ما اصعب مهمة الانقاذ التي يتحملها الدكتور كمال الجنزوري.. وما اثقل العبء الذي يحمله علي اكتافه للخروج من دائرة الازمة في مرحلة انتقالية مصيرية. وما اعقد الملفات التي يواجهها تحقيق الاهداف المعقودة عليه في فترة محدودة، فهناك الملف الامني الذي يجيء في مقدمة الاولويات وكذا الملف الاقتصادي الذي يرتبط به والملف السياسي المليء بالانتخابات والتناقضات والتراكمات -. وقد كشفت انتخابات المرحلة الاولي مدي الخلافات في الرؤي والمواقف للاسلاميين والسلفيين والليبراليين وائتلافات الشباب والمستقلين، والنموذج واضح فقد انقلب الشباب علي رئيس الحكومة الدكتور عصام شرف الذي جاء من الميدان لادائه الضعيف وعجز حكومته عن مواجهة حزمة المشاكل الاقتصادية والامنية، ولم يشعر الشعب بالتغيير المنشود وبما يتماشي مع مطالب الثورة رغم مضي عشرة شهور عليها، وبدت حكومة شرف عاجزة وتائهة في خضم المطالب الفئوية والمشاكل اليومية. فلا هي استطاعت مواجهة الانفلات الامني والقضاء علي البلطجية والخارجين علي القانون، ولاهي استطاعت الخروج من الازمة الاقتصادية نتيجة تراجع الموارد وبالذات السياحة والتصدير وتعطل قرابة 0021 مصنع عن الانتاج وبما ادي الي ارتفاع الاسعار والسحب من الاحتياطي النقدي للبنك المركزي خلال الشهور السبعة الاخيرة ومازال السحب مستمر لمواجهة متطلبات الاستيراد للسلع الضرورية!. واذن كان لابد من حكومة انقاذ لاجتياز هذه الازمة المتفاقمة وتقديم حلول وبدائل وعدم الاعتماد علي السحب من الاحتياطي النقدي، وجاء اختيار الدكتور الجنزوري لتولي تلك المهمة الصعبة في توقيته المناسب لما يتمتع به من خبرة في التخطيط والاقتصاد وقدرة سياسية وتنفيذية، وقد برز ذلك في مرحلة الاصلاح الاقتصادي السابقة ومفاوضات الديون مع صندوق النقد والبنك الدولي والتي شارك فيها مع الدكتور عاطف صدقي، ولم تلجأ مصر لتنفيذ روشتة الصندوق وخرجت بالاقتصاد المصري من عنق الزجاجة ولذلك تولي رئاسة الوزراء بعدها لاكمال المهمة.. وقد تعرض الرجل لحملة افتراء ظالمة بعد غضب مبارك عليه واقالته بطريقة غير لائقة.. وكانت خطيئته في نظر النظام السابق انه لم يكن يتهاون في كرامته ولم يتنازل عن مسئولياته كرئيس للوزراء وكان يتخذ قراراته من واقع الصالح العام بدون العودة الي الرئيس او محاولة ارضائه وظل معتزا بهذا الاسلوب طالما انه يمارس صلاحياته من منظور وطني.. ولم يستجب لاي ضغوط للاسراع في عملية الخصخصة. وخرج من منصب رئيس الوزراء دون تكريم او وسام او عضوية مجلس الشوري ولانه كان في كل المواقع نموذجا للنزاهة والامانة.. وانزوي الجنزوري صامتا لا يبوح بأسباب خلافه مع مبارك ولا يطلب منصبا في احد البنوك او ميزة او استثناء، وظل الرجل يسكن في نفس الشقة الصغيرة والمكونة من ثلاث غرف في مدينة نصر واقتصر ظهوره طوال 21 عاما علي الدعوات في المناسبات والمؤتمرات!. وهكذا عرفت الدكتور الجنزوري وعايشت عمله ومسئولياته وزيرا للتخطيط ورئيسا للوزراء ولمست فيه التواضع والعزوف عن استغلال النفوذ والسلطة.. وهو يتميز بذاكرته القوية وحفظه للارقام والمعلومات وفي كل الاحاديث التي اجريتها معه لم يكن يعود الي ورقة او تقرير.. وهكذا كان في اجتماعات مجلس الوزراء. وقد طلب الجنزوري صلاحيات واسعة لكي يتمكن من اداء مهمة الانقاذ وبشكل ملموس وحرص المشير طنطاوي علي تلبية هذا المطلب لتذليل الصعاب ومعاونة الجنزوري علي تحمل تلك المسئولية.. وهو ما جعله يقبل القيام بتشكيل الحكومة من اجل مصلحة الوطن وفي ظروف الفترة الانتقالية!. ولم يكن الجنزوري بعيدا عن الصورة بل كان يتابع بخبرته السياسية والتنفيذية التطورات الجارية من خلال التقارير الدولية وتقارير البنك المركزي وغيرها.. وبنظرة علي الملفات العاجلة التي لها الاولوية امام حكومة الانقاذ الوطني تبدو ملامح الموقف: 1 الملف الامني.. يكتسب اهمية قصوي لانه يلقي بظلاله علي الملف الاقتصادي وكذا السياسي، ولعل نجاح عملية الانتخابات في المرحلة الاولي دليل علي حاجة الناس الي الامن وعندما شعروا بالامان في اللجان الانتخابية في ظل تأمين الجيش والشرطة خرجوا باقبال غير مسبوق للادلاء بأصواتهم، وكان اختفاء البلطجية مؤشرا علي انحسار الانفلات.. ورغم ان الشرطة فقدت الكثير من قدرتها بعد احتراق الالاف من سيارات وسرقة الاسلحة من الاقسام.. ولابد من توفير الامكانيات اللازمة لاعادة التأهيل لكي تعود بكفاءة لضبط الشارع المصري واعادة الثقة بين رجال الشرطة والامن المركزي وبين الشعب لان توفير المناخ الامني كفيل بتحقيق الاستقرار!. 2 الملف الاقتصادي.. وهو اكثر صعوبة فقد تراجع احتياطي النقد الاجنبي حوالي ملياري دولار في نوفمبر ليصل الي قرابة 02 مليار دولار وذلك بسبب تراجع دخل السياحة وانخفاض معدلات الانتاج وتراجع الصادرات وتحويلات المصريين من الخارج والاستثمار الخارجي، واستمرار تراجع الاحتياطي قد يدفع المؤسسات الدولية لخفض تصنيفها الائتماني لمصر وعدم القدرة علي سداد الديون ودعم العملة المصرية.. وليس خافيا حسب الجنزوري انخفاض القوة الشرائية للجنيه المصري في السنوات الاخيرة وهو ما ينعكس علي الدخول الصغيرة ويؤدي الي ارتفاع الاسعار. ومن هنا تبدو صعوبة مهمة الانقاذ الوطني التي يقوم بها الدكتور الجنزوري في وضع عجز الموازنة الذي بلغ حدود الخطر 431 مليار جنيه والدين الخارجي 8.43 مليار دولار وما نتج عنه من ازمة سيولة وزيادة العجز في ميزان المدفوعات.. وقد نضطر الي الاقتراض من البنك الدولي »2.3 مليار دولار« رغم شروطه القاسية وهو ما يحتاج الي مفاوضات شاقة ولكن الجنزوري اكتسب خبرة طويلة بها وهو قادر علي الاصلاح الاقتصادي من جديد!.