لم يبدأ عمري بالخروج من الرحم، بل بالإحساس بدقات القلب، فمنذ ولدت وأنا أنتظر تلك الدقات... أنتظرك، وكأني بدونك أحيا بلا حياة ...خائفاً من قلبي أن يضلك.. خائفاً من خوفي أن يحجبك. نعم... إن الذي ينبض بين جوانحي هو "قلبي" ولكنه يسمى بذلك مجازاً، فأنا لا أملك من أمره شيئاً...بل هو الذي يملك من أمري كل شئ. فأمام القلب لا نملك إلا الاستسلام بلا تفكير، فعند حدوده يسحب جواز السفر من العقل فلا يجوز له المرور. فحبك ليس فرماناً شاهانياً يخضع لحسابات العقل، إنما هو كموج البحر، مد وجزر، أنواء وأعاصير تتلاطم فيها الأمواج، هدوء خلاب يفيض بالحنين والشوق حيث لا شئ إلا همس البحر يبوح بأسراره. ففى حبك للعقل مكان لا يعده، وحدود لا يتجاوزها. ليس لي في حبك اختيار فحبك يا معذبتي إجبار إعصار فيه ماء ونار يجتاحونا بلا إنذار فعندما نحب لا نختار لذا وقف العقل الذي أوصد أبواب قلبي ووضع عليها أقفالها... وجعل مفاتيح قلعتي الحصينة التي شيد حولها أسواراً عالية بين يديه... عاجزاً عن مقاومة حبك. وبأي شئ أقاومك؟! وقد طال بى الشوق إليك. وبأي شئ أقاومك؟! وأنا الذي أذوب لهفة عليك. وبأي شئ أقاومك؟! وأنت الزاد الذي أقتات عليه. فحبك سر أبدى من أسرار الخالق عز وجل الذي خلق القلوب وفطر فيها طبائعها، وقضى عليها بالخضوع لسلطان الحب، لا عن ضعف ، بل امتثال للفطرة السليمة التي جعل الله فيها الحب مسيطراً لما فيه من قوة الحق الذي نفخ من روحه في الإنسان عندما خلقه من طين وليس بما فيه من شهوات راجعة إلى ذلك الطين. هكذا أحبك بلا اختيار... هكذا حبك دائرة مغلقة لا خروج منها، بدأت بالحرمان وانتهت به، ذبول وشحوب وحزن وطهر ونقاء. ولكن اعذرني إن كتبت عنك، فإنما أكتب... لألقاك بين السطور، وأمضى معك بين الكلمات.