توريد 67 ألف طن قمح إلى شون وصوامع الوادي الجديد منذ بداية الموسم    اندلاع اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل أبيب    عمرو أديب: فرق الدوري الإنجليزي مبترحمش.. الصناعة بتجيب فلوس مش عزبة زي عندنا    حبس موظف بمحكمة أسيوط لحيازته كنزا أثريا في شقته    المخرج حسام جمال: "إلى ريما" مأخوذ عن رواية في قلبي انثي عبرية"    محافظ كفر الشيخ: تقديم خدمات طبية ل645 مواطنا بالقافلة العلاجية المجانية بمطوبس    مصر تواصل الجسر الجوى لإسقاط المساعدات على شمال غزة    تعليق ناري من أحمد موسى على مشاهد اعتقالات الطلاب في أمريكا    شرايين الحياة إلى سيناء    لميس الحديدي: رئيسة جامعة كولومبيا المصرية تواجه مصيرا صعبا    "مستحملش كلام أبوه".. تفاصيل سقوط شاب من أعلى منزل بالطالبية    جريمة طفل شبرا تكشف المسكوت عنه في الدارك ويب الجزء المظلم من الإنترنت    قطارات السكة الحديد تغطي سيناء من القنطرة إلى بئر العبد.. خريطة المحطات    رامي جمال يحتفل بتصدر أغنية «بيكلموني» التريند في 3 دول عربية    عزيز الشافعي عن «أنا غلطان»: قصتها مبنية على تجربتي الشخصية (فيديو)    حزب أبناء مصر يدشن الجمعية العمومية.. ويجدد الثقة للمهندس مدحت بركات    "اشتغلت مديرة أعمالي لمدة 24 ساعة".. تامر حسني يتحدث عن تجربة ابنته تاليا    أمين صندوق «الأطباء» يعلن تفاصيل جهود تطوير أندية النقابة (تفاصيل)    افتتاح المدينة الطبية بجامعة عين شمس 2025    غدا.. إعادة إجراءات محاكمة متهم في قضية "رشوة آثار إمبابة"    80 شاحنة من المساعدات الإنسانية تعبر من رفح إلى فلسطين (فيديو)    ما هي مواعيد غلق المحال والكافيهات بعد تطبيق التوقيت الصيفي؟    صور.. إعلان نتائج مهرجان سيناء أولا لجامعات القناة    سمير فرج: مصر خاضت 4 معارك لتحرير سيناء.. آخرها من عامين    حبست زوجها وقدّمت تنازلات للفن وتصدرت التريند.. ما لا تعرفة عن ميار الببلاوي    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    «الحياة اليوم» يرصد حفل «حياة كريمة» لدعم الأسر الأولى بالرعاية في الغربية    أمل السيد.. حكاية مؤسِّسة أول مبادرة نسائية لتمكين المرأة البدوية في مطروح    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    وكيل صحة الشرقية يتابع عمل اللجان بمستشفى صدر الزقازيق لاعتمادها بالتأمين الصحي    حكم الاحتفال بعيد شم النسيم.. الدكتور أحمد كريمة يوضح (فيديو)    طاقة نارية.. خبيرة أبراج تحذر أصحاب برج الأسد من هذا القرار    أنس جابر تواصل تألقها وتتأهل لثمن نهائي بطولة مدريد للتنس    بالصور.. مجموعة لأبرز السيارات النادرة بمئوية نادى السيارات والرحلات المصري    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    عاجل.. وزير الخارجية الأميركي يتوجه إلى السعودية والأردن وإسرائيل مطلع الأسبوع    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة| الأنابيب الكيني يفوز على مايو كاني الكاميروني    ليفربول يُعوّض فينورد الهولندي 11 مليون يورو بعد اتفاقه مع المدرب الجديد    النيابة تطلب تحريات إصابة سيدة إثر احتراق مسكنها في الإسكندرية    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    بلينكن في الصين.. ملفات شائكة تعكر صفو العلاقات بين واشنطن وبكين    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    مصر تواصل أعمال الجسر الجوي لإسقاط المساعدات بشمال غزة    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    ضبط عاطل يُنقب عن الآثار في الزيتون    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    خالد بيبو: لست ناظر مدرسة «غرفة ملابس الأهلي محكومة لوحدها»    عمرو صبحي يكتب: نصائح لتفادي خوف المطبات الجوية اثناء السفر    أستاذ «اقتصاديات الصحة»: مصر خالية من شلل الأطفال بفضل حملات التطعيمات المستمرة    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور محمد المهدي أستاذ الطب النفسي ل"الوفد":
الدين يتحول إلي "ديناميت" إذا أسئ توظيف مفاهيمه
نشر في الوفد يوم 18 - 08 - 2013

رغم قيام ثورة 30 يونية التي أسفرت عن عزل الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية السابق وإزاحة الإخوان من الحكم وتفويض الجيش لمواجهة العنف والإرهاب، مازال المواطن يشعر بحالة من الإحباط الشديد والقلق من المستقبل المظلم الذي يزداد سوادا يوما بعد الآخر، خاصة بعد أن وصلت الأمور الي أقصي درجات الكراهية بين القوي السياسية وإراقة الدماء في اشتباكات مؤسفة دون توقف وأصبحت الحالة النفسية للمصريين في الحضيض.
وضعت «الوفد» الحالة النفسية للمصريين علي مائدة الحوار مع الدكتور محمد المهدي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر ليكشف لنا الجوانب النفسية للمصريين في الفترة الراهنة.
ما توصيفك للحالة النفسية للمجتمع الذي يعيش حالة انقسام كبير وصلت إلي كل بيت مصر؟
- الأمر للأسف لم يتوقف عند الصراع السياسي بين مجموعات مختلفة سياسيا وإنما تجاوز الي صراع هوية وهذا ما يجعل الانقسام شديدا وحادا لأن كل فصيل يريد مصر التي يتخيلها هو , ويعتقد أن هذه فرصته التاريخية الوحيدة لتشكيل مصر خاصة وهي في حالة سيولة تسمح بذلك التشكيل. وقد ابتعد غالبية الناس عن الحياد, وتورطت المنابر الإعلامية في التحيز والاستقطاب, وتوارى الخطاب العقلاني المحايد, وبرز الخطاب العنصري الذي يدعو للنبذ والإقصاء والكراهية للطرف الآخر (أي آخر). كل هذا يحدث في وجود حالة من الانسداد والفشل السياسي, وضعف قدرة السياسيين على الحوار وافتقادهم لمهارات حل الصراع, ولذلك يلجأ كل فريق إلى سلاح الحشود الجماهيرية, وكل طرف يتسابق إلى حشد الملايين يستعرض بها قوته ويثبت بها أحقيته في امتلاك الشرعية.
هل وصلنا إلي مرض الإحباط والاغتراب فى المجتمع؟
- هناك نسبة عالية من المحبطين في المجتمع المصري تزيد علي 50% وممن يشعرون بالاغتراب, ونتمنى أن تقوم المؤسسات العلمية بقياس هذه النسبة وتحديدها بشكل علمي دقيق, ودرجة الاحباط لدى الناس تروح وتجىء حسب الأحداث الثورية التى نعيشها وتكون مرتفعة فى حالة الأحداث الدامية وسقوط العشرات وتنخفض عندما يسمع المصريون عن أموال تتدفق على مصر.
والحقيقة أن المصريين لم يتوقعوا أن يكون ناتج ثورة 25 يناير بهذا الشكل (انقسامات وعداوات وعنف وإقصاء وكراهية وانفلات أمني وتدهور اقتصادي). وحتى الآن لم يشعر الناس بالاستقرار لأنهم لم يصلوا إلى صيغة للتعايش الآمن والمسالم, وكل الخطوات الدستورية التي تمت انهارت وكل المؤسسات الديمقراطية تم حلها أو الإطاحة بها, والوضع كله استثنائي على الرغم من مرور أكثر من عامين ونصف العام على الثورة. والناس في حالة خوف وقلق من المستقبل, وكل له خوفه الخاص فمنهم من يخاف من الإخوان ومنهم من يخشي من الحكم العسكري, ومنهم من يخاف من فرض الهوية العلمانية, ومنهم من يخاف المزيد من التدهور الاقتصادي والإفلاس والفقر, والجميع يخاف من نشوب حرب أهلية.
من المسئول عن حالة الكراهية بين أفراد المجتمع الى هذه الدرجة؟
- الجميع مسئولون أفرادا وجماعات ومؤسسات, لأن كل شخص وكل جماعة وكل حزب وكل مؤسسة يتبنى موقفا نرجسيا يرى نفسه على حق والآخر على باطل, يرى نفسه ملاكا والآخر شيطانا. ولكن المسئولية الأكبر تقع على فصيلين مهمين: الأول هو فصيل الإسلام السياسي الذي جعل الصراع يدور على أرضية دينية، وبالتالي سمح لنفسه بأن يشوه مخالفيه ويضعهم في مصاف الكفار والمنافقين ويستخدم الآيات والأحاديث التي وردت في حق هؤلاء، بينما هو يتعامل مع منافسين سياسيين من بني وطنه والثاني هو الإعلام المعادي للتيار الإسلامي والذي بدا متحيزا بشكل هائل وراح يلصق كل التهم والرزايا والنقائص بذلك التيار حتى جعل منه شيطانا وجعل منه الخطر الأكبر الذي يهدد أمن البلاد والعباد ويتآمر مع قوى الأرض ضد وطنه. هذا الإدراك السلبي المتبادل, وهذه الشيطنة المتبادلة وصلت بالجميع إلى حالة توجس وتحفز وتخوين وتربص وعداء, وأغلقت كل فرص الحوار والتفاهم وتركت المجال مفتوحا فقط للصراع وتصفية الآخر, وسادت حالة من العناد السياسي والمكايدة السياسية بين كل فريق وفريق، مما أعطى إحساسا باليأس من التوافق والمصالحة في المستقبل القريب.
هل يمكن أن يتم مسح عقل الإنسان باسم الدين ليفعل أشياء مؤسفة كسفك دماء وقتل؟
- يمكن مسح العقل أو شحن العقل في اتجاه معين باسم الدين وغيره, خاصة مع الشخصيات القابلة للإيحاء والاستهواء, والشخصيات الاعتمادية التي ترغب في التسليم لقائد تراه معصوما وعظيما, والشخصيات التي يغيب عنها ملكة التفكير النقدي الموضوعي فتنجرف نحو الاستمالات العاطفية، خاصة إذا كانت دينية, حيث إن المعتقدات الدينية بطبيعتها قائمة على التسليم, فإذا استغلها شخص وحاول توظيفها في غير محلها، فإن ذلك يشكل خطورة، حيث إن التابع يثق ثقة عمياء بالمتبوع ويأتمر بأوامره, وهنا يتحول الدين إلى ديناميت. وقد يتورط من تمت برمجته في أفعال خطيرة تحت تأثير إيحاءات ومبررات أخلاقية مثل الدفاع عن الدين ودفع الظلم عن المظلومين ومجاهدة الكفار والمنافقين والمعاندين والسعي نحو الشهادة. وهنا يتم توظيف مفاهيم وتصورات دينية أصيلة في غير محلها فنرى الكثير من النوايا الحسنة في المكان والزمان الغلط.
الدكتور مرسى يصر أنه الرئيس الشرعى فما هو تحليلك النفسى له؟
- أقدر أنه حدثت له نقلات حادة ومفاجئة وسريعة, فقد خرج من سجن وادي النطرون منذ عامين ونصف العام, ووصل إلى منصب الرئيس منذ عام وعزل منه منذ أسابيع, واي شخص في مكانه بالتأكيد يتأثر بهذه النقلات السريعة, وربما يكون إدراكه للواقع مرتبطا بتصوراته الذاتية لهذا الواقع وتمنياته ورغباته, لهذا يكون الإدراك بعيدا عما هو حادث في الواقع. كما أن مرسي كرجل متدين تكون لديه قناعات مرتبطة باعتقاده بأن الله على كل شىء قدير, وأن الظروف الواقعية على الأرض لا تقف أمام قوة السماء, وهو يستدعي من التاريخ الإسلامي ما يؤكد له ذلك. لذلك أتوقع أن لديه يقينا في العودة كما لدى مؤيديه , بصرف النظر عن حسابات الواقع وقواعد المنطق.
وماذا عن الحالة النفسية لصفوت حجازى والدكتور محمد البلتاجى والمرشد؟
- يتحدثون بمنطق بعيد عن الواقع, ولا يرون المشهد بشكل موضوعي ولذلك يعمدون إلى الاستمالات العاطفية للأتباع وإلى بث الحماسة في نفوسهم ليظلوا صامدين ويعدوهم بالنصر المؤكد, وقد يوقعهم ذلك في أخطاء إدراكية وأخطاء منهجية واندفاعات خطرة, لأن الواقع لا يسير حسب ما يتمنون وما يبشرون أنصارهم به, وأحيانا يتجاوزون هذه الفجوة بين الواقع والمأمول بنوع من التأكيد الخيالي وذكر بعض الرؤى والأحلام واستدعاء الأحداث التاريخية ووضعها أحيانا في غير سياقها. وخطورة هذا أنه يخلق عالما خاصا في وعيهم ووعي أتباعهم, وكلما ابتعد هذا العالم الخاص عن أرض الواقع ولم تؤكده الأحداث يحدث نوع من الانهيار لتلك الافتراضات مع ما يتبعها من تداعيات. وقد تورط بعضهم في لغة تحريضية غير توافقية وضعت الأتباع في حالة تقاطع مع المجتمع يصعب الرجوع عنها.
وما تحليلك النفسى لمعتصمى رابعة والنهضة؟
- هناك حالة من الإصرار والصمود لدى معتصمي رابعة حتى الآن ولديهم يقين بعودة مرسي إلى الحكم على الرغم من أن معطيات الواقع لا تفي بذلك بل تضعه في نطاق المستحيلات, وربما يرجع ذلك لعدة أسباب منها: إن الطبيعة العقائدية الدينية لأنصار الدكتور مرسي, تجعلهم على ثقة عالية بعوامل قدرية غيبية مطلقة تتجاوز حدود الواقع ومعطياته, فهم يرون أنهم يخوضون معركة مقدسة لنصرة الشرعية والإسلام, ويخوضون صراعا مع القوى العلمانية لترسيخ الهوية الإسلامية في المجتمع المصري, وبالتالي يعتقدون أن النصر حليفهم لا محالة, وهم يستدعون من التاريخ الإسلامي حوادث كثيرة كان النصر فيها مستحيلا بحسابات موازين القوى ومعطيات الواقع ومع ذلك تحقق النصر، بالإضافة الى الشحن الحماسي والديني لهم ليل نهار من القادة والموجهين, مع خلق حالة من الإدراك الذاتي (subjective perception) للموقف ربما يستبعد الصورة الواقعية للأحداث ويضع مكانها صورة مرغوبة يكون من نتيجتها أن الدكتور مرسي عائد إلى منصبه لا محالة , وأنه سوف ينتصر على كل أعدائه ومناوئيه.
ويضاف الى ذلك الخوف من العودة إلى حالة المطاردة والتجريم والحظر والملاحقة والاعتقالات والتعذيب لأفراد الجماعة وقادتها, مما يجعل خيار التراجع مرعبا ومؤلما, لذلك يختفي تماما من قائمة الخيارات المطروحة, ولا يسمح العقل الجمعي للمؤيدين بأي احتمالات أخرى غير احتمال عودة الدكتور مرسي رئيسا وعودة الإخوان إلى سدة الحكم, وكأن الأحداث الماضية لم تحدث وكأن الواقع لم يتغير على الأرض. وهذا الخوف له ما يبرره خاصة مع القبض على بعض القادة والأعضاء وملاحقة آخرين, وإغلاق القنوات الدينية , ومعاودة أمن الدولة لنشاطه، ووجود ما يسمى طبيعة الحشد وقوة الحشد وما ينتج عنه من تغيرات كمية ونوعية في طريقة التفكير مما ينشئ عقلا جمعيا خاضعا لإيحاءات القادة والزعماء والموجهين بعيدا عن أي حسابات منطقية أو موضوعية أو واقعية , فالعقل الجمعي هنا يمثل روح هذه الحشود , وهذه الروح يتم شحنها طول الوقت باليقين بالنصر رغم كل العقبات، وربما يدرك القادة والزعماء وبعض الموجودين في الحشد ممن لا يزالون يملكون قدرة على التفكير المنطقي صعوبة أو استحالة تحقيق مطلب عودة الدكتور مرسي إلى الحكم, ومع ذلك يستمرون في الحشد ليكون رفعا لسقف المطالب حتى يحقق موقفا تفاوضيا قويا في أي تسويات سياسية مقبلة, فإذا كانت السلطة قد راحت فلابد من الاحتشاد ومواصلة التظاهر والاعتصام لحماية الكيان التنظيمي للجماعة وحماية قادتها وأفرادها , والعودة إلى المنظومة السياسية الجديدة بشروط معقولة أو بخسائر أقل.
وقد يكون في عقل القادة والزعماء والأتباع نموذج عودة شافيز في فنزويلا إلى مقعد الرئاسة بعد إزاحته عنه وذلك بضغط شعبي مستمر مع انقسام في القوى على الجانب الآخر، إذن فتفسير صمود هذه الحشود وإصرارها قد يشتمل على بعض العناصر الدينية والحماسية, كما يشتمل على حالة إدراكية ذاتية, ويشتمل أيضا على عوامل موضوعية عقلية وحسابات سياسية تبحث عن ظروف تفاوضية من مركز قوة أو تنتظر جذب مزيد من التأييد من الشعب أو من بعض فصائل الجيش أو من المجتمع الدولي, وكل هذا يتشكل عبر عقل جمعي يشحنه القادة والزعماء الذين يثقون بهم ثقة مطلقة.
وما تحليلك لخطابات السيسى وأثرها فى الشعب؟
- السيسي يتلبس بشخصية عبدالناصر وزعامته, وهو يمتلك كاريزما واضحة ولديه مهارات تواصل تسهل عليه تحريك مشاعر الجماهير وكسب ثقتهم ومودتهم, وعلى الرغم من أن خطاباته السياسية عموما قصيرة إلا أنها موجهة نحو الهدف مباشرة ومحددة بدقة. وقد استطاع تحقيق جماهيرية كبيرة في وقت قصير, وأن يأخذ دور المنقذ والمخلص, ولهذا تجد صوره معلقة في أماكن كثيرة في الشارع المصري. وهذه الصفات تجعل احتمالات دخوله في عالم السياسة كبيرا على الرغم من تصريحاته بأنه لا يرغب في ذلك, إذ إن القدرات والمهارات الشخصية تغري باستخدامها. ومن الناحية الموضوعية، لم تتضح بعد توجهاته السياسية ولم تكتمل الصورة حيال مشروعه السياسي, وأعتقد أن ذلك يحتاج لبعض الوقت, ولكن الاحتمال الأقرب للمنطق أنه سيكون شريكا في الحكم (إن لم يكن هو الحاكم الفعلي) في المستقبل بشكل أو بآخر, وبأنه سيعيد السلطة كاملة بيد الجيش حتى ولو تحت ستار مدني رقيق , وأن حلم الدولة المدنية ربما يتبخر لسنوات.
هل نستطيع القول إن جميع أعضاء التيار الإسلامى مصابون بمرض نفسى؟
- لا بالطبع فهذا يمثل تجنيا على تيار كبير في المجتمع المصري يعد بالملايين (من الأطباء والمهندسين والمحامين والعلماء والمفكرين وأساتذة الجامعات والمهنيين والفلاحين وغيرهم) ولهم أتباعهم في كل بيت وكل شارع وكل حي, ولهم تجربة ثرية في العمل وسط الناس لسنوات طويلة حتى في ظروف الحظر والتجريم والمطاردة. وهم قد أصابهم ما أصاب كل المصريين من سلبيات وتشوهات نشأت عن العيش تحت حكم استبدادي قمعي لسنوات طويلة. وقد تبين من التجربة أن التيار الإسلامي لم يكن جاهزا للحكم في هذه الفترة, وأن منهج التربية والإعداد فيه يعكس الكثير من السلبيات التي ظهرت في سلوك قادته وأعضائه, ولهذا حدثت أخطاء جسيمة كبدت هذا التيار وكبدت مصر خسائر فادحة, وأساءت إلى المشروع الإسلامي. ومع ذلك فهذا التيار مازال يمتلك عناصر قوة وبإمكانه العودة لممارسة دوره كفصيل مصري مؤثر ولكنه يحتاج للكثير من المراجعات وجهود التأهيل لكي يتعافى من أزمته.
وما رؤيتك النفسية لشباب جماعة «الإخوان»؟
- يجب التفرقة بين شباب الإخوان وبين قادتهم, فالقادة لهم حساباتهم ولهم أخطاؤهم، ولا يمكن أن نعذرهم بعدم المعرفة أو بحسن النية, بل يجب مساءلتهم عن أشياء كثيرة حدثت (مساءلة داخلية في التنظيم, ومساءلة مجتمعية وقانونية لمن ارتكب شيئا مخالفا للقانون). أما الشباب فهم متحمسون ولديهم نوايا حسنة وهم قد ضحوا بوقتهم وجهدهم وسلامتهم في سبيل مبادئ اعتنقوها حول تنشئة الفرد المسلم وتكوين الأسرة المسلمة وإحياء المجتمع المسلم والهوية الإسلامية. وهؤلاء الشباب يعتبرون رصيدا للوطن, ويجب بذل الجهد للتواصل معهم وتصحيح بعض الأفكار والتوجهات لديهم واحتواؤهم في النسيج المجتمعي. فإذا لم يحدث هذا, وحدث عكسه من المطاردات والاعتقالات والتنكيل خارج حدود القانون, فإن هذا الشباب قد يجد نفسه محاصرا ومعزولا عن المجتمع, وقد يلجأ إلى العمل السري والعنف ويصبح ناقما على المجتمع ومتصارعا معه.
هل لديك مخاوف من نشوب حرب أهلية؟
- نعم وإن كنت أعتقد أنها لن تكون واسعة النطاق لأن الشعب المصري بطبيعته لا يميل للعنف.
هل كانت خطابات الرئيس المعزول محمد مرسي وراء هذا الانقسام والكراهية؟
- هي لم تكن خطابات موفقة لأنه لم يستطع أن يقنع المصريين بأنه رئيس لهم جميعا, ولما كان تحيزه لتيار بعينه واضحا فإن ذلك فتح الباب على مصراعيه لحالة من الانقسام, وكان من المفترض على رئيس الجمهورية أن يكون محايدا بين الجميع لكي يلتف حوله الجميع ويثقوا به.
ما رأيك فيما تردد عن العثور على مواطنين تعرضوا للتعذيب بميدان رابعة.. هل من قاموا بهذا مصابون نفسيا؟
- لا أستطيع أن أجزم بمن عذبهم, أهم المعتصمون في رابعة أم غيرهم، فالأمور مختلطة ولذلك من الظلم إلصاق التهمة بفصيل أو تيار أو حتى شخص دون التأكد من خلال تحقيقات نزيهة ومحايدة, ولكنني أتحدث عن التركيبة النفسية لأي شخص يقوم بالتعذيب في أي زمان ومكان, فهي تركيبة سادية تفتقد للحس الإنساني السوي وتستمتع بعذاب الضحية وقهرها وإذلالها, وهي تفعل ذلك تحت مبررات ذاتية تزين لها هذا الفعل القبيح, وغالبا من يفعل ذلك لا يشعر بالذنب بل قد يشعر بالزهو والفخر لأنه يجرد الضحية من إنسانيتها. وليس بالضرورة أن يكون هؤلاء مرضى نفسيين بالمعنى الطبي, ولكن يغلب عليهم وجود اضطرابات في الشخصية وربما يكونون قد تعرضوا هم أنفسهم في مراحل حياتهم للقهر والتعذيب والإذلال والإساءة, فهم يسقطون ويزيحون كل ذلك على ضحاياهم.
هل تعتقد إن الإسلام السياسى فشل في تقديم مشروع قومى؟
- نعم التيار السياسي لم ينجح في تقديم مشروع إسلامي حضاري, إما لأنه لا يملك تفاصيل هذا المشروع, وإما أن المدة القصيرة وحالة العناد السياسي والمكايدة السياسية من المعارضة لم تعطه الفرصة لذلك. وأغلب ماكان يعرض يدخل في نطاق الشعارات والأمنيات والخطوط العريضة التي تحتاج للتحويل إلى برامج وخطوات عملية.
هل يمكن إدانة فصيل سياسي معين أدي الي تفشي حالة الكراهية الراهنة؟
الكراهية ليست من طرف واحد, بل هي متبادلة, وتأتي نتيجة إدراك سلبي متبادل, ونتيجة عمليات شيطنة متبادلة, ونتيجة خطاب كراهية عنصرية أيضا متبادلة. بل ربما تكون الكراهية ويكون النبذ موجهين أكثر نحو تيار الإسلام السياسي مع دعوات بإقصائه والإجهاز عليه تنطلق الآن من غلاة العلمانيين والكارهين للتوجهات الإسلامية سواء كانت متطرفة أو معتدلة.
ما رأيك فى الاشتباكات التى تحدث يوميا بين الاسلاميين والمواطنين فى الشوارع وهل يمكن أن تنتهى وكيف؟
- أعتقد أنها ستستمر بعض الوقت حتى تأتي انتخابات حقيقية يتنافس فيها الجميع بشكل عادل ونزيه وتفرز مؤسسات دستورية حقيقية تعكس خريطة المجتمع الحقيقية.
هل الحل يتمثل كما يري البعض في إقصاء الإسلاميين؟
- لست مع دعوات الإقصاء والحرمان لفصيل سياسي مهما تكن أخطاؤه, لأن هذا الإقصاء يدفع المنتمين لهذا الفصيل إلى العمل السري, وربما الاندفاع نحو العنف والتطرف، خاصة أنه يشعر بالنبذ والظلم من المجتمع.
وماذا يفعل المواطن للخروج من الحالة النفسية التى يعيشها الآن؟
- المصالحة والاحتواء والدمج ليست لمصلحة الإخوان فقط، ولكنها لمصلحة الجميع, كي يعيش المجتمع في أمان واستقرار, وكي يجد كل شخص وكل تيار مكانه المناسب في الخريطة السياسية والمجتمعية ويشارك في البناء بدلا من أن يتوجه نحو الهدم.
ما نصيحتك للشعب خلال المرحلة السابقة؟
- ألا يغتر بالحشود التي خرجت وأن يبتعد عن فكرة الإقصاء لخصومه, وألا ينزع نحو الانتقام والتشفي, وأن يحذر من التغول العسكري في الحكم, وأن يظل متمسكا بخيار الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التي تسع كل التيارات والاتجاهات.
وما نصيحتك للإخوان المسلمين؟
- أن يتقبلوا الهزيمة بروح رياضية خاصة أنهم قد حققوا انتصارات كثيرة قبل ذلك, وأن يتجهوا نحو التهدئة ولا يحملوا سلاحا ولا يمارسوا عنفا, وأن يتبرأوا من أي عنف يمارس باسمهم أو باسم غيرهم, وأن يجلسوا في هدوء مع أنفسهم ومع محبيهم ليتدارسوا الفترة الماضية بإنجازاتها وإخفاقاتها, وأن يتعلموا ويستفيدوا من الأخطاء التي حدثت, وأن يجروا عملية مصالحة مع بقية فئات الشعب ويعملوا على تحسين الصورة التي تأثرت كثيرا بالأحداث والصراعات, والنصيحة الأهم هي أن يهتموا أكثر بالنشاطات التربوية والدعوية والتنموية لخدمة المجتمع, وأن تبتعد الجماعة تماما عن السياسة وتتركها للحزب الممثل لها في النطاق الذي يقدر عليه وأن تعود لحكمتها السابقة «المشاركة لا المغالبة» لأن تجربة السلطة والانفراد بها كلفها الكثير واساء إلى صورتها وربما تحتاج إلى وقت وجهد كي تستعيد تلك الصورة التي كانت عليها في فترة الحظر والتجريم والاستضعاف كجماعة مجاهدة ومعارضة للاستبداد والفساد بذلت الكثير من أرواح أبنائها وحريتهم في سبيل تحقيق أهداف نبيلة.
وهل السعى الى السلطة يبيح المواجهة الدموية لما يحدث بالبلاد سواء فى رابعة العدوية وميدان النهضة؟
- نعم فالسعي للسلطة والوقوع في غوايتها كان هو السبب في دخول جماعة الإخوان إلى هذا النفق الذي استنزف طاقتها وطاقة ابنائها وأدخلها في صراع مرير لا يعرف أحد مداه, مع أن الجماعة كانت أفضل بكثير وهي بعيدة عن السلطة, وكأنما السلطة أظهرت عيوبها وأخذتها إلى مساحات صراع شوهت صورتها.


بطاقة شخصية
ولد الدكتور محمد عبدالفتاح المهدي في 9/8/1956
دكتوراه الطب النفسي جامعة الأزهر
رئيس قسم الطب النفسي كلية طب دمياط - جامعة الأزهر
عضو مجلس إدارة الجمعية الإسلامية العالمية للطب النفسي
مستشار التحرير بمجلة «النفس المطمئنة»
من مؤلفاته:
«الصحوة الإسلامة.. دراسة نفسية 1992»
«المدمن بين مستويات اللذة والألم 1995»
«المخدرات والجنس 1995»
«الصحة النفسية للطفل 1999»
«سيكولوجية الصهيونية 2001»
«الصحة النفسية للطفل 2006»
«دراسة نفسية لأحلام نجيب محفوظ 2006»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.