أكد علماء اجتماع أن الثورة والمجتمع المصري يتعرضان منذ ثورة يناير وحتى الآن لحرب نفسية هي أسوأ من حرب الأسلحة، يديرها بالأساس "إعلام الانقلاب" وفيها تتم عملية اغتيال معنوي للثورة ولكل الفئات المشاركة فيها، وعملية تفتيت وتفكيك للمجتمع بشكل غير مسبوق، وتزايدت حدتها بعد الانقلاب، حيث الاغتيالات والمذابح والدماء من مصريين ضد مصريين آخرين. واستنكروا قيام "إعلام السلطة" بشيطنة الإخوان والمعارضين للانقلاب بالشائعات والادعاءات دون دليل، وتبني خطاب تحريضي، مطالبين بسرعة التوقف عنه لخطورته على التماسك المجتمعي. حيث أكدت د.عزة كُريم - أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية - أن الحرب النفسية أسوأ وأكثر تأثيرا من حرب الأسلحة، وقد بدأت "الحرب النفسية" منذ ثورة 25 يناير، وازدادت في فترة حكم الرئيس مرسي، وأخطر ما في هذه الحرب أنها قسمت المجتمع المصري، والإعلام هو سبب هذا الانقسام؛ لأن الإعلام هو من مارس وأدار هذه الحرب النفسية، وأصبح إعلاما مضادا يستهدف تغيير اتجاهات الناس بالشائعات والأقاويل والادعاءات، دون سند أو دليل، لدرجة دفعت الناس للحذر من النظام الشرعي، ووصل بهم للكره، وهذا كله ليس من خلال وقائع، بل تم صناعة الكراهية من خلال أدوات الحرب النفسية التي شنها الإعلام. وكشفت "كريم" ل"الحرية والعدالة" أنه بعد 30 يونيو زادت "الحرب النفسية" من قبل الإعلام وقادة الانقلاب ضد المناهضين له، ووصلنا لكارثة أفرزتها هذه الحرب، وهي تقسيم الشعب ونشر العداوة بين الأسر والجيران، لدرجة تفكيك المجتمع، وهذا أسوأ ما نتج عن هذه الحرب النفسية المستمرة، والمبنية على الادعاءات غير الحقيقية، وصل بنا الإعلام لمرحلة خطيرة من تقسيم وتفكيك وتفتيت الشعب بمنتهى القسوة، ووصلنا إلى العدائية، وليس مجرد اختلاف سياسي، بل وصلنا للدماء، وأصبح الجندي المصري يقتل مصريا مثله، محذرة من أن قتل مصريين بيد مصريين منزلق خطير للغاية، ولن يحقق أية مصلحة ولا فائدة، بل سيؤدي إلى انهيار حربي ونفسي واقتصادي، متسائلة: لماذا يحدث هذا؟ وشددت "كريم" على أنه دائما القيادات هي من بيدها السيطرة على هذه الحرب النفسية، عن طريق توجيه الإعلام بالتوقف عن الإساءة وهذه الحرب، لافتة إلى أن أغلبية القنوات إن لم يكن كلها تقوم بشيطنة الإخوان متسائلة: لماذا يفعلون ذلك؟ مستنكرة عملية الشيطنة والتشويه المستمرة بالسب وبالإساءات والادعاءات بلا أدلة، وبلا توقف، مؤكدة ضرورة أن يعي الإعلام نفسه أنه سبب الحرب النفسية، ولابد من وقفها لكي نبدأ ولا نهدم ونفكر للمستقبل وللقادم. وحذرت "كريم" من الخطاب التحريضي للإعلام الذي يملأ بالغل والحقد والحرب النفسية كل القلوب، مما يشتت ويفتت الوطن، وهي عملية لا تفيد إلا أعداء الوطن وليس الشعب المصري. ولفتت إلى أن السلطة هي من توجه الإعلام وتتحمل المسئولية وهي من تقوم بالفعل والمعارضة أو الشعب لها رد فعل. من جانبها ترى هبة الأخضر -عضو جبهة الضمير والمتخصصة في العلوم السياسية- أن "الحرب النفسية" هي حرب تدمير الطموحات والتفكير والأفكار للطرف المتصارع أو المتنافس معه، بطرق ووسائل كلها معنوية تخاطب وتحارب آماله ورؤاه، ويستخدم فيها بقوة وسائل الإعلام بكل أشكالها، والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لمحاربة الخصم، ويمارس من خلال الحرب النفسية عملية "الاغتيال المعنوي" وهو أقوى وأشد من عملية القتل المادي. وأوضحت "الأخضر ل"الحرية والعدالة" أن الحرب النفسية تشنها دول على دول أخرى، وتديرها الدولة بنفسها في أوقات الحروب، كما تشنها مؤسسات متنافسة ضد بعضها وقنوات متصارعة وتمارس ضد أشخاص ومؤسسات وفي جميع المستويات. وترى" الأخضر" أن ما يحدث هو اغتيال معنوي لثورة 25 يناير بكل المقاييس، والتي خرج فيها الشباب لتحقيق أهداف واضحة ومعلومة للجميع (عيش وحرية وكرامة إنسانية وعدالة اجتماعية)، ودفعوا لأجلها ثمنا غاليا ودماء غالية وثباتا وصمودا، وشارك فيها كل بيت في مصر من القرى والنجوع والمحافظات ماديا ومعنويا، في مواجهة نظام فاشي ديكتاتور فاسد، وفساده متجذر بكل مفاصل الدولة، والتف الشعب فيها حول شباب الثورة وهب لتأييدها. وكشفت "الأخضر" أن الحرب النفسية استهدفت تكفير الناس بالثورة والديمقراطية وزعزعة إيمانهم بها، ورصدت أن هذه الحرب النفسية على الثورة صاحبها وزاد من خطورتها حرب معيشية وحياتية عانى منها المصريون، وبخاصة الفئات المهمشة مثل أطفال الشوارع والمرأة والفقراء، والذين لم تتحسن أوضاعهم بعد الثورة وحتى الآن طيلة فترة المرحلة الانتقالية للآن، وعاشوا مراحل عصيبة بظروف مجتمعية واقتصادية وأمنية صعبة ومنهم الشباب أنفسهم، هؤلاء خرجوا يوم 25 يناير طلبا للتغيير ولم يتحقق التغيير بعد. ونبهت "الأخضر" إلى أن هؤلاء تم ممارسة حرب نفسية عليهم مبكرا لاغتيال طموحاتهم وآمالهم في التغيير من خلال ثورة يناير، وهذا اغتيال معنوي لكل هذه الفئات ومعهم طبقة المثقفين أيضا، محذرة من أن هناك اغتيال معنوي لثورة يناير وكل الطوائف والفئات التي شاركت فيها سواء مثقفين وبسطاء وفقراء. وترى "الأخضر" أن "الحرب النفسية" تم توظيفها منذ اليوم الأول من إدارة المرحلة الانتقالية وحتى الآن، وبعد 30 يونيو تفاقمت الأمور وانكشف الوجه القبيح من اغتيالات ومذابح وأصبح مصريون يقتلون بأيدي مصريين آخرين. ونبهت إلى أن الثورة المضادة لعبت دورا كبيرا في هذه الحرب النفسية واستهدفت من أول يوم رفض وتقويض الرئيس مرسي والإخوان. في الوقت نفسه أكدت "الأخضر" أن مواجهة الحرب النفسية تبدأ بإدراك أننا نعيش غمة وأزمة تعاني منها مصرنا الجميلة، وأن هذا الشعب الجميل يستحق الكثير وجدير به، وبالتكاتف سيجد في الغد ما لم يجده بالأمس.