وثقت منظمة "هيومان رايتس مونيتور" الحقوقية عمليات التعذيب الممنهج والانتهاكات الوحشية التي تمت داخل سجون الانقلاب فى إطار إحياء اليوم العالمي لمناهضة التعذيب، مشددة على أن الجرائم التى يرتكبها مليشيات السيسي داخل مقار الاحتجاز باتت واقعا ممنهجا يرقى لكونه جريمة ضد الإنسانية. وكشفت المنظمة –فى تقرير لها- اليوم الأحد، أنه مع حلول اليوم العالمي لمناهضة التعذيب 26 يونيو من كل عام يستمر وضع حقوق الإنسان في التدهور بشكل يومي بمصر، ولم تؤتي التقارير الحقوقية المحلية منها والدولية ولا الإدانات، ثمارها في وقف تلك الانتهاكات المُمنهجة ولا حتى التخفيف منها.
وأوضح التقرير- الذي حمل عنوان "التعذيب دستور السجون المصرية"- أن المنظمات الحقوقية المصرية والعربية والدولية لعبت دورا مشهودا في رصد وتوثيق وفضح انتهاكات حقوق الإنسان، غير أن استشراء الانتهاكات كما وكيفا وتكرارها بين حين وآخر، بات عائقا دون إمكانية رصدها جميعا.
وأشار إلى أن النظام يصرّ على في انتهاج سياسة ممنهجة للتعذيب أودت بحياة المئات، الأمر الذي يبدو أنه بات اعتياديًا، مضيفا: "منذ ثلاثة أعوام شكلت أحداث ال30 من يونيو في مصر انحرافا في مجال الحقوق والحريات حيث قتل 493 معتقلا داخل السجون وأماكن الاحتجاز، بالتزامن مع المحاكمات والاعتقالات وهي تقدر بالآلاف".
وتابع: "تعددت أحكام الإعدام أو المؤبد الصادرة بحق المدنيين التي تتبارى في إصدارها المحاكم العسكرية والمدنية على السواء، و يخضع لها الأطفال والقصر في سوابق تاريخية لم تعرفها مصر في تاريخها من قبل، حيث بات الاعتقال ممنهج وواسع الانتشار في مصر".
ورصد التقرير أن الغالبية الكاسحة من المحتجزين تتعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة دون أن يكون هناك رادع أو آلية للمحاسبة على هذه الجريمة التي انتشرت وأصبحت واقعا يعيشه عشرات الآلاف من الشباب في سجون مصر، فقد أصدرت المحاكم مئات من أحكام الإعدام والسجن لفترات طويلة إثر محاكمات جماعية فادحة الجور.
وشدد على أن قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي لم ينكر وجود -من دعاهم- شبابا أبرياء في السجون نتيجة الحالة التي تمر بها مصر، في حين أن التقديرات غير الرسمية تُشير إلى ن أعداد المعتقلين تجاوزت ال65 ألف معتقل، لتبقى حياة عشرات آلاف المعتقلين وراء القضبان في مهب الريح عرضة للقتل نتيجة التعذيب في أي لحظة.
وأضاف التقرير: "تتصاعد وتيرة الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون الجنائيون ومن هم على خلفية سياسية بالأخص أثناء فترات اعتقالهم داخل السجون المصرية، حيث رصدت المنظمة تعرض المعتقلين إلى معاملاتٍ قاسية، فضلا عن الضرب المبرح والتعذيب الممارس بحقهم، لمحاولة انتزاع اعترافات، أو لمجرد أهواء شخصية لدى ضباط الشرطة للانتقام منهم على خلفية معارضتهم للسلطة.
ووثق التقرير أن التعذيب والإهمال أسفر عن حالات وفاة لمعتقلين لديهم أمراض كالقلب والسرطان وأمراض أخرى خطيرة وسط إهمال طبي ورفض إدارات السجون علاجهم، وتردي الخدمات الصحية المقدمة داخل السجون، وكذلك تزايد العنف الشرطي المستخدم بحقهم، وذلك دون مسائلة عادلة لإيٍ من الضالعين في تلك الانتهاكات.
وأوضح: "تتنوع أشكال المعاناة داخل السجون بين ما يطلق عليها "حفلات" التعذيب، والإكراه على الاعتراف بتهمة ملفقة، ووضع المعتقلين السياسيين في زنازين مشتركة مع السجناء الجنائيين، والحبس الانفرادي، ومنع الزيارة وإدخال الطعام والأدوية، فتمنع إدارة السجن لفترات طويلة دخول الأدوية والطعام والشراب والملابس للمعتقلين، ومن يعترض على ذلك تلغى عنه الزيارات ويعاقب بالضرب والحبس الانفرادي لأيام أو أسابيع عدة".
وأكدت "مونيتور إلى أنّ السلطات تتعمد إخفاء الجرائم وحالات تعذيب ممنهجة التي تتم في أقسام الشرطة ومقرات أمن الدولة والسجون السرية، وهناك تعليمات عليا بممارسة أقسى أنواع التعذيب الوحشي والممنهج لكسر إرادة المعتقلين.
واستطردت: "تسعى وزارة الداخلية باستمرار إلى إخفاء جرائم قتل السجناء أثناء التعذيب، عبر الضغط على عائلاتهم أو عبر الطب الشرعي الذي يؤكد عادة أن سبب الوفاة إما الانتحار أو الهبوط الحاد في الدورة الدموية، كما أن معظم المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب لا يعرفون أماكن احتجازهم، ولا الجهة التي ألقت عليهم القبض، وكانت أعينهم معصوبة أثناء التعذيب، وبالتالي يصعب معرفة الجاني لتوجيه التهم إليه بشكل مباشر".
وحذرت منظمة "هيومن رايتس مونيتور" من الإستمرار في استعداء أطياف الشعب كافة، والذي يزيد من الهوة بين الشعب ومنظومة التقاضي، مما قد يدفع البعض لانتزاع حقوقهم بأيديهم مما يهدد الأمن العام للمجتمع، وذلك في ظل انهيار منظومة العدالة، قتل وتعذيب واغتصاب المواطنين، وحتى التمثيل بجثثهم، والذي أصبح أمرا اعتياديًا في مصر.
واعتبرت المنظمة أنّ استهتار السلطات الأمنية بمصر بحياة المواطنين وقتلهم بشتى الطرق والوسائل، والتذرع بأسباب واهية غير واقعية وغير قانونية، أثناء وجودهم بحوزتها يدل على عدم إحترامهم لآدمية المواطنين المصريين، كما أن التعذيب بكافة مقار الإحتجاز بات ممنهجًا وأزداد بصورة مروعة حتى باتت السلطات المصرية هي المنتهك الأول لحقوق المواطن بدلًا من أن تكون حامية لحقوقه وحياته.
وشدد التقرير على وجوب إعادة المحاكمات التي صدرت فيها أحكام ضد معارضين في مصر وأنه على المجتمع الدولي وتحمل مسؤوليته القانونية والإخلاقية بالضغط على السلطات المصرية من أجل الاستجابة لذلك وإيقاف كافة الأحكام المسيسة والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين وأصحاب الرأي.
وطالبت المنظمة السلطات المصرية بالالتزام بالمباديء الأساسية لمعاملة السجناءوكذلك الإلتزام بتعهداتها الدولية و بالقوانين الدولية الخاصة بمعاملة المساجين واتفاقية مناهضة التعذيب وتحمل السلطات المصرية المسؤولية التامة والكاملة عن حياة المعتقليين داخل جميع أماكن الإحتجاز الرسمية وغير الرسمية.