د. عبد المجيد أبو شنب خبير التحكيم الدولى لقد حرص نظام مبارك على عدم الأخذ بمبدأ "الرجل المناسب فى المكان المناسب" فأهدر مبدأ تكافؤ الفرص، وعين ضعاف النفوس ومعدومى الضمير فى مؤسسات الدولة والأجهزة الرقابية لتشكل فيما بينها تحالفا قويا لحماية الفاسدين؛ فالفساد لحق بكل مؤسسات الدولة وسلطاتها، بما فيها السلطة القضائية. وقد استمعت لكلمة الكاتب والشاعر فاروق جويدة فى اللجنة التأسيسية عن الحال التى وصل إليها القضاء المصرى، وأنه يحتاج إلى ثورة إصلاح، وإعلاء لمبدأ الشفافية وإحقاقا للحق كان لزاما علينا أن نؤكد حقيقة مهمة؛ هى مشاركة القضاء فى الفساد؛ ففى 12/2/2004 انتهت دائرة توحيد المبادئ فى القضية رقم 5850 لسنة 47 ق.ع إلى ترجيح الاتجاه الذى يقضى بأن التعيين فى الوظائف القضائية أمر تترخص فيه جهة الإدارة بمقتضى سلطاتها التقديرية دون معقب عليها؛ وذلك لمؤازرة الباطل وتأييده. وقد أثبتنا ضعف حجج هذا الاتجاه وهدم كل أسسه فى مذكرة الدفاع التى قدمت بالقضية. ولم نكن نتصور أن يصل الأمر إلى أن يكون أحد أعضاء الدائرة التى تفصل فى القضية هو من كتب حكم دائرة توحيد المبادئ، وهو السيد المستشار/ حمدى الوكيل -نائب رئيس مجلس الدولة- وهو أمر لا يصح بتاتا؛ ذلك لأن القاضى الذى كتب أو أبدى رأيه فى مسألة قانونية متعلقة بالقضية لا يجوز له الفصل فى هذه القضية، وقد قدمت مسودة حكم دائرة توحيد المبادئ المكتوب بخط يد المستشار/ حمدى الوكيل، وإثباتها فى محضر جلسة الأحد الموافق 12/6/2005؛ وذلك بعد أن رفض إثبات الطلبات وتقديم شكوى إلى رئيس مجلس الدولة برقم 4045 فى 6/6/2005 ولم يحرك ساكنا عما يحصل من تلاعب فى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة السابعة". والواقع أن هذا الحكم لا يتعلق بالماضى، كما يرى البعض، بل بالمستقبل. ويكفينا فى ذلك أنه حتى الآن يستبعد الحاصلون على درجة الماجستير والدكتوراه من التعيين فى الوظائف القضائية بموجب غطاء قانونى كاذب صادر عن دائرة توحيد المبادئ بأن التعيين فى الوظائف القضائية سلطة تقديرية لجهة الإدارة. ولإظهار حجم الفساد الذى وصل إليه القضاء المصرى، نشير إلى أن الطاعن سعد فتحى أبو السعد حاصل على ليسانس شريعة وقانون بتقدير جيد جدا، والأول على الكلية رفضت دعواه، كما أن الطاعن هشام حلمى أحمد الحاصل على تقدير تراكمى جيد بنسبة 78.6% -أى أن الفارق بينه وبين تقدير جيد جدا 1.4% إذ إن تقدير جيد جدا بنسبة 80%- رفضت دعواه لأن المحكمة رأت أنه ليس ظاهرا التميز، مع أن الفارق بينه وبين تقدير جيد جدا 1.4%. ومما يدعو للغرابة أن أحد أعضاء الدائرة التى أصدرت هذا الحكم -وهو المستشار يحيى أحمد راغب الدكرورى نائب رئيس مجلس الدولة- قد عُين ابنه الحاصل على تقدير مقبول -ويدعى يوسف يحيى أحمد راغب- وذلك لأن الموضوع سلطة تقديرية. وقد وصل الأمر إلى أن طلب المستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة من أعضاء النادى بالإسراع فى عمل توكيلات للمستشار شوقى السيد حتى يتسنى له رفع دعوى قضائية لتقنين ما هو جار العمل به فى التعيين فى القضاء "بيئة قضائية + مقبول = وكيل نيابة". كما أنه لا يخفى على أحد أن قضية إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية ظلت بأدراج المحكمة الدستورية العليا أكثر من عشر سنوات. ولأن البدايات تحكى النهايات أحيانا، فإن من اعتلى منصة القضاء بالوساطة والمحسوبية وبطرق غير مشروعة على أتم الاستعداد لأن يفعل أى شىء. نخلص من ذلك إلى أنه قد آن الأوان لتطهير القضاء من الفاسدين. أما ما ذهب إليه المستشار حسام الغريانى من أن أمر التعيين فى القضاء لا يكون فى الدستور، فقد غاب عنه حقيقة هامة؛ هى أن واضعى الدستورى قد يرون ضرورة وضع قواعد لتنظيم أمور وظواهر معينة لأهميتها، رغم أنها لا تتعلق بالدستور من الناحية الموضوعية. وقد حدث هذا بالفعل فى فرنسا فى عام 1926م عندما عُدِّل الدستور بالنص على إنشاء صندوق عام هو صندوق مستقل للوفاء بالديون؛ لطمأنة المدخرين وإظهار قدرة الدولة على الوفاء بما عليها من حقوق؛ وذلك عندما كانت العملة الفرنسية على وشك الانهيار. هل هناك أمر أخطر من أن يصل إلى منصة القضاء أشخاص غير جديرين بذلك وبطرق غير شرعية لكى يتصدى لهم الدستور؟! أخيرا وليس آخرا، نود أن نشير إلى أننا لا نزال فى انتظار القرارات الثورية لتحقيق العدالة الاجتماعية وتطهير القضاء واستئصال جذور الفساد من كل مؤسسات الدولة.