؟.. (تفاصيل)    مجزرة في أسيوط.. مقتل 4 أشخاص في مشاجرة دامية بالأسلحة النارية    ضبط مرتكب واقعة مقتل مزارع بأسيوط بسبب خلافات الجيرة    الإسكان: تنفيذ 24432 وحدة سكنية بمبادرة سكن لكل المصريين في منطقة غرب المطار بأكتوبر الجديدة    تراجع ثقة المستهلك في فرنسا بشكل غير متوقع خلال شهر أبريل الجاري    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد النصر بالعريش    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين بمُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة Thinqi    الاتصالات الفلسطينية: عودة خدمات الإنترنت بمناطق وسط وجنوب قطاع غزة    مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. في القاهرة والمحافظات    جمعة ختام الصوم    فانتازي يلا كورة.. جدول مباريات الجولة 35 "المزدوجة"    رئيس قناة السويس: ندرس تنفيذ مشروع للتحول لمركز إقليمي لتوزيع قطع الغيار وتقديم خدمات الإصلاح والصيانة السريعة    بالفيديو والصور- ردم حمام سباحة مخالف والتحفظ على مواد البناء في الإسكندرية    حماية العمالة غير المنتظمة.. "العمل": آلاف فرص العمل ل"الشباب السيناوي"    ضبط صاحب شركة لتزوير المحررات الرسمية وتقليد الأختام في الجيزة    25 مليونًا في يوم واحد.. سقوط تجار العُملة في قبضة الداخلية    "المكون الثقافي وتأثيره في السياسات الخارجية المصرية" ندوة بمكتبة الإسكندرية    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    اتحاد جدة يعلن تفاصيل إصابة بنزيما وكانتي    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    احتجت على سياسة بايدن.. أسباب استقالة هالة غريط المتحدثة العربية باسم البيت الأبيض    11 مساء ومد ساعة بالإجازات.. اعرف المواعيد الصيفية لغلق المحلات اليوم    منها «ضمان حياة كريمة تليق بالمواطن».. 7 أهداف للحوار الوطني    أسعار البيض والدواجن اليوم الجمعة.. البلدي ب 117 جنيهًا    أمن القاهرة يكشف غموض بلاغات سرقة ويضبط الجناة | صور    تشافي يطالب لابورتا بضم نجم بايرن ميونخ    شاهد البوسترات الدعائية لفيلم السرب قبل طرحه في السينمات (صور)    عرض افلام "ثالثهما" وباب البحر" و' البر المزيون" بنادي سينما اوبرا الاسكندرية    في ذكرى ميلادها.. أبرز أعمال هالة فؤاد على شاشة السينما    نور الشربيني ل «المصري اليوم»: سعيدة بالتأهل لنهائي الجونة.. وضغط المباريات صعب «فيديو»    موضوع خطبة الجمعة اليوم: تطبيقات حسن الخلق    دعاء صباح يوم الجمعة.. أدعية مستحبة لفك الكرب وتفريج الهموم    تواجد مصطفى محمد| تشكيل نانت المتوقع أمام مونبلييه في الدوري الفرنسي    الصحة: إجراء الفحص الطبي ل مليون و688 ألف شاب وفتاة ضمن مبادرة «فحص المقبلين على الزواج»    تنظيم قافلة طبية مجانية ضمن «حياة كريمة» في بسيون بالغربية    طريقة عمل هريسة الشطة بمكونات بسيطة.. مش هتشتريها تاني    نائب وزير خارجية اليونان يزور تركيا اليوم    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    انطلاق انتخابات التجديد النصفي لنقابة أطباء الأسنان بالشرقية    رمضان صبحي: نفتقد عبد الله السعيد في بيراميدز..وأتمنى له التوفيق مع الزمالك    حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد الجيش الإسرائيلي يوم الخميس    تؤجج باستمرار التوترات الإقليمية.. هجوم قاس من الصين على الولايات المتحدة    الشركة المالكة ل«تيك توك» ترغب في إغلاق التطبيق بأمريكا.. ما القصة؟    منها «عدم الإفراط في الكافيين».. 3 نصائح لتقليل تأثير التوقيت الصيفي على صحتك    جامعة الأقصر تحصل على المركز الأول في التميز العلمي بمهرجان الأنشطة الطلابية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    أبناء أشرف عبدالغفور الثلاثة يوجهون رسالة لوالدهم في تكريمه    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميًّا    أطفال غزة يشاركون تامر حسني الغناء خلال احتفالية مجلس القبائل والعائلات المصرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مات الحياء.. من الألف إلي الياء
نشر في الجمهورية يوم 30 - 12 - 2012

يقول رب العزة سبحانه وتعالي في سورة الأنعام: "ولو أننا نزَّلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتي وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون".. صدق الله العظيم.. لا تحاول.. ولا أحاول.. فقد رفعت الأقلام وجفت الصحف.. انها مشيئة الله.. يهدي من يشاء ويضل من يشاء.. لم يتبق لنا في الدنيا سوي بغتة واحدة.. ودهشة واحدة.. وصدمة واحدة هي بغتة يوم الساعة.. وإذا ماتت الدهشة فلن يفيق الناس ولو أنزل الله عليهم الملائكة.. ولو كلمهم الموتي.. ورغم ان للساعة علامات وإمارات وإشراطا ظهر كثير منها فإن وعد الله الذي لا يخلف وعده أن تأتي بغتة.. كيف تأتي بغتة ونحن نعلم اشراطها وعلاماتها؟ كيف يأتي بغتة ما نعلم مقدماته؟ نعم.. تأتي الساعة بغتة لأننا لا نندهش ولا نتأمل ولا نتدبر.. ولأننا نمر علي الآيات معرضين ولأننا نقول مع كل قارعة تصيبنا أو تحل قريبا من دارنا: عادي.. ولا يهمك.. "وإيه يعني".. "ياما دقت علي الرأس طبول".. "يا راجل.. كبر دماغك.. ارمي وراء ضهرك".
عندما تقرأ كتب المؤرخين القدامي أمثال ابن إياس والجبرتي تجد حوادث بسيطة في رأينا.. لكنهم سجلوها علي انها مهولة في زمانهم وفي رأيهم.. تقرأ مثلا انه في رابع أو خامس أو عاشر الشهر وقعت زلزلة مهولة سقطت بسببها بنايتان في حي كذا.. أو أظلمت الدنيا في عز النهار أوهبت عاصفة أسقطت بعض الأشجار.. أو أمطرت السماء قطعا من الثلج أو عثر أحد المارة علي حجر عند جبل المقطم مكتوب عليه: "اقترب الوقت.. فاستعدوا للرحيل".. وفي كل هذه الحوادث كان العلماء الأزهريون يجتمعون.. والناس علي أبوابهم يتوافدون.. وكل منهم يطلب العفو والسماح من الآخر.. ويسألون العلماء الدعاء.. ويكثر النحيب والبكاء والاعتراف بالذنوب والتوبة لأن كل حادثة من تلك الحوادث كانت تعني ان القيامة قد قامت أو علي وشك أن تقوم.. كان ذلك يعني ان في الناس بقية من دهشة.. وبقية من حياء.. الآن يحدث أكثر من هذا لكننا نضحك بدلا من البكاء.. ونسخر بدلا من الحزن.. ونبالغ في المعصية بدلا من التوبة.. ونمر علي كوارثنا معرضين سامدين خامدين "جبلات".. حتي إذا نزلت علينا الملائكة وكلمنا الموتي.. "عادي.. ولا يهمنا.. بلاش كلام فارغ".
مصر لن تفلس.. "البلد مليانة خير".. الإفلاس والانهيار الاقتصادي شائعات مغرضة أطلقها الفلول.. اقتصادنا يتعافي.. "عادي" البلطجة والانفلات والفوضي أمور عادية تحدث في أعقاب كل الثورات.. ولو نزلت الملائكة وكلمنا الموتي وأكدوا لنا أن مصر "راحت في داهية خلاص".. فلن نصدق أحدا.. وسنقول ان الموتي فلول.. وان الفلول تنكروا في أشكال ملائكة.. لا يمكن أن يقع شر لمصر في عهدنا.. كل عهد يؤكد ان مصر في ظله تعيش أزهي عصورها.. وتحقق أعظم انجازاتها.. السقوط وهمي.. الانهيار كاذب.. الخراب أمر عادي.. الفقر نعمة وحشمة وحكمة.. الفوضي حرية وديمقراطية وثورة.. مصر ستصبح الأعظم والأغني خلال مائة يوم.. خلال ألف يوم.. مصر محروسة ومحمية وشعبها هو شعب الله المختار.. يكفي انها مذكورة في القرآن ست مرات أو ثماني مرات صراحة وعشرات المرات ضمنا.. مصر فيها خزائن الأرض.
لقد أدمن المصريون هذه المسكرات.. لذلك تراهم سكاري وما هم بسكاري ولكن عذاب الله شديد.. ولا يمكن لامرئ مهما أوتي من بلاغة وقوة بيان وحجة أن يهدي من أضل الله وأن يجعل السكاري يفيقون.. تخيل نفسك واعظا وخطيبا في مرقص وفي كباريه.. أو ملهي ليلي.. لن تجد سوي السخرية والتهكم وربما ضرب "الجزم".. فلا أمل عندما تموت الدهشة والذهول.. ويتحول الناس إلي "جبلات وأجلاف وألواح ثلج".. الناس عندما يصابون بمرض لا شفاء منه يقبلون أفواجا علي الطبيب الذي يكذب عليهم ويؤكد لهم ان صحتهم "زي البمب" وان الحكاية بسيطة للغاية.. وينصرفون عن الطبيب الذي يصدقهم ويدعوهم إلي توفير فلوسهم والكف عن شراء المسكنات.
عندما تموت الدهشة والذهول يصاب الناس كما أصبنا نحن المصريين بداء استبعاد الخطر.. والتهوين من الكوارث والمصائب واعتبار الحقائق المرة مبالغات ومغالطات ومحاولات من الفلول لبث اليأس والاحباط والتشكيك في الانجازات العظيمة والنظر إلي النصف الفارغ من الكوب.. أي نظام في مصر منذ فرعون إلي يوم القيامة ينسب اخفاقاته وكوارثه إلي النظام الذي سبقه.. وينسب إنجازات النظام الذي سبقه إلي نفسه.. أي نظام سابق في مصر ليست له أي انجازات وأي نظام حالي ليست له اخفاقات.. لذلك ستظل مصر حتي يوم القيامة تبدأ من الصفر وتنتهي إلي الصفر.. ستظل مصر في حالة نفي بلا اثبات.. وفي حالة شطب ومحو بلا كتابة أي سطر جديد.. وفي حالة هدم دون بناء طوبة جديدة.. يتلقي الفريق الهزيمة تلو الأخري فيطاح بالمدرب ويقول المدرب الجديد ان القديم كان فاشلا.. وتتوالي الهزائم فينسبها كل مدرب إلي المدرب الذي سبقه.. ولا أحد يقول ان امكانيات اللاعبين ضعيفة وان الفريق كله ينبغي تكهينه وتسريحه وان أعظم مدرب في العالم لا ينجح مع فريق من "الكتع".. العيب ليس في المدرب ولكن العيب في اللاعبين.. ولا يوجد مدرب يرفض تدريب هؤلاء "الكتع المعاقين".. هو يريد أن "يلهف القرشين" ثم يرحل.. ويأتي غيره "وحاوريني يا طيطة".
****
وعندما يصاب أي شعب بمرض غياب الدهشة فإنه يفقد عذريته ويفقد حياءه.. فلا حياء لمن لا يندهش ولا يذهل.. وعندما تغيب الدهشة تشيع الوقاحة والبذاءة في الأرض والفضاء والصحف.. حتي الدعوة الدينية تصبح دعوة وقحة وبذيئة.. عندما تغيب الدهشة يكف الناس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. عندما تغيب الدهشة يغيب الاستنكار والاشمئزاز من الخطايا.. وأول إنكار المنكر الاندهاش منه.. يعني يذهلك ويصدمك المنكر أولا ثم نبادر بإنكاره وتغييره.. وعندما تغيب الدهشة يصبح المنكر أمرا عاديا لا يستحق الغضب.. وأول خراب سدوم قرية سيدنا لوط عليه السلام كان غياب الدهشة والذهول فصار المنكر عملا عاديا ومألوفا.. صار القوم يأتون في ناديهم المنكر علنا.. وأصبح المنكر عندهم معروفا والمعروف منكرا.. فراودوا لوطا عن ضيفه ولما عرض عليهم بناته قالوا: ليس لنا في بناتك من حق.. وطالبوا بإخراج آل لوط من القرية لأنهم أناس يتطهرون.. فالتطهر في سدوم كان عملا منكرا ومستهجنا.. لكن المنكر عمل مألوف وعادي ولا غبار عليه.
نحن في مصر نعاني هذه الأيام.. وربما نعاني منذ زمن طويل مرض قوم لوط.. ورذيلة أهل سدوم.. فليس منا رجل رشيد ولا امرأة رشيدة.. ونأتي في كل أنديتنا وفضائنا وصحفنا ومؤسساتنا وأحزابنا المنكر.. حتي اننا نأتي المنكر في فضائنا الذي نزعم انه ديني.. الفضاء الديني الآن ينقض الوضوء ويفسد الصيام ولا ينبغي أن يشاهده الأطفال ولا النساء ولا الرجال الذين يخافون الله.. برامج الفضاء الديني وغير الديني صارت أشد ضررا وخطرا من أفلام الجنس والبورنو.. وكل ذلك سببه غياب الدهشة لدي الشعب المصري.
عندما تموت الدهشة يصبح المحظور أخلاقيا مباحا.. يصاب الناس بالبلادة فلا تجدي معهم الموضوعية والهدوء.. ويبذل أهل الإعلام والصحافة والسياسة جهودا مضنية لإثارة انتباههم وجعلهم يندهشون فيلجأون إلي الوقاحة والبذاءة وقلة الأدب والصراخ والفجاجة في القول والفعل.. كما يلجأون إلي الدجل بالأبراج والنجوم وتفسير الأحلام.. ويلجأون إلي الكذب.. فالصدق لا يجدي مع الذين ماتت عندهم الدهشة والذهول وبالتالي مات عندهم الحياء.. وكل محاولات إحياء الدهشة الميتة لدي المصريين باءت بالفشل.. فلم تجد الوقاحة والبذاءة ولم يفلح الكذب والتهويل.. فقد اسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي.. والإنسان مهما أوتي من قوة وفصل خطاب ليس قادرا علي احياء الدهشة الميتة.
الدهشة أول كل خير.. فهي أول العلم وأول الفضيلة وأول الخلق الكريم وأول التقدم وأول الحب وأول الإيمان وأول النجاة.. وتقول العرب: الناس بخير ما تعجبوا من العجب.. وتقول العرب أيضا: من أعجب العجب تركك التعجب من العجب.. الدهشة أول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ولا يعرف الناس المعروف إلا إذا اندهشوا وذهلوا من المنكر.. وآفة المصريين اليوم انهم لا يندهشون ولا يذهلون وانهم يستبعدون وقوع الكارثة أو القارعة رغم انها حلت بالفعل قريبا من دارهم.. آفة المصريين البلادة وانها "ما تفرقش معاهم".. آفة المصريين انهم لا يندهشون لذلك لا ينكرون المنكر ولا يعرفون المعروف "وأحمد عندهم زي الحاج أحمد".. "شالوا ألدو.. جابوا شاهين.. ما تفرقش عند المصريين".. والذين مات عندهم الذهول والدهشة لا يقاومون أي شر.. لأنهم لا يعرفون الفرق بين الشر والخير.. والذين ماتت عندهم الدهشة "كله عندهم صابون".. ويسهل خداعهم والضحك عليهم وقيادتهم وجرهم كالقطيع.. والذين ماتت عندهم الدهشة يسهل شراء ذمتهم وإرادتهم وأصواتهم وولائهم بثمن بخس دراهم معدودة.
والذين ماتت عندهم الدهشة رماديون.. حياتهم كلها "بين.. بين".. لا يحسمون شيئا.. مذبذبون لا إلي هؤلاء ولا إلي هؤلاء.. الذين ماتت عندهم الدهشة منافقون.. كل شيء عندهم قابل للبيع.. الكرامة والشرف والإرادة والأصوات والمواقف والمبادئ.. حتي الدين نزل المزاد في مجتمع لا يندهش ولا يستحي ولا ينكر المنكر ولا يعرف المعروف ولا يشمئز من الخطيئة ولا يقرف من الذنوب والرذائل.. والذين ماتت عندهم الدهشة والحياء "تندب في عينهم رصاصة".. يفعلون الفاحشة ما سبقهم بها من أحد من العالمين وعلي قارعة الطريق ثم يقفون في الناس وعاظا ودعاة.. موت الدهشة يعني شيوع البجاحة والوقاحة وهو ما نعانيه في مصر الآن.
****
لم يحدث علي مر التاريخ ان شهدت مصر ولن يحدث أن تشهد انتخابات حرة.. لا يمكن أن يحدث هذا في ظل موت الدهشة.. وفي ظل الوقاحة والبجاحة وجرأة الدفاع عن الخطايا.. فالناس في بلدي إراداتهم مزورة سلفا.. التزوير في كل المراحل وكل الحالات.. تزوير الإرادة.. تزوير الجيوب.. تزوير الصناديق.. تزوير سياسي وتزوير إعلامي.. والأخطر هو التزوير الديني.. أسوأ وأقبح أنواع التزوير هو التزوير باسم الله.. أقبح ما نراه الآن هو فعل المنكر باسم الدين.. هو لي الألسنة بالكتاب لنحسبه من الكتاب وما هو من الكتاب.. أسوأ ما نحن فيه هو تزيين وإباحة شهادة الزور للناس باسم الدين..
أسوأ ما نعيشه الآن هو تطبيق مبدأ "الحرب خدعة".. أهل التدين الزائف يرون انهم في حالة حرب مع اخوانهم في الوطن.. وأنهم مؤمنون في مواجهة كفار لذلك فإن الخداع مباح والتزوير مباح والتزييف عمل مشروع وشرعي والكذب أيضا مباح.. هم وضعوا مقدمة خاطئة ورتبوا عليها نتائجهم الكارثية.. والمقدمة الخاطئة انهم مؤمنون ونحن كفرة.. وانهم حزب الله ونحن حزب الشيطان.. والنتيجة ان الخداع مباح والكذب مشروع والتزوير شرعي في مواجهة جيش الكفار.. المقدمة الخاطئة اننا منافقون وكافرون.. والنتيجة انهم يجاهدوننا ويغلظون علينا.. سبهم لنا مباح.. ووقاحتهم شرعية ورمينا بالكفر والزني جهاد في سبيل الله.
ولو علم هؤلاء الحق.. ولو لم يتبعوا أهواءهم لاعترفوا بأن الحرب بين جيش الكفرة وجيش المنافقين.. حيث لا وجود لجيش المؤمنين.. ولو حسبنا وحسمنا الأمر علي انها مواجهة بين كفرة ومنافقين لاخترنا أن نكون في معسكر الكفرة إذا لم يكن بدُ ُ من الاختيار. فالمنافقون هم العدو الحقيقي والأخطر للإسلام "عدو منه فيه".. والله تعالي يقول: "هم العدو فاحذرهم".. ويقول: قاتلهم الله أني يؤفكون.. الله تعالي أمر المؤمنين بقتال المشركين والكفار.. لكنه تعالي تكفل وحده بفضح المنافقين وقتالهم وتعذيبهم في الدرك الأسفل من النار.. الله تعالي لم يحدد آيات أو صفات للكافر لأنه واضح ولا يحتاج بياناً أو معرفة.. لكنه حدد آيات للمنافق نعرفه بها.. حدد خصاله التي تدل عليه.. الكذب في الحديث وخلف الوعد وخيانة الأمانة والغدر في العهد والفجور في الخصومة.. فالكافر لا يكذب ولا يخلف الوعد.. الكافر لا يذنب لأنه ليس بعد الكفر ذنب.. كل مساوئه وذنوبه معروفة سلفا وواضحة.. لكن المنافق يعجبك جسمه وحديثه الجميل عن الدين والإيمان والجنة والنار.. وتسمع لقوله وتطرب له.. بينما هو العدو الحقيقي للدين.. والناس في بلدي يسهل خداعهم خصوصا بالدين لأنهم لا يندهشون ولا يتأملون ولا يعيدون النظر ولأنهم جهلاء وبلهاء.. ولأنهم هم أيضا منافقون.. يصلون ويزنون.. يصومون ويفحشون.. يحجون ويرفثون ويفسقون.. التدين عند قوي منظرة ومظاهر كذابة.. "وشوية كلام من عينة جزاك الله خيرا يا أخي.. إن شاء الله.. أحبك في الله".. تدين لساني قلمي مظهري والله وحده أعلم بالسرائر.. لكن المصريين علموني أن أسيئ الظن بهم لأن سوء الظن من حسن الفطن.. علموني وأقنعوني كما أقنعوا الزعيم الراحل سعد زغلول بأنه "مافيش فايدة".. "تلبس جلباب.. تلبس شورت.. تلبسي نقاب.. تلبسي ميني جيب.. تلبس عمة.. تلبس قبعة.. هو بغباوته وشكله العكر".. ويل للوطن من أبنائه الذين لا يندهشون ولا يستحون.. والذين يأتون في ناديهم المنكر علي أساس انه معروف.. وكلما دعوتهم.. ليغفر الله لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا.. قومي يخوضون ويلعبون ويا خوفي من يومهم الذي يوعدون.. والخوض واللعب هما غياب الدهشة.. وموت الحياء.. هما ملخص الحكاية المصرية من الألف إلي الياء.
نظرة
كلما تحدثت مع امرئ في مصر يصمم علي أن "يلبسك في الحيط".. بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة.. هناك هوجة تدين زائف في بلدنا.. كل من تحاوره يلوي عنق الآيات والأحاديث لتوافق أفكاره وميوله وهواه.. كلنا مفسرون للقرآن والأحاديث علي هوانا.. مثل قول من قال تبريرا لتطاولاته وبذاءاته وتحليلاته البورنو للأحداث "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم".. يعني هو يغلظ علي كفار ومنافقين أهدر دمهم وشرفهم وكرامتهم.. والأدهي انه يري انه نبي وان الآية نزلت عليه هو.. وفي هذا المناخ.. "اللي ما يعرفش يقول عدس" ويقول "قرآن وحديث".. إنه يصادر أفكارك ويمنعك من السؤال مثل النحوي المدعي الذي سأله أحدهم عن سبب منع كلمة "أشياء" من الصرف.. هل هي صيغة منتهي الجموع أم هناك سبب آخر.. فرد النحوي المدعي بغضب: هذا سؤال محرم شرعا.. ألم تقرأ قول الله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء..."؟!! "ده إيه الفُجر ده؟".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.