رغم أن انتخابات الرئاسة في الجزائر في 17 إبريل بدت نتائجها محسومة سلفا لصالح الرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة, إلا أن ما يجمع عليه كثيرون, أن ولايته الرابعة لن تسير كسابقاتها, فيما يتعلق بإحكام سيطرته على الأمور, ومنع امتداد "الربيع العربي" لبلاده. ولعل اعتلال صحة بوتفليقة وكبر سنه يدعم صحة ما سبق, حيث حرمته مشاكله الصحية, من القيام بحملته الانتخابية بنفسه, بالإضافة إلى استشراء الفساد في مؤسسات الدولة, وتصاعد الغضب الشعبي من تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية, في بلد, يمتلك احتياطات كبيرة من النفط والغاز. وكان بوتفليقة دعا الجزائريين إلى المشاركة بكثافة في انتخابات 17 إبريل, وعدم الاستجابة لدعوات المقاطعة، بينما تحدث منافسه الأبرز علي بن فليس, عن "نية تزوير مبيتة". وقال الرئيس المنتهية ولايته في رسالة نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية :"إن على المواطنات والمواطنين ألا يفرطوا في المشاركة في الانتخاب الرئاسي أو يسهوا عنه، وأن يدلوا بخيارهم إحقاقا وتجسيدا لسيادة شعبهم التي استعيدت بأبهظ الأثمان". وبدوره، دعا نائب وزير الدفاع رئيس أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح أفراد الجيش إلى التصويت "بقوة وفعالية" في يوم الانتخاب, بوصفهم مواطنين. وحذر بأنه لن يسمح بتعكير صفو الشعب الجزائري وأمنه واستقراره، مضيفا أن "الجيش سيقف جدارا منيعا ضد كل من تسول له نفسه استغلال حدث الانتخابات لتحقيق أغراض تتنافى والمصالح العليا للبلاد". ومن جهته، قال عبد المالك سلال مدير الحملة الانتخابية لبوتفليقة إن الرئيس المنتهية ولايته يتعافى بشكل مطرد من جلطة أصيب بها العام الماضي, ويتحدث مع فريقه يوميا، كما أنه بصحة طيبة بما يكفي لمباشرة الحكم بعد الانتخابات. وأضاف سلال الذي استقال من رئاسة الحكومة لرئاسة حملة بوتفليقة أن بوتفليقة يعتزم في حالة فوزه إجراء إصلاحات دستورية لتعزيز الديمقراطية, مع وضع حدود لفترات الرئيس ومنح سلطات أوسع لأحزاب المعارضة. يذكر أن الجزائر شهدت جدلا سياسيا منذ عام 2008 بعد تعديل دستوري جزئي أعاد فتح باب الترشح عددا غير محدود من المرات لرئيس الجمهورية، لكن النقاش اشتد بعد مرض بوتفليقة، ثم ترشحه لفترة رئاسية رابعة, يضاف إلى ذلك الجدل الجديد القديم بشأن دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية, وحقيقة توقيت الكشف عن قضايا فساد توصف بالكبيرة. وفي المقابل, دعت أحزاب إسلامية وعلمانية, ومعهم المرشح المنسحب من الانتخابات أحمد بن بيتور, إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية، واقترحوا ما سموها "مرحلة انتقالية ديمقراطية بعد 17 إبريل. وأكد رئيس حركة مجتمع السلم "إسلامي" عبد الرزاق مقري أن بوتفليقة "لا يمكنه الفوز بلا تزوير"، مضيفا أن بوتفليقة سيعلن رئيسا لولاية رابعة. واعتبر المقري الذي دعا إلى مقاطعة الانتخابات، أن الحملة الانتخابية لم تلفت انتباه الجزائريين، متهما السلطات بإجبار العمال على حضور تجمعات حملة بوتفليقة الانتخابية, التي غاب عنها بسبب المرض. كما خرج آلاف المعارضين لإجراء الانتخابات في مسيرة سلمية بولاية تيزي وزو عاصمة منطقة القبائل، بدعوة من حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية العلماني. ومن جانبه, قال علي بن فليس, المنافس الأبرز للرئيس المنتيهة ولايته بوتفليقة, إنه لن يسكت على التزوير, ودعا بن فليس إلى ما سماه الكفاح السلمي، لافتا إلى أنه لا يقبل بممارسة العنف. واعتبر نفسه من المدافعين على الاستقرار في البلاد، وأبدى ثقته في الفوز بالانتخابات الرئاسية، معتبرا نفسه "ناجحا". وتجرى الانتخابات في الجزائر بمشاركة 23 مليون ناخب لاختيار رئيس من بين ستة مرشحين أبرزهم بوتفليقة, ورئيس حكومته الأسبق علي بن فليس، إضافة إلى رئيسة حزب العمال لويزة حنون ورئيس حزب الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي ورئيس حزب عهد 54 علي فوزي رباعين، ورئيس حزب جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد. وفي آخر انتخابات رئاسية جرت عام 2009، فاز بوتفليقة بنسبة فاقت 90% أمام خمسة مرشحين ثلاثة منهم يشاركون في هذه الانتخابات أيضا. وبالنظر إلى أن الحملة الانتخابية في انتخابات 2014 جرت في أجواء شابها العنف في العديد من المحافظات، واستهدفت بشكل خاص تجمعات للموالين للرئيس المنتهية ولايته بوتفليقة, فقد ثارت مخاوف واسعة من احتمال تفجر موجة عنف دامية جديدة في البلاد, على غرار ما حدث في التسعينيات, خاصة في ظل استغلال النظام لتصريحات بن فليس حول عدم سكوته على التزوير. وأكد الكاتب الجزائري نصر الدين قاسم سياسة تخويف الجزائريين من العنف والاقتتال بدأت مع انطلاقة الثورات العربية، وتعاظمت مع إرهاصات ثورات الربيع العربي وانتكاسة بعضها. وأضاف في تصريحات لقناة "الجزيرة" في 16 إبريل أن ما قام به وكلاء الرئيس المرشح لخلافة نفسه" بوتفليقة" من استغلال لبعض إشارات وتصريحات بن فليس, التي كانت موجهة للاستهلاك الانتخابي فقط, "هو استمرار لعملية دفع المنتخبين أو ما تبقى منهم إلى الاقتناع, بأن بوتفليقة هو الضامن للأمن والاستقرار وتبرير نتيجة الانتخابات المنتظرة. واعتبر قاسم أن شكوى بوتفليقة منافسه بن فليس إلى وزير خارجية إسبانيا، والمبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي, خلال زيارتهما للجزائر, قبل انطلاق الانتخابات , "كانت هي الأخرى محاولة استباقية لتبرير التزوير أيضا". ورغم أن احتقان الشارع -وفق قاسم- تكفيه شرارة بسيطة للانفجار، فإنه استبعد أن تشهد الانتخابات أية انحرافات أو خروج للشارع, لأن نتائجها محسومة, "والكل يعرف ذلك". وبدوره, قال وزير الصناعة الجزائري السابق, ورئيس حزب جبهة التغيير عبد المجيد مناصرة بوجود مبالغة في وصف الوضع، مشيرا إلى أن الهدف منه "تخويف الجزائريين من خلال استدعاء مشاهد عنف عايشوها منذ عشرين سنة". ووفق مناصرة، فإن بن فليس لم يدع ولن يسلك طريق العنف، لأنه "ابن النظام وينتمي إلى نفس مدرسة بوتفليقة". ويبقى الخطر الحقيقي, الذي يهدد الولاية الرابعة لبوتفليقة, وهو ما شاب الولايات الثلاث السابقة له من استشراء الفساد , الذي طغى على الحياة العامة في الجزائر, وزاد من انتشاره ارتفاع أسعار النفط, ومعه فاتورة الواردات. ويحقق القضاء الجزائري في قضايا فساد تتعلق خاصة بشركة النفط العمومية "سوناطراك", التي سجلت دخلا قدر ب 700 مليار دولار منذ وصول بوتفليقة إلى الحكم في 1999 , وفي الملف أسماء لمسئولين سياسيين يعدون من المقربين لبوتفليقة. واعتبر رئيس "الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد" جيلالي حجاج في تصريحات لصحيفة "السياسة" الكويتية في منتصف إبريل أن أسعار النفط شهدت ارتفاعا كبيرا في ال 15 سنة التي حكم فيها بوتفليقة, وهذا هو السبب في انتشار الفساد. وقال إن مقربين من بوتفليقة, ومن النظام بصفة عامة, متورطون في الفساد بمستويات مختلفة, وقدر حجاج حجم العمولات "الرشوة", التي تم دفعها في مختلف الصفقات بخمسين أو ستين مليار دولار. وعبر حجاج عن أسفه لحالة "الجمود", التي عرفتها قضايا الفساد في الجزائر, في وقت يسجل القضاء تقدما كبيرا في تحقيقاته في قضايا الفساد على المستوى الدولي. لكن عبد المالك سلال رئيس الوزراء المستقيل لإدارة حملة الرئيس بوتفليقة, رد على ذلك بقوله :"لا يمكن ان يلومنا أحد بعدم مكافحة الفساد", مشيرا إلى أن القضاء عالج ألفي قضية في 2012 ومنذ 2009 , ظهرت للعلن العديد من قضايا الفساد, أهمها قضية "سوناطراك", التي عصفت بوزير الطاقة والمناجم السابق شكيب خليل في 2010 , بعد عشر سنوات قضاها في هذا المنصب. وصدرت "سوناطراك" ما يعادل 670 مليار دولار من النفط بين 2000 و,2013 ذهب أكثر من نصفها (370 مليار دولار) في الاستيراد و40 مليار في تسديد الدين الخارجي, فيما بقي 200 مليار دولار في احتياطي العملة. وبعد ثبوت تورط شكيب خليل في قضية صفقات "سوناطراك" مع شركات أجنبية وخاصة شركة “سايبم” فرع المجموعة النفطية الايطالية العملاقة "ايني", أصدرت النيابة العامة الجزائرية أمرا دوليا بالقبض عليه, كما يحقق القضاء الايطالي في القضية. وغادر شكيب خليل الجزائر في بداية 2013 عند انفجار الفضيحة, ورغم أنه عبر عن استعداده للمثول أمام القضاء , إلا أنه لم يعد أبدا للجزائر. وفي فضيحة أخرى, يتم التحقيق منذ 2009 مع مسؤولين كبار في قضية فساد تتعلق بمشروع "الطريق السيار" شرق غرب. وكانت التكلفة الأولية "لمشروع القرن", كما وصفته الصحافة الجزائرية, سبعة مليارات دولار لترتفع الى 13 مليار دولار. وتربط الطريق السيار شرق الجزائر من الحدود التونسية, بغربها على الحدود المغربية وتمتد 1200 كيلومتر, وقد دخلت الخدمة في السنوات الأخيرة, لكنها لم تكتمل بصفة نهائية. وبحسب صحيفة "الوطن" الجزائرية, التي حققت في قضية الطريق السيار, فإن 16 في المائة من تكلفة المشروع, تم توزيعها في شكل رشاوى. وظهرت تفسيرات مختلفة للإعلان عن هذه الفضائح الاقتصادية, حيث اعتبرها البعض إرادة من الدولة لمكافحة الفساد, فيما وصفها البعض الآخر بأنها مؤشر على صراع بين أجنحة في السلطة. ورأى المحلل السياسي الجزائري محمد حشماوي أن جهاز المخابرات, الذي كان يحتكر التحقيق في قضايا الفساد الكبرى, يستخدم هذه الورقة بنشر القضايا في الصحافة بغرض إطاحة أي شخص مزعج في هرم السلطة, وشكيب خليل أحسن مثال على ذلك