رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية الهندسة    انعقاد برنامج البناء الثقافي للأئمة بمديرية أوقاف السويس    جامعة كفرالشيخ تتقدم 132 مركزا عالميا في التصنيف الأكاديمي CWUR    «الزراعة»: مصر تشارك في اليوم العالمي للصحة النباتية    بالصور.. محطة مترو جامعة الدول تستعد للتشغيل التجريبي بالركاب غدًا    قومي المرأة يشارك في ورشة «القضية السكانية ..الواقع والرؤى»    وزير الخارجية يلتقي نظيره اليمني في المنامة    دولة أوروبية تنوي مضاعفة مساعداتها للفلسطينيين 4 أضعاف    الجنائية الدولية: نسعى لتطبيق خارطة الطريق الليبية ونركز على تعقب الهاربين    تفاصيل الاجتماع التنسيقي لمباراة الزمالك ونهضة بركان في إياب نهائي الكونفدرالية    إيهاب جلال يعلن تشكيل الإسماعيلي لمباراة طلائع الجيش    سموحة يهزم الاتحاد السكندري بهدفين في الدوري    انطلاق امتحانات الشهادة الإعدادية 2024 بمحافظة البحر الأحمر السبت المقبل    مصرع شخص وإصابة آخر في مشاجرة بالقطامية    استعدادات منصة WATCH IT للاحتفال بانطلاق مسلسل دواعي السفر    «السياحة» تعلن القطع الأثرية المختارة بالمتاحف المصرية خلال شهر مايو    أحمد الفيشاوي يكشف تفاصيل شخصيته في فيلم «بنقدر ظروفك»    248 مليون جنيه لميزانية صحة قنا للعام المالي الجديد    شعبة الأدوية: الشركات تتبع قوعد لاكتشاف غش الدواء وملزمة بسحبها حال الاكتشاف    الشيبي يظهر في بلو كاست للرد على أزمة الشحات    وزير التعليم يفتتح الندوة الوطنية الأولى حول «مفاهيم تعليم الكبار»    «الزراعة»: مشروع مستقبل مصر تفكير خارج الصندوق لتحقيق التنمية    مصرع شخص غرقاً فى مياه نهر النيل بأسوان    هيئة الأرصاد الجوية تحذر من اضطراب الملاحة وسرعة الرياح في 3 مناطق غدا    «على قد الإيد».. أبرز الفسح والخروجات لقضاء «إجازة الويك اند»    الأسلحة الأمريكية لإسرائيل تثير أزمة داخل واشنطن.. والبيت الأبيض يرفض الإجبار    يخدم 50 ألف نسمة.. كوبري قرية الحمام بأسيوط يتجاوز 60% من مراحل التنفيذ    برلماني: مصر قادرة على الوصول ل50 مليون سائح سنويا بتوجيهات الرئيس    لماذا أصبح عادل إمام «نمبر 1» في الوطن العربي؟    1.6 مليون جنيه إيرادات الأفلام في السينما خلال يوم واحد    "العيد فرحة".. موعد عيد الأضحى 2024 المبارك وعدد أيام الاجازات الرسمية وفقًا لمجلس الوزراء    قبل البيرة ولا بعدها؟.. أول تعليق من علاء مبارك على تهديد يوسف زيدان بالانسحاب من "تكوين"    نائب محافظ أسوان تتابع معدلات تنفيذ الصروح التعليمية الجديدة    "أغلق تماما".. شوبير يكشف ردا صادما للأهلي بعد تدخل هذا الشخص في أزمة الشحات والشيبي    مقبلات اليوم.. طريقة تحضير شوربة الدجاج بالمشروم    بالصور.. وزير الصحة يبحث مع "استرازنيكا" دعم مهارات الفرق الطبية وبرامج التطعيمات    طالب يضرب معلمًا بسبب الغش بالغربية.. والتعليم: إلغاء امتحانه واعتباره عام رسوب    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زوجته بكفر الشيخ لجلسة الخميس المقبل    «الحرية ورحلة استعادة المجتمع».. رسائل عرضين بالموسم المسرحي بالفيوم    تصريحات كريم قاسم عن خوفه من الزواج تدفعه لصدارة التريند ..ما القصة؟    داعية إسلامي: يوضح ما يجب على الحاج فعله فور حصوله على التأشيرة    دعاء للميت في ذي القعدة.. تعرف على أفضل الصيغ له    رسميا مانشستر يونايتد يعلن رحيل نجم الفريق نهاية الموسم الحالي    مهرجان الإسكندرية يعلن تفاصيل المشاركة في مسابقة أفلام شباب مصر    وزير الدفاع البريطاني: لن نحاول إجبار أوكرانيا على قبول اتفاق سلام مع روسيا    «الداخلية»: ضبط 25 طن دقيق مدعم قبل بيعها في السوق السوداء    5 شروط لتملك رؤوس الأموال في البنوك، تعرف عليها    مفتي الجمهورية يتوجه إلى البرتغال للمشاركة في منتدى كايسيد للحوار العالمى..    نموذج RIBASIM لإدارة المياه.. سويلم: خطوة مهمة لتطوير منظومة توزيع المياه -تفاصيل    أبو الغيط: العدوان على غزة وصمة عار على جبين العالم بأسره    السيد عبد الباري: من يحج لأجل الوجاهة الاجتماعية نيته فاسدة.. فيديو    أحمد الطاهرى: فلسطين هي قضية العرب الأولى وباتت تمس الأمن الإقليمي بأكمله    مصر تدين الهجوم الإرهابى بمحافظة صلاح الدين بالعراق    فى أول نزال احترافى.. وفاة الملاكم البريطانى شريف لوال    "مقصود والزمالك كان مشارك".. ميدو يوجه تحية للخطيب بعد تحركه لحماية الأهلي    رئيس جامعة القاهرة: زيادة قيمة العلاج الشهري لأعضاء هيئة التدريس والعاملين 25%    "أسنان القناة" تستقبل زيارة الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد    الإسكان: الأحد المقبل.. بدء تسليم الأراضي السكنية بمشروع 263 فدانا بمدينة حدائق أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلول مبتكرة للخروج من عنق الزجاجة
نشر في أكتوبر يوم 22 - 05 - 2011

على الرغم من مرور قرابة أربعة أشهر على ثورة 25 يناير لم يتوقف نزيف الخسائر التى يعانى منها الاقتصاد المصرى.. بعض المصانع متوقفة والبعض الآخر يعمل بطاقة أقل بكثير عن طاقته الطبيعية .. الحلول المطروحة على الساحة أكثر من أن تحصى، لأنه منذ اندلاع الثورة والحرب الكلامية على أشدها، والسمة الغالبة هى الاختلاف لمجرد الاختلاف وهذا بدوره يضاعف من الخسائر الاقتصادية، التى قدرها مؤخرا معهد التخطيط القومى بنحو 70 مليار جنيه.. الأمر الذى يستوجب البحث عن حلول غير تقليدية للخروج من عنق الزجاجة، للانطلاق نحو فضاء رحب يتحقق فيه للمصريين كل طموحاتهم وآمالهم.
فكفى تمسكا بالحلول التقليدية فعجز الموازنة فى مصر لا يسد إلا من خلال استدانة أو فرض ضرائب ومواجهة البطالة لا سبيل له غير المزيد من التوظيف الحكومى، الذى يترتب عليه خسائر بالغة لأنه يزيد من التكدس الإدارى، أما هروب الاستثمارات الأجنبية فلا سبيل أمامه غير المزيد من التنازلات غير المنطقية لإعادتها، وتقليص الانفاق العام لا يكون إلا بضغط نفقات الخطة الاستثمارية.
فالاقتصاد المصرى فى هذه الآونة بحاجة إلى المزيد من الحلول الموضوعية الجادة التى تنفع أكثر مما تضر، ويحتاج إلى زيادة فى الاستثمار بدون استدانة وتحسين الخدمات العامة بدون رفع الأعباء على المواطنين، ويحتاج إلى دور وطنى أكثر تأثيراً مما كان فى الماضى، يحتاج إلى فكر جديد يؤصل ثقافة البحث عن مشروع بدلا من ثقافة البحث عن وظيفة يحتاج لحلول من نوعية مبادرة الكاتب الكبير فهمى هويدى التى يلخصها فى «التقشف وترشيد الاستهلاك والقيام بدفع المال المخصص للحج والعمرة لصالح صندوق لدعم اقتصاد البلد فى الظروف الراهنة» خاصة أن الأرقام تشير إلى أن زيارة الديار المقدسة كلفت المصريين عام 2010 نحو 2 مليار دولار وهو المبلغ الذى تحتاجه مصر لتلبية احتياجات السنة المالية الحالية.
الخروج الآمن
«الاقتصاد المصرى طبقا لتوقعات وتقديرات صندوق النقد الدولى سينضم للاقتصاديات البازغة خلال الخمس سنوات القادمة» .. هذا ما أكده د. سمير رضوان وزير المالية فى تصريحات إعلامية عن الجهود الحكومية لدعم الاقتصاد للخروج من عنق الزجاجة، قائلا: لابد من تجاوز المرحلة الحالية، التى تشهد اضرابات ومظاهرات فئوية أثرت على الوضع الاقتصادى، لكونها كلفت الخزانة العامة 7 مليارات جنيه، فضلا عن 13.5 مليار خسائر القطاع السياحى وتراجع حجم الصادرات بنحو 40% لأن القطاع الصناعى يعمل بنصف طاقته.
وأضاف أنه برغم تلك الخسائر فإن أساسيات الاقتصاد وركائزه قوية ولم تمس، وأن ما حققته الثورة من نتائج وما ننتظره من تطور ديمقراطى حقيقى يفوق الخسائر، وأنه فى سبيل التصدى لهذا الوضع الاستثنائى بحلول جادة غير تقليدية، تستهدف السياسة الضريبية خلال الفترة المقبلة وتقوم على 3 محاور، وهى تحسين الإيرادات العامة، واستمراريتها، وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال توزيع الأعباء الضريبية بصورة عادلة بين فئات المجتمع.
وأكد د. محمود عبد الحى مدير معهد التخطيط القومى الأسبق أن بداية الحل للخروج من عنق الزجاجة لابد أن يكون إقرار الآليات التى تحقق سيادة القانون فى مصر بما يوفر الحماية لكل صاحب أعمال ضد الفوضى التى تعم الشارع المصري، خاصة أن المال جبان بطبعه ولا يمكن أن يتخذ أى صاحب مال قرارا بالاستمرار أو البدء فى استثمارات جديدة فى ظل هذه الأوضاع الحالية.
وأشار إلى أن الخروج من هذا المأزق لن يتحقق إلا من خلال السعى الحكومى والأهلى لزيادة الانتاجية بالاعتماد على القدرات المحلية المتوافرة بما يسمح بالتوظيف الرشيد، فإنه لا مجال فى ظل هذه الظروف المتأزمة للبحث عن سبل تمويل تقليدية كالاستدانة من الخارج أو الحصول على الدعم أو «الشحاتة» من الأصدقاء، بل الأمر يستوجب خطة استثمارية يتم تمويلها من خلال توفير الانفاق العام واعتماد سياسة تقشفية، ولا يصح أن تضيع الحكومة وقتها لاسترداد الأموال المنهوبة، ولا يعنى ذلك ترك هذه الأموال بل يجب أن تسير الأمور على التوازى.
ونصح بضرورة تأمين الأكل والشرب لكل المصريين وأنه لا داعى للاهتمام المبالغ فيه بالتصدير الذى يخصص له دعم بالمليارات فى الموازنة العامة رغم قلة جدواه الاقتصادية، على أن تخصص هذه المليارات لاستصلاح الأراضى فى الصحراء لزراعتها بالقمح لتقليل الاعتماد على الخارج فى تأمين هذه السلعة الاستراتيجية، لافتا إلى أن هيكل الصادرات والواردات يعانى خلل واضحا فالمصدرون يحصدون المليارات المخصصة فى الموازنة لدعمهم والمستوردون يكسبون بشكل مبالغ فيه، مما يترتب عليه زيادات هائلة فى أسعار سلع التصدير كالأرز والمستوردة كالقمح.
ولفت د. عبدالحى إلى أنه من الضرورى أن يأخذ رجال الأعمال أصحاب المليارات والملايين دورهم لتقديم المعاونة والمساندة لزيادة الاهتمام بالتنمية البشرية ورفع مستوى التعليم لكى يتم تأهيل الشباب بشكل يمكنهم من الدخول إلى سوق العمل كطاقة إيجابية وليس كعبء كما كان من قبل 25 يناير، مشددا على أهمية العودة إلى نظم إقراض الطلبة التى كانت قد طبقت من قبل بما يسمح بإعادة ترشيد الدعم المقدم للتعليم بحيث يكون التعليم مجانيا لكل من يتميز ويثبت جدارته بهذا العفو من المصاريف الدراسية، ثم تتدرج هذه المجانية بما يحقق تحسين الخدمة ومراعاة البعد الاجتماعى.
وخلص إلى أنه فى ظل هذه الأوضاع لابد أن تتوقف الدولة عن ممارسات الرعب الأيديولوجى التى تمارسها ضد المواطنين المطالبين بالمزيد من العدالة الاجتماعية وضبط الأسواق تحت ذريعة الحرية الاقتصادية واقتصاد السوق، لأن الفكر الرأسمالى لا يقيد يد الدولة لتحقيق العدالة وتوفير الحماية ومواجهة جميع صور الاحتكار التى يترتب عليها زيادة الأسعار بما يلحق الضرر بالمواطنين الضعفاء فى مواجهة أباطرة الأسواق وهذا يستوجب تغليظ العقوبات فى قانون حماية المنافسة ومكافحة الاحتكار وإعادة سطوة الدولة كرقيب على الأسواق.
زيادة الادخار
فيما قال د. إسماعيل صيام الخبير الاقتصادى أنه من الضرورى زيادة معدلات الادخار لتوفير موارد ذاتية للتمويل مع السعى الجاد لضمان الاستفادة من مئات المليارات المكدسة فى خزائن البنوك المصرية بنشر ثقافة البحث عن مشروع بدلا من ثقافة البحث عن وظيفة، وبالتالى تدريب وتأهيل الشباب على تأسيس المزيد من المشروعات وفقا لمنظومة علمية جادة توفر لهؤلاء الشباب تمويلا بمعدلات فائدة بسيطة وبدعم فنى من مختلف الجهات الحكومية والمدنية الداعمة لهذا الفكر، فضلا عن إمكانية توظيف هذه الأموال الراكدة لدى البنوك وخاصة الوطنية منها لتنفيذ مشروعات تعمير الصحراء بالاستثمار الزراعى أو الصناعى بما يستهدفه ذلك من زيادة الانتاجية والتشغيل وتوفير المزيد من فرص العمل.
وأضاف أنه ليس من الحكمة أن تراهن الحكومة فى ظل هذه الأوضاع الاستثنائية على الاستثمارات والمعونات الأجنبية، بل لا بديل عن توظيف القدرات المحلية المتوافرة لدى الدولة كحكومة ومؤسسات ومواطنين، لأن الاستثمار هو قرار خاص له ضوابط معينة، وأنه لا يكون القرار إلا فى وجود ضوابط توفر كل مقومات الأمان لهذا الاستثمار، لكى يبدأ استثماره بدون التخوف من تغييرات المستقبل التى قد تنسف آماله، وبالتالى لابد أن تركز الحكومة جهودها لتوفير المناخ المناسب للاستثمار، وذلك بمحاصرة منابع الفوضى والاضطراب لإعادة الاستقرار إلى السوق.
وشدد د. صيام على أنه من الضرورى أن تعود الدولة مرة أخرى إلى دورها التقليدى المتمثل فى توفير السلع الرئيسية للمواطن سواء كان ذلك عن طريق الانتاج أو الاستيراد، وتوزيعها عبر برامج الدعم كبطاقات التموين أو مخابز العيش البلدى أو المجمعات الاستهلاكية التعاونية أو غير ذلك، موضحا أن التعامل مع المطالب الفئوية المتعلقة بتحسين الأجور يجب أن يقوم على أساس الربط بين الأجر والانتاجية، لما يتحقق على هذا الربط من زيادة الانتاج، وإن كان تحقيق النجاح فى هذا الصدد يستوجب القيام بعمل دراسة جادة للوضع الحالى واقتراح توصيات بحلول تلتزم الحكومة بتنفيذها بما يحقق مصالح العمال ولا يضر بمنظومة الاقتصاد.
وطالب بأن تهتم هذه الدراسة بجميع مشكلات سوق العمل كغياب المظلة التأمينية عن نسبة كبيرة من العمال وتدنى مستويات الأجور وغياب العدالة فى علاقة العامل وصاحب العمل وتدنى الانتاجية، لتكون توصيات الدراسة بداية لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة لإدارتها بأسس علمية لتحقيق دور أكثر فاعلية، مشددا على أهمية وجود رؤية متكاملة للنهوض بالاقتصاد المصري، الذى يعانى منذ عقود عديدة غياب هذه الرؤية الشاملة والافتقاد إلى أجندة اقتصادية وطنية محددة الأهداف والآليات، وهذا ما جعل من المجتمع المصرى أحد أكثر شعوب العالم استهلاكا وسلبية على العكس مما كان معروفا عنه تاريخيا من كونه شعبا إيجابيا منتجا.
وألمح إلى أن المناخ المصرى مهيأ الآن لتطبيق سياسات اقتصادية غير تقليدية للخروج من عنق الزجاجة لأن المتعارف عليه أن إيجابية المصريين لا تطفو على السطح إلا فى أوقات الأزمات، ولذا فإن الحكومة مطالبة بتوظيف كافة قدراتها لاستنهاض همم المصريين للسعى الجاد لزيادة الانتاج بالاعتماد على الذات بعيدا عن كل صور الاستدانة أو الدعم، وذلك بإعادة توظيف جميع طاقات المجتمع المعطلة، فلا يوجد ما يمنع زيادة الاعتماد على القدرات المتوافرة فى المؤسسات التقليدية التى عم فيها الفساد فى ظل النظام السابق أو بتعظيم دور مؤسسات المجتمع المدنى.
وانتهى د. صيام إلى أن الجمعيات الأهلية لديها القدرة على تحقيق نهضة تنموية شاملة بالاعتماد على ما يتوافر لديها من قدرات فى جميع المجالات، فهى الأجدر على استنهاض الجماهير لقربها منهم فضلا عن توافر القدرات الفنية والمالية لديها لتحقيق التنمية، لذا فإنه على الحكومة أن تعيد توظيف دور هذه المؤسسات الأهلية خاصة التنموية منها والتى يربو عددها على 30 ألف جمعية ومؤسسة، ناصحا بأنه لتحقيق الطموح المأمول لابد من ترتيب الأولويات لأنه لا يمكن تحقيق كل طموحاتنا فى وقت واحد، وليكن السعى للبدء من زيادة الدولة لاستثماراتها ثم تفعيل آليات الرقابة لضبط الأسواق ثم إعادة دور المجمعات الاستهلاكية التعاونية للحياة لتأمين السلع الاستراتيجية للمواطنين.
الإيرادات الضريبية
ومن جانبه أكد المحاسب القانونى أشرف عبد الغنى رئيس جمعية خبراء الضرائب والاستثمار أن تحقيق الخروج الآمن للاقتصاد من المرحلة الراهنة يمكن أن يتحقق من خلال تدبير موارد جديدة للخزانة العامة وهذا يتحقق من خلال حل مشكلات المجتمع الضريبى لزيادة الحصيلة الضريبية، مشيرا إلى أن الاقتصاد يمر بمرحلة حرجة ودقيقة تحتاج إلى تكاتف الجميع لتخطيها بسلام، ولا تتوقف هذه المخاطر والتحديات على قطاع بعينه إنما تأثرت بالأحداث الجارية جميع الأنشطة والأعمال، ومن بينها القطاع الضريبى.
وقال أشرف عبد الغنى إنه فى ظل هذه الظروف لابد من التعاون بين وزارة المالية والإدارة الضريبية من ناحية وممثلى قطاعات الأعمال والمجتمع الضريبى من ناحية أخرى للعمل المشترك من أجل التوصل إلى قواعد لاستراتيجية واضحة المعالم ومحددة الأهداف للنهوض بالعمل الضريبى باعتباره أحد أهم المصادر الأساسية لتوفير الإيرادات السيادية للأزمة، التى تعين الدولة على الوفاء بمتطلبات الإنفاق العام المختلفة وبما يضمن تخطى هذه المرحلة الخطيرة، وما تتضمنه من صعاب أو تحديات، كالانتهاء من تحصيل المتأخرات الضريبية التى تتعدى 43 مليار جنيه.
وأضاف أنه لزيادة الحصيلة الضريبية لابد من تفعيل المادة (115) من قانون الضرائب رقم 91 لسنة 2005 والتى تعطى لوزير المالية حق إصدار صكوك ضريبية يكتتب فيها الممولون، وتحمل بعائد معفى من الضرائب يحدده الوزير، وتكون لهذه الصكوك والعوائد المستحقة عليها قوة الإبراء عند سداد الضرائب المستحقة، فضلا عن تجديد العمل بمواد العفو الضريبى، التى نص عليها قانون الضرائب الحالى واصدار تعديل تشريعى بمرسوم يصدر من المجلس العسكرى وبما نتوقع معه زيادة المجتمع الضريبى باستغلال ارتفاع الوازع الوطنى لدى المواطنين بعد الثورة وهذا مع التأكيد على ضرورة تلافى اخطاء التطبيق.
مشكلات الإنتاج
فيما ترى د. يمن الحماقى أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس أن ٍمصر تعيش مرحلة تستدعى تكاتف الجهود، وأن الأمر أشمل وأعم من السعى لزيادة إيرادات الدولة، وإن كان الجميع يستشعرون خطورة زيادة عجز الموازنة ووجود دين عام يتخطى تريليون جنيه، لكن المشكلة تتطلب فى الأساس جهودا بناءة لكى تكتمل الدائرة، لكى يكون لمصر مستقبل واعد على الصعيد الاقتصادي، خاصة بعد أن كشفت الثورة عن حجم الفساد غير المسبوق الذى كنا نعانى منه طيلة السنوات الأخيرة.
وشددت على أهمية حل مشكلات القطاع الانتاجى، وخاصة فى شركات قطاع الأعمال التى عانت خلال السنوات الأخيرة من إهمال وتدمير متعمد أفقدها القدرة على التوازن والتماسك فى سوق اكتظ بالممارسات غير الشرعية، لذلك لابد من وضع استراتيجية لإعادة تأهيل هذه الشركات لتقوم بدورها التقليدى فى قيادة القطاع الإنتاجى فى مصر حتى تستطيع الاستجابة للمطالب الفئوية غير المحدودة التى لا يمكن التعاطى معها بدون إعادة بعض هذا القطاع من مرقده، مطالبة بالسعى لجذب استثمارات كثيفة العمل تستخدم تكنولوجيا حديثة، خاصة أن الفترة الماضية رغم إقامة مشروعات صناعية عديدة فإن ذلك للأسف لم ينعكس على دخول المواطنين، وخاصة الشباب، لأن كثيرا من الخريجين ليس لديهم أى مهارات لسوق العمل.
وطالبت الحماقى بضرورة إعادة النظر فى إمكانية إلغاء الضريبة على الأرباح الرأسمالية لتحفيز الاستثمار، لكى تعود مصر إلى الساحة مرة ثانية، فإلغاء الضرائب يعنى زيادة فى الاستثمار وبالتالى المزيد من فرص العمل وزيادة الطلب على السلع الاستهلاكية بما يعنيه من زيادة فى الضرائب الأخرى فالهدف تنشيط الاستثمار وربما يترتب عليه زيادة الحصيلة النهائية للضرائب، مشيرة إلى أنه لتنشيط الاقتصاد لابد من إقرار إعفاء ضريبى للمشروعات الصغيرة التى يتم تأسيسها لمدة تتراوح بين عامين و5 أعوام، لكى يكون ذلك داعما لهذا القطاع الذى يراهن عليه الخبراء بأن يكون القاطرة للاقتصاد المصرى.
بحبك يا مصر
أما د. طارق حماد أستاذ المحاسبة والضرائب بجامعة عين شمس فأكد أن النهوض بالاقتصاد يستوجب التحرك لتنفيذ استراتيجية ذات شقين أولهما يستهدف تأمين الحاجات المجتمعية فى الأمد القصير والآخر يسعى للنهوض بالاقتصاد فى الأمد الطويل، فإنه فى المدى القصير لابد من السعى لتدبير موارد تدعم خزانة الدولة لتمكينها من الاستجابة للمطالبات الآنية، ويمكن تدبير هذه الموارد من الإعلان عن إصدار سندات تحت مسمى «بحبك يا مصر» بقيمة 5 مليارات جنيه على أن يكون قيمة السند 100 جنيه بفوائد سنوية تسترد بعد 10 سنوات، على أن تعطى الحكومة سماحا من سداد الفوائد عامين.
ولفت إلى أنه من الممكن أيضا أن تصدر الحكومة سندات يتم تسميتها بسندات «تطهير الأموال» لكل من استفاد من الفساد، الذى شهدته مصر السنوات الأخيرة بدون تورط فى أعمال يعاقب عليها القانون، وتكون هذه السندات بسعر فائدة بسيط وتسترد بعد 10 سنوات، موضحا أنه من الممكن أن تبدأ الحكومة فى التصالح مع المتورطين فى تهم الاستيلاء على المال العام لتحصيل مبالغ منهم تساعد الخزانة العامة على الخروج من الأزمات التى يعيشها الاقتصاد المصرى هذه الآونة، وأنه لا يوجد ما يمنع فرض الدولة لضريبة على الثروات الضخمة، وهى فى ذلك تكون ناقلة لتجربة نفذتها جمهورية فرنسا قبل ذلك، ليس هذا فحسب بل مسموحا التفكير فى فرض ضرائب خاصة على الضرائب غير العادية.
وخلص د. حماد إلى أنه على المدى الطويل لابد من اتباع استراتيجيات جادة لتقوية بنية الاقتصاد بمضاعفة الاهتمام بالمشروعات الصغيرة ونشر ثقافة البحث وذلك بنقل تجارب البلدان الناجحة فى هذا الجانب والسعى لتطبيقها فى مصر فما المانع من تطبيق تجربة ألمانيا فى النهوض بالمشروعات الصغيرة عندما وفرت الأرض مجانا للشباب وقامت البنوك بشراء المعدات وإعطائها للشباب بنظام التأجير التمويلى على أن يتم تمليكهم هذه المعدات بعد الانتهاء من سداد قيمتها فى أقساط الإيجار، مؤكدا أن مصر الآن فى أمس الحاجة إلى تطبيق قواعد الحوكمة الرشيدة بما يضمن تجفيف كل منابع الفساد وحث وتحفيز كل مستثمر على زيادة استثماراته فى مصر بما يخرج مصر من كبوتها وإدخالها فى صفوة الأمم.
تعديل التشريعات
ويرى د. أحمد جلال مدير منتدى البحوث الاقتصادية للشرق الأوسط إمكانية تحقيق الخروج الآمن للاقتصاد المصرى من الوضع الحالى وذلك باتباع ذات النهج الذى اتبع فى تشيلى بعد عهد «بينوشيه»، عندما أبقوا على جميع السياسات الاقتصادية التى تستهدف النمو إلى جانب سياسات اجتماعية رشيدة ورصينة، شريطة أن يتم إعادة النظر فى سياسات الدعم والضمان الاجتماعى، التى يخصص لها المليارات فى الموازنة العامة ولا تحقق المستهدف منها فالدعم يذهب إلى غير مستحقيه ومن ثم لابد من إعادة ضبط المنظومة بشكل يحقق ترشيد الدعم.
وأوضح أن الإبقاء على السياسات الاقتصادية التى تستهدف النمو لا يعنى عدم المساس بها بل لا يوجد ما يمنع من مراجعتها لإدخال بعض التعديلات الضرورية عليها، فلا يليق أن يتم الابقاء على القانون الذى ينظم مشاركة القطاع الخاص والحكومة فى تقديم الخدمات العامة، لأنه يؤصل لشراكة غير منطقية بالمرة، بل لابد من وجود تشريعات حاكمة لهذه الشراكة كل حسب القطاع الذى تتم فيه المشاركة، لوجود تباين بين الأنشطة، فالصحة تختلف عن الصرف الصحى والتعليم يختلف عن الطرق والكهرباء.
وقال د. جلال إنه لتحقيق نهضة تنموية شاملة يجب أن تعمل الدولة بفلسفة مغايرة لجذب الاستثمارات، فلا تدعم نوعا معينا من الاستثمار، بل لابد من تحسين مناخ الاستثمار بشكل عام وذلك بتوفير البنية التحتية، ثم التفكير فى اتباع طرق جديدة، وسبل مبتكرة لتشجيع الاستثمار، كأن يتم تدعيم الشركات التى تشغل عدداً أكبر من العمال، أو دعم الشركات التى تعيد استثمار أرباحها فى الشركات مرة ثانية، ومن هنا يتم تشجيع الاستثمار والتشغيل فى نفس الوقت، كما يجب النظر إلى يهمنى أيضا العدالة فى التوزيع الجغرافى للاستثمار، وهنا يجب أن أنفق أكثر على البنية التحتية فى الصعيد وتدريب شباب الصعيد.
تدعيم الإحساس بالأمان
لكن الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة، وفقا للمفكر الكبير جلال أمين الأستاذ بالجامعة الأمريكية هو تشكيل مجلس رئاسى يدير البلاد ويكون به 2 من الشباب، ثم فرض الضرائب التصاعدية واعتبرها من الأشياء المهمة، ولكن توقيتها حالياً خاطئ، لأن السوق بحاجة إلى تدعيم إحساس المستثمر بالأمان وليس بأن يفرض عليه ضرائب والسوق لم يستقر بعد، مشددا على ضرورة تدعيم القطاع الخاص، وأن الدولة القوية تفرض نفسها على القطاع الخاص مثل الصين حيث تفرض على الشركات توظيف عدد معين من الشباب.
وشدد د. أمين على أن الإصلاح الاقتصادى بدأ بسقوط نظام مبارك، ولابد أن تكون الخطوة الثانية الاعتماد على أسلوب علمى للتخطيط، الذى تركته الدولة منذ فترة، لأنه من لا يخطط لنفسه يخطط له غيره، رافضا فكرة توظيف الحكومة للكثير من الشباب بحجة إرضاء الشعب، لأنه يزيد من حجم التضخم، لكن فى ذات الوقت على الدولة فتح الباب أمام القطاع الخاص للقضاء على البطالة، وتدعيم دور القطاع الخاص بمواصلة سياسة الخصخصة بشكل مغاير عما كان فى نظام مبارك بما يحقق الصالح العام، لأنه غير مقبول خصخصة الشركات الناجحة لتحقيق المصالح الشخصية، وترك الخاسرة لتزيد الأعباء على الدولة.
بناء الإنسان
ويرى د. يوسف إبراهيم مدير مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى بجامعة الأزهر أن الخروج من الأزمة التى يعيشها المجتمع المصرى أمر يحتاج إلى إعادة بناء الإنسان المصرى ليكون إنساناً يميل للبناء أكثر من ميله للهدم ليسعى وراء زيادة الإنتاجية لا وراء زيادة الأجر، ويؤصل لثقافة الإنتاج لا لثقافة الاستهلاك التى يرفضها الإسلام، فالإمام على رضى الله عنه قال: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا».
وأوضح أن كافة مؤسسات التنشئة فى المجتمع أصبحت مطالبة للقيام بدورها فى إعادة تأهيل الإنسان المصرى ليكون أكثر صدقا وأكثر إيمانا بالقيم الإيجابية ولنبذ كافة صور القيم السلبية التى ساهمت فى تسطيح فكر الشباب وغلبة ثقافة اللا مبالاة والسلبية عند أغلبية شباب الأمة، مشيرا إلى أن المصريين بحاجة إلى تنشئة تؤصل حرمة المال العام فتختفى الرشوة التى تحولت بفعل فاعل إلى «إكرامية» أو «شاي» أو غير ذلك من المسميات التى ما أنزل الله بها من سلطان.
وأشار د. إبراهيم إلى أنه لابد من إعادة ثقافة حرمة المال العام وقدسية العمل والإنتاج والواجب قبل الحق، فالمطالبة بزيادة الأجور لابد أن يسبقها سعى وتفان لإنجاز العمل فى أبهى صوره، لأنه غير مقبول أن تقوم الدولة بزيادة الأجور بغض النظر عن الإنتاجية، بل لابد من عمل موازنة لربط زيادة الأجور بإنتاجية العامل مما يساهم فى زيادة الإنتاج وترشيد الانفاق وبالتالى زيادة تنافسية الاقتصاد وزيادة معدلات التشغيل التى يترتب عليها زيادة الصادرات.
أما د. رفعت سيد أحمد مدير مركز يافا للدراسات السياسية، فقال: فى تقديرى تعيش مصر حالة الفوضى التالية، لأى ثورة إلى أن تستقر الأوضاع فهذه مرحلة قلقة فى تاريخ مصر، لا يمكن أن تضع روشتة، لأنه يمكن أن تفاجأ بأحداث ناتجة عن القنابل التى فجرتها الثورة والتى كانت موجودة منذ 30 سنة، لذا لابد أن تترك مساحة التعبير وحريات الرأى وحتى الانفعالات غير المحسوبة حتى تتعرف على الغث من السمين.
وأضاف أن مصر بحاجة إلى حوار وطنى حقيقى وليس حوار خنادق فنجد علمانيين فى مؤتمر مدينة نصر ثم يرد عليه محمد حسان بمؤتمر فى الهرم هذه طائفية سياسية، بل الأمر يحتاج إلى حوار وطنى واسع برعاية المجلس الأعلى للقوات المسلحة لكونه الممثل لأكثر مؤسسات الدولة احتراما، ليكون المؤتمر وسيلة لإفراز إطروحات جادة بعيدة كل البعد عن انتاج الإطروحات التقليدية القديمة، لينتهى هذا الحوار إلى توصيات يتولى تنفيذها ائتلاف يمكن تسميته «ائتلاف إنقاذ مصر»، ليكون عينا ساهرة لبناء مستقبل مصر وليس الانتقام من الماضى.
وشدد د. رفعت على أنه من الضرورى أن يواكب السعى لترسيخ أسس بناء مستقبل أفضل تكريس الجهود لمحاربة فكرة الغلو من الفريقين المسلم والمسيحى واليمينى واليساري، لما يمثله هذا الغلو والتطرف الفكرى من خطورة بالغة على مستقبل مصر، وربما يتحقق ذلك بتفعيل ثقافة المواطنة الحقيقية التى ترتب حقوقا لكل مصرى بغض النظر عن دينه أو عرقه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.