* 40 ألف لاجئ سورى تلاحقهم عيون الأسد * يرفضون التوجه إلى سفارة بلادهم لتسجيل بياناتهم خوفا من ملاحقتهم * العمل فى المطاعم الشامية أبرز ما يمارسونه.. وبعضهم يتسول لقمة العيش * زواج السوريات القصّر أبرز المشاكل التى تواجه الفتيات * الطلاب يشكرون د. مرسى على معاملاتهم مثل الطلبة المصريين قرر العديد من السوريين الهرب خوفا من الموت بنيران جيش بشار الأسد أو شبيحته، وقرروا اللجوء إلى بعض الدول المجاورة، ومنها مصر والأردن وتركيا والسعودية؛ ليمكثوا فيها حتى يأذن الله بانتصار ثورتهم على نظام الأسد ويعودوا بعدها إلى وطنهم، ولكن حتى يحدث ذلك فإن اللاجئين السوريين يعيشون فى البلاد التى لجئوا إليها فى ظروف صعبة جدا، فضلاً عن أن نظام الأسد يرسل خلفهم فى كل مكان العيون التى تهددهم حتى إن كثيرا منهم لم يتوجهوا إلى السفارات السورية لاستكمال أوراقهم حتى لا يتعرف نظام الأسد على أماكنهم. ولجأ إلى مصر نحو 40 ألف سورى تكاد لا تخطئهم العين؛ لأن ملامحهم تكشف هويتهم وعيونهم وحكاويهم مسكونة بالألم والأسى.. "الحرية والعدالة" قامت بجولة فى مدينة السادس من أكتوبر معقل اللاجئين السوريين فى مصر، والتقت عددا منهم، للتعرف من قريب على ما يواجههم من مشاكل مادية واجتماعية وعلى أنواع العمل الذى يمارسونه. الأعداد أعلنت المفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين فى مصر يبلغ 6 آلاف و97 شخصا، بينما ذكرت مصادر مصرية أن عددهم أكثر من 40 ألف لاجئ. وأضافت المفوضية، فى بيان لها، أن عدد اللاجئين السوريين بشكل عام قارب مليون لاجئ تم تسجيلهم أو إغاثتهم، وتابعت: "إنهم فى حالة صدمة، معدمون تماما وفقدوا أفرادا من عائلاتهم، حوالى نصف اللاجئين فقدوا أطفال ومعظمهم دون الحادية عشرة من العمر، ويلجأ السوريون إلى لبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر، كما يفر عدد متزايد من السوريين إلى شمال إفريقيا وأوروبا". وقال أنطونيو جوتيريس، رئيس البيان الصادر فى جنيف: "مع بلوغ مليون شخص فارين من بلادهم، وملايين النازحين داخل البلاد، وآلاف الأشخاص الذين يعبرون الحدود كل يوم، فإن سوريا دخلت دوامة الكارثة المطلقة"، وتابع: "إن عدد اللاجئين الذين يفرون من سوريا ازداد بشكل هائل منذ مطلع العام مسجلاً 400 ألف لاجئ". من جانبه، قال محمد الدايرى، رئيس المكتب الإقليمى لمفوضية اللاجئين فى مصر: "إن أحدث تقرير للمفوضية يشير إلى وجود معلومات تؤكد أن هناك مجموعة من السوريين، تضم نحو 150 سوريا، يعيشون بمدينة السلوم، قرب الحدود الغربية لمصر مع ليبيا، إضافة إلى مجموعات أخرى تعيش فى محافظات مثل دمياطالجديدة، والمنصورة، والغردقة، والسويس، والإسماعيلية والشرقية". وتوقع الدايرى أن يصل عدد السوريين المسجلين لدى مكتبه فى مصر، إلى ما بين10 آلاف وألفى سورى، فى حال استمرار معدل التسجيل الحالى على ما هو عليه". أماكن وجودهم بدأ وجود السوريين فى مصر منذ عام تقريبا، ولخص أحمد نصيرات سبب اختيارهم مصر هو شعورهم بالأمان، وأنهم جاءوا إليها من منطلق الآية الكريمة: "ادخلوا مصر أن شاء الله آمنين"، إضافة إلى أن مصر هى من الدول القلائل المؤيدة للثورة السورية شعبا وحكومة". وحكى نصيرات ل"الحرية والعدالة" رحلته هو وأسرته للقدوم إلى مصر قائلاً: "بدأ الأمر بالاتصال بابن عم لى موجود فى مصر من قبل اندلاع الثورة السورية، ويفتتح مطعم مأكولات سورية فى مصر، وطلبت منه القدوم، وفررنا من نيران قوات الأسد عن طريق الأردن، وأنا أحمل أطفالى الصغار، ولم أكن أحمل أى حقائب ولا أمتعة، فقط خرجنا بما علينا من ملابس بعد أن هدم بيتنا وذبح الكثير من أهلينا". ويضيف: "قدمت إلى مصر وتحديدا مدينة 6 أكتوبر؛ حيث استأجرنا شقة فرشها لنا إخوتنا المصريون بمجرد علمهم بوصولنا وتبرعوا لنا بالأغطية ولأطفالى بالملابس، والتحقت بالعمل مع ابن عمى فى مطعمه، وألحقت أبنائى بمدارس خاصة، فلم أتمكن من إدخالهم فى مدارس حكومية؛ لأنها تتطلب منا التسجيل فى السفارة السورية لاستكمال الأوراق، ونحن نخشى من الذهاب إليها حتى لا يتعرفوا على أماكن وجودنا فى مصر؛ لأنهم يزرعون شبيحتهم فى كل مكان به لاجئون ومن يتكلم عن النظام يتم تصفيته". من جانبه، قال عارف الحسانى، الذى يعمل نقاشا بمصر، إنه أتى إلى مصر بعد أن قتل اثنان من أبنائه، فأخذ زوجته وابنتيه وجاء إلى مصر، والتقى على الحدود المصرية بعض المصريين الذين أطلقوا مبادرات بكفالة السوريين واستقبالهم من على الحدود حتى تسكينهم، وقاموا بتسليمهم للجمعية الشرعية، التى قامت بتسكينهم وكفالتهم وتوفير أعمال لهم، بعدما عرفوا منهم ماذا يعملون وماذا يجيدون ثم يسوقون لهم". ويضيف: أنا على سبيل المثال كنت فى بلادى أعمل فى "مجال الديكور"، وعملت هنا فى مصر نقاشا، لما لى من خبرة فى هذا المجال". وحول سر تمركزهم فى مدينة السادس من أكتوبر يقول الحسانى:" مدينة السادس من أكتوبر تشبه فى تخطيطها ونظافتها دمشق، أى أنها تشبه بلادنا؛ لذلك نوجد فيها بكثافة مع بعضنا البعض". عمل السوريين وفى جولة "الحرية والعدالة" فى مدينة السادس من أكتوبر والمحاولة للتعرف على الأعمال التى يقومون بها، وجدنا أن معظمهم يمارسون أعمالا بعيدة عما كانوا يمارسونها فى بلادهم، بينما يعمل بعضهم لدى بعض السوريين الذين يمتلكون المال وقاموا بشراء محلات ومطاعم، لكن أكثر مهنة غالبة عليهم هى مطاعم الأكل الشامية. ويذكر "ع. ه" -الذى رفض ذكر اسمه وهو صاحب مطعم ويعمل معه خمسة شباب سوريين- أنه كان يعمل موظفا حكوميا فى مدينة دمشق، قبل أن ينتقل للإقامة فى مصر بعد قيام الثورة، وأنه وجد فى افتتاح مطعم وسيلة لكسب الرزق ومساعدة بعض الشباب السوريين الموجودين فى مصر على العمل معه. ويضيف: "من يقوم بافتتاح المطاعم هم فى الغالب من يستطيعون الخروج من سوريا ومعهم بعض الأموال". ويبلغ عدد المطاعم الشامية التى افتتحها سوريون بمصر بعد قيام الثورة السورية ما يقرب من مئة مطعم نصفها بالقاهرة والجيزة، وذلك وفق تقدير الناشط السياسى والإعلامى السورى عمار أبو شاهين، الذى يقيم بالقاهرة منذ قيام الثورة السورية. ويرجع أبو شاهين انتشار المطاعم السورية إلى المرونة التى تبديها السلطات المصرية مع السوريين فى الحصول على التراخيص اللازمة لإنشاء المطاعم، وهو ما لا يجده السوريون فى دول أخرى مثل الأردن؛ وهو ما دفع أعدادا من السوريين المقيمين بالأردن إلى النزوح لمصر. وعلى جانب آخر، وجدنا محل خاص بحلاقة الرجال يستأجره "م. ب" وزبائنه معظمهم سوريون كانوا متخوفين من الحديث إلى الإعلام؛ حيث أخبرونا أن المخابرات السورية تلاحق أقاربهم فى وطنهم سوريا إذا هاجموا النظام فى وسائل إعلام الدول التى يذهبون إليها. وقال صاحب المحل "إنه قام باستئجار هذا المحل للعمل به هو وثلاثة سوريين آخرين، رغم أنه بعيد عن المهنة التى يقومون بها فى بلادهم؛ لكنهم تعلموها فى مصر على يد (حلاق مصرى) قام بتدريبهم ومساعدتهم بعد ذلك على إيجاد محل واستئجاره فى منطقة الشيخ زايد بأكتوبر يرزقون منه". بينما أخبرنا " ت. غ"، وكان جالسا داخل محل الحلاقة، أنه يعمل فى أحد الأفران ليرزق بقوت يومه، وأنه لا يشكو من أى معاملة سيئة من رب عمله ولا من زملائه المصريين، بل على العكس الجميع يتعاملون معه بكل حب؛ لكنهم يخشون بشدة التعامل مع وسائل الإعلام؛ لأن نظام الأسد يزرع العملاء فى مصر، بحجة أنهم لاجئون ويقومون بنقل المعلومات. وقال: "إن خوفنا من التعامل مع الإعلام يكون على ذوينا فى سوريا، فنحن آمنون فى مصر؛ لكننا نخشى على أهلنا المقيمين فى سوريا إذا قلنا أى شىء على نظام الأسد". ظاهرة التسول رغم محاولة الكثيرين منهم إيجاد عمل لهم يكسبون منه قوت يومهم ويصرفون به على أسرهم، إلا أن ظاهرة تسول السوريين باتت منتشرة فى المجتمع المصرى؛ حيث ذكرت مصادر وجود عدد من السوريين فى صعيد مصر يستدرون عطف الصعايدة، وذلك ما وجدناه أمام مسجد الحصرى عن أعداد من الشباب والنساء السوريين الذين يجوبون الشوارع ويغطون وجوههم ويبرزون هوياتهم التى تؤكد أنهم سوريون. وأخبرنا شاب منهم أنه مضطر لطلب الإعانة؛ لأنه حاول كثيرا أن يجد عملا، لكنه لم يفلح فى ذلك؛ حيث قال: "أبناء البلد المصريون يجدون العمل بصعوبة فهل سأجد أنا عملا بسهولة"، مضيفا: "المصريون يتعاملون معنا بكل حب ورحمة، ويعطوننا أموالاً نستطيع من خلالها أن نكفل أنفسنا". البوابة الوحيدة للطلبة من جانبهم، أعرب الطلاب السوريون الذين يدرسون فى مصر عن امتنانهم إلى الرئيس محمد مرسى، بعد أن تم تطبيق القرار الذى أصدره يوم 5 سبتمبر 2012، بأن تتم معاملة الطلاب السوريين نفس معاملة الطلبة المصريين من حيث المصاريف الدراسية وغيرها. وتبقى المشكلة أن بعض الأهالى يرفضون استكمال أوراقهم من السفارة السورية، إما لخوفهم من التوجه إلى هناك وإما لعدم اعترافهم بنظام الأسد، وبالتالى عدم اعترافهم بالسفارة أو كنوع من أنواع الاحتجاج على بقاء نظام الأسد؛ لذلك فمن لم يستطع استكمال أوراقه تظل المدارس الخاصة هى الملجأ لأولاده، أما من يستكمل أوراقه فيتم معاملته وفقا لقرار الرئيس، وهو ما أكده إبراهيم محمد قدور، طالب سورى يدرس بكلية طب قصر العينى، حيث قال: "إن هذا القرار طبق على كل السوريين على الرغم من تأخير تطبيقه؛ لأنه لم يكن قد وصل إلى الجامعة قرار مكتوب بذلك، والمصاريف الدراسية كانت تبلغ للطالب المستجد 3 آلاف جنيه، بينما بعد تطبيق القرار يتم دفع150 جنيها مصريا مثل الطلاب المصريين، وهذا القرار رفع عنا الكثير من الأعباء". وأضاف قدور: "مصر أصبحت البوابة الوحيدة للطلبة السوريين من أجل الدراسة، خاصة أن بقية الدول العربية أو الأوروبية لم تأخذ مثل هذا القرار سوى تركيا التى أخذت قرارا مثله، ولكنه مؤقت لهذا العام فقط، بالإضافة إلى السعودية التى جعلت القرار قاصرا على طلبة المدارس دون الجامعات". الأجور مرتفعة يشكو السوريون اللاجئون إلى مصر من تدنى الأجور مقارنة بتكاليف إيجارات المساكن والمعيشة، وكذلك من استغلال بعض ملاك العقارات فى رفع ثمن الشقق السكنية؛ حيث قال لنا عبد العزيز العارف: "إنه حينما قدم مصر وذهب لاستئجار شقة هو وأسرته، أخبره حارس العقار أن ثمن الإيجار هو 500 جنيه مصرى؛ لكن صاحب العقار بمجرد معرفة أنهم سوريون طلب منهم على الفور ألف جنيه أى أنه ضاعف الثمن". وأضاف العارف: "أصبحت هناك كلمة منتشرة هنا فى مدينة السادس من أكتوبر حينما يذهب أى شخص لاستئجار شقة فيتم السؤال لمصرى أم لسورى؟ أى أنه يعامل المصرى بسعر والسورى بسعر آخر". وقال عبد الله رضوان، المدير التنفيذى لجمعية بيت العائلة الأهلية بمدينة السادس من أكتوبر وعضو اللجنة الشعبية لنصرة الشعب السورى: "أكبر الداعمين للسوريين بأكتوبر هى الجمعية الشرعية الرئيسية؛ حيث وفرت بنايات سكنية كاملة تؤوى عددا كبيرا من الأسر السورية، علاوة على تقديمها كل أشكال الدعم من أثاث وغذاء ومساعدات مالية ورعاية صحية لبعض المصابين فى الحرب". وتضم الحملة الشعبية لنصرة الشعب السورى جمعية بيت العائلة والجمعية الشرعية، وهى جمعية خيرية إسلامية واتحاد الأطباء العرب ولجنة الإغاثة الإنسانية وجماعة الإخوان المسلمين واللجنة الشعبية بأكتوبر، بالإضافة إلى سيدات ورجال مجتمع يسهمون بمساعدات فردية وجماعية. زواج الفتيات ولا تعتبر المشاكل المادية والاستغلال هى أبرز ما يتعرض له السوريون، بل ظهرت أشهر مشكلة، وهى زواج السوريات من مصريين، وليست المشكلة القائمة فى فكرة الزواج فى حد ذاتها، ولكن المشكلة هى فى تزويج القاصرات واستغلال عدم وجود عائل لهن أو عدم قدرة ذويهن على كفالتهن. وأشهر من قاموا بهذه العملية هى عائلة الديرى، متمثلة فى سوزان الديرى، التى بدأت قصتها -حسب ما تروى إحسان عبد المنعم- أنها فى شهر رمضان الماضى قامت سوزان بعمل حفل إفطار دعت فيه جميع النساء السوريات، بهدف توطيد العلاقات، لكنها فى نفس الحفل دعت شاب مصرى لرؤية الفتيات السوريات والحديث معها عمن يرغبون بالارتباط بها مقابل إعطائها 5 آلاف جنيه، تعطى ألف جنيه منها لأهل البنت المراد تزويجها، وتقوم بإقناع أهلها على تزويجها على أى وضع، سواء مع أهله فى نفس المنزل أو إذا كان رجلا متزوجا، وتكون هى الزوجة الثانية، وتسكن مع زوجته الأولى وأولاده. وتحكى "أم رؤى"، وهى امرأة هربت ببناتها الثلاث من جحيم الأسد، وجاءت إلى مصر لتقع فى يد سوزان الديرى، التى تشتهر بينهن -السوريات- بلقب طارقة الأبواب، التى حاولت إقناعها بتزويج بناتها، التى لم تتعد أعمارهن 17 و14 عاما، وذلك بحجة أن هذا الأمر سترة لهن. وتضيف أم رؤى: فى واقع الأمر كنت سأقبل بذلك؛ لأن الزواج فى حد ذاته ليس عيبا ولا حراما، خاصة فى ظل ظروف بلادنا التى لا نعرف متى سيستقر الوضع فيها، إلا أننى فوجئت بها تعرض علىّ رجال، أعمارهم ضعف أعمار بناتى، ومنهم من هو متزوج، فقمت بالرفض على الفور. وسوزان ليست هى الوحيدة التى احترفت هذه المهنة، بل هناك أيضا لجنة الإغاثة السورية، التى يذهب إليها السوريون لتدوين أسمائهم لتلقى المساعدات، التى يقوم عليها أسر سورية، وبعد ذلك تدون أسماء الفتيات وتعرض عليهن فكرة الزواج من مصريين، وأيضا عرب، وهذا ما روته لنا جيهان كرجس، التى أخبرتنا أنه عرض عليها فكرة الزواج من رجل أكبر منها فى العمر بكثير ومحاولة إقناعها بالأمر. وتضيف جيهان: "نحن نعيش حالة اغتصاب شرعى لحقوقنا، وللأسف من بنى بلدتنا وليس من المصريين؛ لأن القائمين على هذا الأمر هم سوريون مثلنا تماما، ويروجون أن زواج السورية رخيص ويدعون من حولنا إلى استغلال ظروفنا التى نمر بها". من جانبه، خصص المجلس القومى للمرأة رقما ضمن خطوط مكتب شكاوى المرأة ومتابعتها بالمجلس لتلقى شكاوى اللاجئات السوريات اللائى قد يتعرضن لأى ضغوط لإجبارهن على الزواج، وأعرب المجلس عن إدانته الشديدة، معتبرا ذلك السلوك جريمة ترتكب فى حق المرأة تحت ستار الدين واعتداء على قيم وحقوق الإنسان وتعارض مع المواثيق الدولية.