الملف الاقتصادى بات التحدى الأول بعد الاستفتاء على الدستور ونجاح المصريين فى السير بالاتجاه الصحيح من خلال بناء مؤسسات الدولة ومحاولة إعادة ثقة العالم بقدرة الشعب المصرى على تجاوز المحنة واجتياز المرحلة الانتقالية. الجميع فى الداخل والخارج يدرك أن التحدى الأكبر الذى يواجه المصريين اليوم هو الخروج من عنق الزجاجة الاقتصادية بعد أن خرجوا من عنق الزجاجة السياسية باجتياز محنة الدستور. ولا أتصور أن اختلافا فى وجهات النظر أو تباينا فى المفاهيم يمكن أن يحدث حول طبيعة ومفهوم الاهتمام الشعبى والمجتمعى بالملف الاقتصادى الذى لا يمكن أن يعنى سوى اجتماع كافة القوى والتيارات السياسية والتسامى على خلافاتها لتجاوز المرحلة والفراغ من تبعاتها. إلا أن نظرة على وسائل الإعلام مقروءة ومسموعة يمكن أن يصل بنا إلى مفهوم مختلف وتصور متباين ورؤية متعارضة مع ما يتصوره البعض بداهة لا تحتمل الاختلاف. فالحديث فى عدد كبير من وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة يصب فى اتجاه تصعيد الأزمة باعتبارها تحديا يقف أمام رئيس الجمهورية والسلطة الحاكمة وليس تحديا أمام الشعب كله على مختلف توجهاته. بل يزيد الموقف خطورة عند ما يسعى البعض على الهواء ومن خلال تدبيج المقالات والتقارير الاقتصادية إلى إفشال أى جهود يمكن أن تبذل فى اتجاه التعامل مع الأزمة الاقتصادية. أتفهم بطبيعة الحال أن كثيرا من هؤلاء الإعلاميين لا يهمهم سلامة الاقتصاد القومى نظرا لفراغهم من ترتيب أوضاعهم الخاصة بعيدا عن مسار الاقتصاد المصرى الداخلى وارتباطهم بمداخل ثروة من خارج الحدود. إلا أننا لا نتكلم هنا عن ترتيبات شخصية أو عائلية بعيدا عن المخاطر الاقتصادية المحلية، ولكننا نتكلم عن قيمة الانتماء الوطنى التى تدفع صاحبها للتفاعل مع أبناء وطنه ومشاكلهم وأزماتهم الحقيقية بعيدا عن حساباته الخاصة أو مدى تأثره الشخصى بتداعيات الاقتصاد. والحقيقة التى لا تخفى على أحد ولا أراها بعيدة عن الواقع أن الأزمة السياسية التى عصفت بالبلاد فى الفترة السابقة ومرت بسلام أفرزت الغث من السمين وميزت بين الصفوف. وأتصور أن المرحلة المقبلة التى يتقدم فيها التحدى الاقتصادى على سواه ستمر بإذن الله تعالى بسلام بعد أن تميز أيضا بين الغث والسمين وتميز الصفوف وتفرز معادن القوم.