هناك عدة ملاحظات على حكم محكمة القضاء الإدارى الصادر بتارخ 6 مارس 2013 بوقف تنفيذ قرارات رئيس الجمهورية أرقام 134 لسنة 2013، 148 لسنة 2013 ووقف إجراء انتخابات مجلس النواب وإحالة القانون الخاص بانتخابات مجلس النواب رقم 2 لسنة 2013 للمحكمة الدستورية العليا، للفصل فى مدى دستوريته، والأمر ليس من باب التعليق على أحكام القضاء واجبة الاحترام والنفاذ، يمكن بيانها على النحو التالي:- أولاً:- وفقا لصريح نص المادة 177 من الدستور لا يوجد ثمة إلزام على مجلس الشورى أو رئيس الجمهورية بإعادة عرض مشروع قانون انتخابات مجلس النواب مرة أخرى على المحكمة الدستورية العليا بعد تعديله، إلا أنه وبالرغم من ذلك فقد ذهبت المحكمة في حكمها إلى أن الرقابة السابقة للمحكمة الدستورية العليا على مشروع القانون لم توضع بعد موضع التطبيق، فلم يطبق مجلس الشورى مراد المشرع الدستوري من تقرير الرقابة السابقة، ولم يلتزم التزاما كاملا بالتعديلات الواردة بتقرير المحكمة الدستورية على مشروع القانون، كما لم يقم بإعادة عرض التعديلات الجديدة مرة أخرى على المحكمة الدستورية لإعمال رقابتها كاملة والتأكد من تنفيذ مجلس الشورى لتقريرها على وجه صحيح، إذ إن الرقابة الدستورية السابقة - كما تقول المحكمة- هي عملية فنية لا يملك الحكم على تمامها كاملة إلا الجهة صاحبة الولاية الدستورية وهى المحكمة الدستورية العليا. إلا أنه، وبالرغم من أن نظر المحكمة الدستورية العليا لقانون انتخابات مجلس النواب يعد من قبيل الرقابة اللاحقة التي لا تملكها المحكمة الدستورية، وفقا لصريح نص الفقرة الأخيرة من المادة 177 من الدستور، إذ أن القانون تم إصداره ولم يعد مشروع قانون يخضع للرقابة الدستورية السابقة، إلا أنه - وبحق – فإن الملاءمة القانونية والتشريعية تستلزم إعادة القانون مرة أخرى للمحكمة الدستورية لإعمال رقابتها السابقة على مشروع القانون بمفهومها الكامل، والتأكد من تنفيذ المشرع "مجلس الشورى" لما ورد بتقريرها على وجه صحيح، وإعمالا لمراد المشرع الدستوري من تقرير تلك الرقابة السابقة. ثانياً:- ليس من ضمن اختصاصات القضاء الإداري الرقابة على دستورية القوانين، فالمحكمة قد قررت في حيثيات حكمها عدم دستورية القانون، وهذا من اختصاص المحكمة الدستورية العليا، إذ قررت أن "مجلس الشورى لم يلتزم التزاماً كاملاً بالتعديلات على مشروع القانون، ولم يقم بإعادة عرض التعديلات الجديدة على المحكمة الدستورية العليا لإعمال رقابتها والتأكد من أنه تم إعمال قرارها السابق على وجه صحيح الأمر الذى يكون معه القانون رقم 2 لسنة 2013 قد صدر مشوبا بشبهة عدم الدستورية". وعليه كان يمكن للمحكمة أن تستخدم سلطتها في إحالة القانون للمحكمة الدستورية دون الإشارة إلى أن هناك نقاط غير دستورية، كما أن المحكمة قد فسَّرت المادة 177 من الدستور بالتزام مجلس الشوري برد القانون للمحكمة الدستورية. ثالثاً:- أن حكم محكمة القضاء الإداري بإحالته قانون مجلس النواب للمحكمة الدستورية العليا مرة أخرى، قد قطع كل السبل والطرق على أية اجتهادات فقهية أو قانونية أو أية مآخذ طعون أو أحكام مستقبلية يمكن أن تقدح في شرعية مجلس النواب القادم وتجعله عُرضة للحل بعد تشكيله، إذ أن الأمر أصبح في سلطة المحكمة الدستورية العليا، وحكمها لن يخرج عن أحد أمرين:- إما أن تقضي بعدم قبول الدعوى استناداً إلى أنها لا تملك سلطة الرقابة اللاحقة على مثل ذلك القانون وفقا لصريح نص المادة 177 من الدستور، وإما أن تبسط رقابتها على القانون إعمالا لمراد المشرع الدستوري وعدم الوقوف على حرفية النص، ومن ثم تقضي بما إذا كانت التعديلات التي أدخلها المشرع مطابقة لتقريرها من عدمه، وتقوم بإعادة صياغة المواد التى ترى عدم مطابقتها لنصوص الدستور، وفي كلا الحالتين يعد هذا الأمر بمثابة ترسيخ لأقدام مجلس النواب القادم وتحصينه من الحل أو البطلان. رابعاً:- إعمال مقتضي حكم محكمة القضاء الإداري قد يؤدي إلى توقف انتخابات مجلس النواب إلي أجل غير مسمي، إذ أنه وفقاً للمواد 35، 36، 37 من قانون المحكمة الدستورية فلا يجوز إحالة الطعن لهيئة مفوضي المحكمة الدستورية قبل مرور خمسة وأربعين يوما من تاريخ قيد الطعن بقلم كتاب المحكمة، حيث تُترك هذه الفترة للخصوم لكتابة مذكراتهم والتعقيب على بعضهم، وبعد أن تُحال الدعوى للمفوضين وتكتب تقريرها يتم إيداعه قلم الكتاب، وبعدها يحدد رئيس المحكمة جلسة لنظر الطعن خلال أسبوع من تاريخ إيداع تقرير المفوضين قلم كتاب المحكمة، وعلى ذلك فقد تأخذ المحكمة الدستورية فترة طويلة للبت في هذا الطعن، خاصة أنه لا أحد يملك إلزام المحكمة الدستورية بإصدار حكمها في وقت محدد. لذلك – وخروجا من هذا المأزق القانوني – يمكن لمجلس الشورى أن يقوم بإجراء بعض التعديلات على نصوص قانون انتخابات مجلس النواب بما يتطابق تماماً وحرفياً مع تقرير المحكمة الدستورية العليا، ويقوم بإرساله من جديد للمحكمة الدستورية باعتباره مشروع قانون جديد يُعرض كأول مرة على المحكمة، وينتظر ردها بذات الآليات المنصوص عليها في المادة 177 من الدستور، وهنا تكون المحكمة الدستورية مُلزمة بإصدار تقريرها حول مشروع القانون خلال خمسة وأربعين يوماً من تاريخ عرض مشروع القانون عليها، وإلا عُد عدم إصدارها للتقرير إجازة للنصوص المقترحة، وبمثابة إقرار لمشروع القانون. خامسا:- من المستقر عليه قضاءً أن قرار الدعوة للانتخابات يُعد ضمن القرارات السيادية التى لا يجوز الطعن عليها والتى تخرج عن ولاية مجلس الدولة، وفي هذا الشأن تقول المحكمة الإدارية العليا أنه " من المستقر عليه قضاءً أن قرار رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين لانتخاب مجلس الشعب يصدر عنه بوصفه سلطة حكم، ويندرج من ثم ضمن أعمال السيادة التى تخرج عن ولاية مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى. ( حكم المحكمة الادارية العليا فى الطعن رقم 6265 لسنة 57 قضائية عليا جلسة 18/12/2010م ). إلا أن حكم محكمة القضاء الإدارى في حكمها بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين للاقتراع لانتخاب مجلس النواب وإحالة القانون للمحكمة الدستورية، اصطدم بالسوابق القضائية التي استقر عليها القضاء الإداري من قبل، لكون الدعوة للاقتراع من قبيل أعمال السيادة التي تخرج عن ولاية محاكم مجلس الدولة، مستندة في ذلك إلى أن القرارين المطعون عليهما قد صدرا فى ظل دستور جديد يختلف عن سابقة وأصبحت القرارات خاضعة لمرجعية دستورية جديدة تغاير تلك التى كانت فى ظل الدستور السابق، وما يستتبعه ذلك من عدم انفراد رئيس الجمهورية باتخاذ مثل تلك القرارات، ومن ثم فانفراد رئيس الجمهورية بإصدار مشروع القانون ودعوة الناخبين للانتخابات بمنأى عن عرضه على مجلس الوزراء ونوابه والوزراء، جاء بالمخالفة لنص المادة 141 من الدستور، أي أنه - وفقاً لتفسير المحكمة - كان يجب عرض مشروع القانون الخاص بانتخابات مجلس النواب وقرار دعوة الناخبين على رئيس مجلس الوزراء لمناقشته والتوقيع عليه، ثم يصدر بعد ذلك من رئيس الجمهورية، وذلك على خلاف الدعوه لكافة الانتخابات السابقة والتي كان منصوص عليها فى جميع الدساتير والإعلانات الدستوريه السابقه باعتبارها من اختصاص رئيس الجمهورية وحده. إذ تنص المادة 141 من الدستور على أن "يتولى رئيس الجمهورية سلطاته بواسطة رئيس مجلس الوزارء ونوابه والوزارء، عدا ما يتصل منها بالدفاع والأمن القومي والسياسة الخارجية، والسلطات المنصوص عليها بالمواد 139، 146، 147، 148، 149 من الدستور". وهي والسلطات المتعلقة بإعلان رئيس الجمهورية لحالة الحرب والطوارئ وإبرام المعاهدات الدولية وتمثيل الدولة في العلاقات الخارجية. أعتقد أن هذا المنحى لمحكمة القضاء الإداري يحتاج إلى كثير من التوضيح لما يحمله الحكم في ظاهره من تعدي على أعمال السيادة، وانتهاجه لمفهوم جديد لأعمال السيادة غير مسبوق فى الفقه الدستورى، كما أن إصدار قانون انتخابات مجلس النواب ونشره اشتركت فيه الحكومة بالفعل، وبالتالي ما كان يجب القول بأنه يستلزم توقيع رئيس الوزراء ونوابه والوزراء. ولو كانت هناك فائدة في الطعن على حكم محكمة القضاء الإداري أمام الإدارية العليا كانت ستتمثل في الوقوف على رأي المحكمة الإدارية العليا في هذا التفسير باعتبار أن ما ذهبت إليه محكمة القضاء الإداري في الحكم يعد خروجا عن الأصل.