كانت مظاهرات أمس 22 فبراير بالجزائر، الثانية عربيًا في أقل من 3 أشهر التي تطالب بتغيير الرئيس في بلد المليون شهيد، بعد أن أصر الجنرالات على تقديم “بوتفليقة” الذي يحكم وهو بحكم الميت، ما يعني فراغًا دستوريًا فعليًا في الجزائر. ورغم أن المسيرات والمظاهرات ممنوعة في الجزائر العاصمة بموجب المرسوم التنفيذي المؤرخ في يونيو 2001، المتضمن حظر التظاهر في العاصمة، إلا أن قوة التظاهرات دعت وكالة (aps) أو (وأج) الرسمية الجزائرية إلى الاعتراف بحدوث الحراك ووصفته بالطابع السياسي، ونظم متظاهرون في العاصمة الجزائر والعديد من المناطق الأخرى، مظاهرات كبيرة بعد صلاة الجمعة في مناطق أخرى من البلاد، وسط حضور أمني مكثف. وتناقلت وكالات الأنباء عن الرئيس الجزائري أخبارًا من متحدثيه الرسميين كقوله: “لم أُخف يومًا حالتي الصحية عن شعبي، وإرادة خدمة الوطن ستُمكنُني من اجتياز الصعاب المرتبطة بالمرض. في حين يقول الواقع، إن الرئيس الجزائري يجلس على كرسي متحرك، ونادرًا ما يظهر علنًا منذ أن أصيب بجلطة دماغية في عام 2013. حراك لافت وحمل المتظاهرون أعلام الجزائر ولافتات كتب عليها “نعم للعدالة” و”مسيرة سلمية” و”تغيير وإصلاحات”، مطالبين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالعدول عن الترشح ل”عهدة” ولاية خامسة جديدة. وفي العاصمة لجأت قوات الأمن الموزعة على كل جهات ساحة “أول مايو”، إلى محاصرة كل الطرق المؤدية إليها من أجل منع الوافدين إليها من الأحياء المجاورة. كما شهدت عدة ولايات أخرى مسيرات وتجمعات مماثلة دون تسجيل تجاوزات، ففي شرق البلاد على غرار عنابة وقسنطينة وبجاية وباتنة وسكيكدة وأم البواقي، هتف المتظاهرون نفس الشعارات. وفي ولايات الوسط وقعت تظاهرات مماثلة ميزها الهدوء مثلما هو الأمر في تيزي وزو والبويرة وبومرداس وتيبازة. أما في ولايات غرب البلاد خرج مئات المواطنين في مسيرات سلمية بوهران وتيارت ومستغانم وغليزان للتعبير عن رأيهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقد جرت هذه التظاهرات أيضا في جو هادئ دون أي تجاوزات، حسبما لوحظ هناك. كما نظمت تجمعات ومسيرات سلمية بجنوب البلاد للمطالبة بالتغيير، حيث خرج مئات المواطنين من مختلف الأعمار في ورقلة والأغواط، إضافة إلى مسيرات عبر الشوارع الرئيسية بمدن تقرت وحاسي مسعود وأدرار والوادي. محاولات الجنرالات من جانبه، وكعادة معاوني الحكام العرب، شدد مدير الحملة الانتخابية للمرشح عبد العزيز بوتفليقة عبد المالك سلال على ضرورة وضع أمن واستقرار البلاد فوق أي اعتبار، وعدم الانزلاق وراء جدل لا يخدم البلاد، مدعيا أن الجزائر تمر بمرحلة تاريخية دقيقة وظرف خاص، متماشيا مع السائد في الإعلام الحكومي الجزائري من التحذيرات من نموذج سوريا والعراق، ومن عشرية سوداء جديدة بعد الأولى التي جاءت بجبهة الإنقاذ للحكم في بداية التسعينيات. وبالرغم من الاحتجاجات الرافضة لترشح بوتفليقة للرئاسيات المقبلة، زعم سلال خلال تنصيبه للمدراء الولائيين للحملة الانتخابية أن الرئيس لا يزال يحظى بالشعبية وثقة من الشعب، “على عكس ما تحاول بعض الجهات الترويج له وترسيخه في أذهان الجزائريين” بحسب قوله. وادعى أن عدد التوقيعات لصالح مرشح الاستمرارية (إشارة لبوتفليقة) فاق كل التوقعات وبلغت الملايين، وفاق بكثير ما تم تحقيقه سنة 2014. وأضاف “فيه تجاوب كبير وهو ما يعطي صورة عن المشاركة الإيجابية في رئاسيات 18 أبريل”. ووعد وزير الخارجية الجزائري السابق ورئيس الجمهورية الحالي عبدالعزيز بوتفليقة، حال فوزه بالانتخابات، قائلا: “سأنظم ندوة للوفاق الوطني في غضون سنة حول الإصلاحات الواجب إجراؤها!. مجتمع السلم وفي الوقت الذي أعلن فيه حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم بالجزائر ترشيح بوتفليقة رسميًا لولاية خامسة، إلا أن أكبر حزب إسلامي بالجزائر قال إن “ترشيح بوتفليقة ليس في مصلحته. وقالت حركة مجتمع السلم: “بوتفليقة غير قادر على الاستمرار في الحكم بسبب مرضه، وترشيحه لعهدة خامسة ليس في مصلحته، ولكنه في مصلحة المنتفعين والمستفيدين من الوضع”. غير أن حركة مجتمع السلم رشحت رئيسها عبد الرزاق المقري للرئاسة، وصرحت بمجموعة من التصريحات، وأجرى “المقري” حوارات تشير إلى ثقته بالفوز، وسط تفتت المعارضة متنوعة المشارب. سيناريوهات متوقعة ويرى محللون أن هناك تخوفات مع 3 سيناريوهات قادمة، أولها: تكرار التجربة المصرية بفوز الإخوان المسلمين بالرئاسة وسعي الجيش والقوى العميقة لإفشال التجربة، لأن هناك رغبة في استهلاك الوقت من جانب بعض الأجنحة لحين تنظيم القوى العسكرية والأمنية والدولة العميقة نفسها، وفي الوقت ذاته السماح لأبرز قوة إسلامية بتحمل المسئولية ثم تعمد إفشالها، معتمدين على المعارضة التي سيلقاها الإسلاميون من التيارات العلمانية الجزائرية، ومن السياق الإقليمي (دور تحالف الثورة المضادة العربي الذي يضم مصر والإمارات والسعودية)، والسياق الدولي (غالبية قادة الغرب خصوصا ترامب وماكرون). أما السيناريو الثاني فهو ألا يسمح العسكر والدولة العميقة بفوز حزب الإخوان في الانتخابات على غرار ما حدث في انتخابات 1995، وبرأيهم يمثل السماح بفوزهم في ظل الخبرة التي اكتسبتها الحركة من تجربتها السابقة ومن تجارب إخوان مصر وباقي البلاد العربية، ربما تجعل تكرار تجربة مصر في الجزائر أمرا صعبا بالانقلاب العسكري. أما السيناريو الثالث بحسب دراسة بعنوان “إخوان الجزائر يحشدون لمرشحهم الرئاسي عبد الرزاق مقري.. الدلالات وهل تتكرر تجربة مصر؟ وهل سيسمح لهم العسكر بالفوز؟” فيتمثل في إمكانية السماح للتجربة أن تسير بطريقة طبيعية وانتقال الجزائر إلى تجربة جديدة ربما تكون رائدة للعالم العربي، ووجود خيار ثالث بين الربيع العربي والثورة المضادة، ويساعد على هذا تغير الأحوال في جزائر اليوم، والانقسامات الحالية بين أطياف السلطة بما فيها العسكر، واختلاف طريقة التعامل بين الإخوان في الجزائر والجيش عن الحالة المصرية، والقناعة الدولية بأن الانقلابات العسكرية لم تحول بلدانا مثل مصر وغيرها إلى ما يرغبون فيه، وأن الموجة القادمة للثورات العربية ستكون أعنف، ومن ثم السعي لتلطيف المرحلة المقبلة.