وضعت الأقلام وجفت الصحف وما زال هناك تيار يأبى الاعتراف بالهزيمة, فلم يتخيل أنه بعد الصعود من الهاوية إلى القمة سيعود مجددا للخوف من الإقصاء والتعذيب فى سجون أمن الدولة, فالفرصة الآن لديهم فى ميدان رابعة العدوية, بعد إعلان صافرة النهاية على ولايه جماعة الإخوان المسلمين الذى استمر حكمها عاما واحدا فقط ولكنه كان مظلما, بحسب رؤية شعب ثار ضدهم, ومن وجهة نظرهم لم يمنحوا فرصة جيدة كى يثبتوا وجودهم فى حكم مصر, ولكن المعارضة والشارع والواقع كان له رأى آخر. لفظ التيار الإسلامى أنفاسه الأخيرة فى معركته مع الشعب والجيش ليعود لمصير محدد إما لسجونه القديمة أو لمخبئه تحت الأرض مجددا, الصورة العامة كملعب كرة وهناك فريقان أحدهما الإخوان وعشيرتهم والآخر المعارضة, فبينما يتعامل السياسيون وقاده المعارضة بنوع من الثقة فى النفس والإيمان بقضيتهم, يواجه التيار الإسلامى بغرور ومكابرة وتشبث بالفكرة الرافضة لعزل الرئيس محمد مرسى ونزعهم من الحكم بعد 48 ساعة من خروج الشعب إلى الميادين. وطبقا لمحللين نفسيين يرون أن قادة القوى الإسلامية يعانون من أمراض نفسية ويعيشون حالة رعب فى مرحلتهم الأخيرة فور وصولهم إلى نقطة النهاية من حكمهم, فضلا عن أن أبناء التيار الإسلامى الذين اختاروا ميدان رابعة العدوية كى يتجمعوا فيه بعيدا عن الشعب الذى لم يعد يراهم, يشعرون بالانتماء إلى هذا الميدان ويحتضنون أفكارهم. ما بين مصطلحات علمية كثيرة منها بارانوية إلى عقدة الاضطهاد إلى الصدمة والعجز النفسى التام هكذا جاء تفسير خبراء الطب النفسى لأبناء التيار الإسلامى وما يعيشونه الآن بعد سقوط دولة الإخوان المسلمين. أكد يسرى عبدالمحسن أستاذ الطب النفسى أن الإحباط المفاجئ الذى وقع على أبناء التيار الإسلامي جاء لشعورهم بالفشل وأصبحوا فصيلا غير مرغوب فيه من جموع الشعب, مما نتج عنه حالة من الاهتزاز النفسى فى تقييم الموقف وأصبحوا فى حيرة من أمرهم لمواجهة أنفسهم بشجاعة, وأشار إلى أن أبناء التيار الإسلامى يرفضون الاعتراف بأخطائهم وأصبحوا فى غيبة من الوعى والإدراك السليم. وأوضح عبدالمحسن أن الحالة التى يخضعون إليها تشبه «الخبطة» التى وقعت على رأس شخص ما فجعلته مهتزا وغير قادر على اتخاذ قرار فضلا عن أن هؤلاء أسرى لعقائد ولم يخرجوا عن إطارها إلى أمور الحياة الأخرى, وأشار إلى أن هؤلاء محصورون فى إطار عقيدة متشددة وليس لديهم رغبة فى الخروج من هذه الدائرة المغلقة للتعامل مع الواقع ومجريات الأمور من حولهم. ووصف عبدالمحسن أن التيار الإسلامى حاليا فى حالة غياب تام من البصيرة والدليل أنهم ما زالوا يحلمون بعودة الرئيس محمد مرسى وهو ما يعنى فقدهم للصواب ووهم خيال لا ينطبق مع الواقع وهو ما يسمى فى علم النفس بالعجز النفسى التام. وأضاف عبدالمحسن أن معتصمى رابعة والميادين الأخرى يحتاجون إلى ترشيد نفسى وترشيد لحركتهم وصحوة نفسية تعيدهم إلى الفكر الصائب والشعور بأنفسهم وكيانهم فى وسط مجتمع. كما أكد الدكتور أحمد يحيى أستاذ علم الاجتماع السياسى أنه من الواضح أن هذه الشخصيات تربت على الغرور والشعور بالذات لأنهم غالبا يخضعون لقياداتهم وينفذون ما يطلب منهم فى إطار السمع والطاعة كما أنهم يشعرون بأنهم مالكو أفكار لم يأت بها غيرهم من هنا جاءت الإصابة بالغرور بأنهم متميزون. وأضاف يحيى أن فترة السجن لعبت دورا هاما فى صياغة شخصيتهم وصورتهم على أنهم ضحية وأصحاب مشروع وقادرون على التغيير لوجه العالم وعندما وصلوا للحكم فشلوا فشلا ذريعا فى عرض هذا المشروع أو تطبيق أبعاده أو مواجهة الجماهير مما كشف عنهم غطاء تستروا خلفه وانكشفوا بعدم القدرة على إدارة الدولة مما أفقدهم الشعبية التى عرفت أن تدينهم زائف وأصبحت عوراتهم بلا سترة وأضمحلت حكمتهم وغرورهم الدائم فى امتلاك رأى الشارع يصيب قلوبهم بمرض نفسى لأنهم ما زالوا يعتقدون أنهم أصحاب اليد الطولى فى مقدرات هذا البلد. ومع اكتشاف كل هذه العيوب أصابهم الخوف والقلق وتخبطوا فى أقوالهم وأفعالهم ووصل الأمر إلى استخدامهم للزبانية التابعين لهم من أنصارهم لتهديد الشعب غير مدركين أن الشعب المصرى نفسيا قادر على مواجهة من هو أشرس منه. وعن شعور قادة التيار الإسلامى يرى يحيى أن الحالة النفسية لهؤلاء الآن هى الاضطراب والقلق وهم يحاولون استرجاع ما فقدوه بكل قوة وهؤلاء لا يؤمنون بمعان سياسية كثيرة, لأنهم شخصيات ذات عقلية تعانى من «البارانوية» ولديهم شعور العظمة الزائفة الكاذبة, وهذه المكابرة التى يتعامل بها قيادات الجماعة جاءت نتيجة استقوائهم بالتنظيم الدولى والدعم المادى والشعبية الكبيرة ومع اكتشاف أن هذه عوامل لا تفيد ولا تغنى ولم تحقق أهدافهم من الحفاظ على حكم مصر أصابهم الأحباط مما قد يؤدى إلى إصابتهم بهوس عقلى. وأضاف «لابد من إعداد معسكر طبى نفسى لهؤلاء لإعادة تأهيلهم النفسى والعقلى لأنهم فاقدو القدرة على التواصل مع الآخر وهذا أخطر ما يهدد أى عقلية سياسية بأنها تشعر أنها دائما على حق. وأوضح يحيى أن أصحاب التيار الإسلامى يعيشون الآن حالة الصدمة لأنهم لم يتوقعوا سقوطهم بهذه السرعة واستبعدوا سقوطهم تماماً وأن يخسروا بهذه السرعة ما وصلوا إليه من سلطة ومكانة كانوا يحلمون بها منذ عهود كثيرة ويتصورون أنهم باستخدامهم مقولات المشروع الإسلامى والدولة الإسلامية وإقرار الشريعة بأن هذا يستقطب قلوب وعقول المواطنين, وأن التلاعب بالمشاعر والعواطف الدينية هو أقصر السبيل للتأييد السياسى وغاب عنهم أن المجتمع المصرى مجتمع نهرى يصرف ويمنح فرصة ويثق فى قياداته حتى ظهر عكس ذلك ثار عليهم واقتلعهم من جذورهم وهنا كانت الصدمة. وأضاف«الشعور بالتعالى والتميز والكبرياء الزائدة والغطرسة والخطاب الفوقى والسلوك المتفرد وهو ما مارسته قيادات وأفراد التيار الإسلامى وكان له أكبر الأثر فى رفض الشعب له والمطالبة بعزلة. ومن ناحية أخرى لم يكن من المتوقع أن شباب العشرينيات وباستخدام ورقة «تمرد» قادرون على تجييش هذه الملايين وحشدهم وإقناعهم بفشل السلطة السياسية القائمة بل صور البعض للقيادة السياسية إنهم شرذمة من الشباب لا يزيدون علي 100 ألف يتم إنهاء موقفهم خلال ساعات وهذه الخطيئة الكبرى التى وقع فيها مبارك وتشير المعطيات النفسية على أنهم ما زالوا يعيشون فى وهم العودة وأنهم قادرون على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وهنا يحدث ما يعرف برد الفعل غير العقلانى «بارانوية العظمة» رد الفعل السلبى بحشد مؤيديهم من أنصار التيار الإسلامى وقيامهم بعد فقدان السلطة بالتهديد الصريح بالعنف المباشر من قياداتهم وأمام الجميع هى السبيل الوحيد لاستعادة ما فقدوه. ويرى يحيى أن التيار الإسلامى يعيش الآن فترة الصراع من أجل البقاء وهذا واضح من استباحة كل الموبقات والمغالطات لإثبات موقفه وعودته إلى صدارة الحكم . وأشار إلى أن هؤلاء لديهم عقدة تسمى «الاضطهاد» لأنهم فقدوا الكثير ولم يمنحوا شيئا ومن كثر خوفهم على الشيء فقدوه.