فى ذكرى حرب يونيو لا بد لنا أن نتوجه بتحية عرفان لأبطال بدءوا من اليوم التالى لما لحق بمصر فى بناء قدرتها رغم كل ما أصابهم ماديا ومعنويا. وكأنه ذات موقف الصحابة فى غزوة حموراء الأسد صبيحة "أحد"، وكأنى بقول المولى: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ) وكذلك قوله سبحانه: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) من أمثال هؤلاء، نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على الله، قادة وجنودا من جيش خير أجناد الأرض، من هؤلاء أبطال شدوان وإيلات، وغيرهم كثيرون. والشهيد عبد المنعم رياض، ذلك القائد الذى ضرب مثالا لجسارة القيادة؛ إذ تقدم لأقرب نقطة من نقاط العدو فنال جائزة الاستشهاد لما توفرت له هذه الصفة فى القيادة، ولكن من أكثر من ظلموا فى هذه الآونة مدكور أبو العز. أتعلمون من هو هذا الاسم يا شباب؟ إنه أحد رجالات مصر الذى بعد أن قصفت كافة المطارات فى مثل هذا اليوم واختفى سلاح الطيران المصرى. هو الذى بدأ رحلة إعادة بناء سلاح الجو المصرى. وصل الفريق مدكور أبو العز إلى منصب مدير الكلية الجوية فى الفترة من عام 1956 حتى عام 1963؛ حيث نجحت وشايات بعض الحاقدين فى إبعاده من الكلية الحربية. إلا أنه بمجرد ما حدث فى هزيمة يونيو 1967 تم استدعاؤه مرة أخرى قائدا للقوات الجوية، وعند وصوله ألماظة استقبل تلاميذ الفريق مدكور أبو العز أستاذهم بحفاوة بالغة أسعدته، لكنه قال لهم مباشرة: إن هذا الوقت ليس وقت الاحتفالات، وإنما وقت العمل لحين استعادة الكرامة. وكان يرى أنه من الشرف لسلاح الجو المصرى أن يفقد إحدى طائراته فى معركة مع طائرات العدو فى الجو، ولكن من العار فقد طائرة وهى واقفة على الأرض. لذلك أخذ على نفسه عهدا بألا تضرب طائرة مصرية على الأرض بعد 67، وقام على الفور وخلال ثلاثة أيام من توليه قيادة القوات الجوية بالمرور على المطارات المصرية بالكامل، وحدد احتياجات كل مطار. وبعد 40 يوما فقط من نكسة 67 قام سلاح الجو بتوجيه ضربة للعدو الإسرائيلى بسيناء، نجح خلالها فى إصابة مطارات العدو ومراكز القيادة، وتشكيلاته على مدار يومين هما 14 و15 يوليو عام 1967 دون أن يفقد طائرة واحدة، بعد أن نجح فى تجميع 250 طائرة هى كل ما تبقى من سلاح الجو المصرى بعد هزيمة 67 وأعاد تأهيلها وقام بالطلعتين ردا على الغطرسة الإسرائيلية على الجبهة. وركز معى على كلمة تجميع 250 طيارة خلال 45 يوما.. تخيل معى كم الجهد المادى والمعنوى لمن كان يعمل بتلك المطارات ليتم فك الطائرات التى قصفت وإعادة تجميعها لينتج من ذلك 250 طائرة.. وشاء الله أن يرينا آية فى وقت وفاته؛ فاختار له أن يتوفاه فى ليلة السابع والعشرين من رمضان 1427. ما أريد أن أؤكد عليه وأنا أروى هذه الأسطر: أن المرء الذى يؤدى ما عليه من واجب أيا ما كانت نتيجة الفرقة أو الطائفة أو الهيئة التى ينتمى إليها لهو الرابح أيا ما انتهت نتيجة تنافس هيئته مع غيرها من الهيئات؛ فما قيمة أن أكون جزءا من فريق رابح ما لم أقم بدورى فى تحقيق هذا النصر وما يضيرنى إن أديت أنا ما على ثم جاءت النتيجة على غير ما تمنيت.