رددها عبد الفتاح السيسي مرارا وتكرارا.. "مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا.. وإحنا معانا ربنا"، إلا أن كثيرا من الكتاب والصحفيين والأذرع الإعلامية من الذين أطلق عليهم السيسي نفسه في تسريب له مع "كبار الرتب النحاسية من ذوي النسر والدبورة"، تعبيرا يدل على أنهم عرائس على مسرح الانقلاب. كثير منهم بات يطرح بشكل غير مباشر أسئلة من عينة.. متى الإفاقة؟ وكل ما حولهم يسير نحو الفشل، وكأن الانقلاب ما أتى إلا ليفشل. الحلم متى؟! اليوم وعلى صفحات الأهرام، كتب مرسي عطا الله، رئيس تحرير الأهرام المسائي والمحرر العسكري السابق، وهو من المحسوبين بنسبة كبيرة على المخلوع مبارك بالأساس، تحت عنوان "مصر قد الدنيا.. متى؟!" . واعتبر "عطا الله" في طرح تساؤله أن مصر قد الدنيا "من مستوى الأحلام المشروعة"، وأنه غير كاف "أن نعيش الحلم وننتظر تحقيقه"، في إشارة ضمنية إلى أن الموضوع ما زال حلما. فيقول: "كلنا نحلم بمصر القوية الراسخة ذات الهمة العالية، ولا يختلف أحد على أن السبيل لذلك يتطلب تغييرا جذريا"، مشيرا إلى أن ذلك يتطلب "إعادة البناء على أسس سليمة". واتهم الكاتب في الأهرام ضمنيا من حَلِم ب"مصر قد الدنيا"، مع العلم أنه قد ينفي ذلك، أن "تحويل الأحلام إلى حقيقة أمر يرتهن فى الأساس بقدرة الذين يحلمون على أن يحدثوا بأنفسهم قدرا هائلا من التغيير فى الفكر والسلوك، وبما يتناسب مع حجم الحلم المنشود". وعبر مرسي عن تصارع ومناكفة تؤجل الحلم، مع استبعاد أن يكون قاصدا الإخوان الذين يسكنون سجون الانقلاب، ولكنه صراع يبدو أنه مستتر إلى الآن، فيقول: "الحلم بإعادة بناء مصر القوية ليس رهنا فقط بقرارات تصدر أو بإستراتيجيات يجرى تعديلها لكى تلائم استحقاقات الحلم المنشود، وإنما الأمر يتطلب كنقطة بداية توافقا وتكاتفا مجتمعيا لتحمل فاتورة الانتقال بالإنسان المصرى من مقاعد المشاهدين إلى مواقع المشاركين". ورغم أن آخر التغييرات الوزارية كانت بخروج محلب وإحلال شريف إسماعيل، إلا أن عطالله الذي تجاوزه الزمن، قال: "لن يتحقق بخطط وسياسات جديدة وخروج أشخاص ومجيء غيرهم- رغم أهمية وضرورة ذلك فى بعض الأحيان- ولكنه يتحقق بجدية التحرك نحو تنمية الإنسان". ورغم تبطين انتقاداته، إلا أن مرسي عطالله ذيل مقاله بعبارة "خير الكلام": "شكرا لمن يحبك رغم عيوبك… ويلتمس لك العذر قبل أن تعتذر له". شكوك أسامة كمال وفي "المصري اليوم"، أبدى الكاتب والإعلامي المؤيد للانقلاب أسامة كمال، قاصدا جلد من يسخر من عبارة "مصر أم الدنيا"، فناكفها مرتين، أولهما في العنوان فقال: "من قال مصر أم الدنيا؟"، ثم ناكفها ثانية في المتن بقوله: "ماذا حدث لكم يا شعب مصر؟ هل اخترعنا مقولة «مصر أم الدنيا» فقط كى نرضى تواضعنا ولا أقول غرورنا؟ أقول اعتزازا بأنفسنا ولا أقول تباهيا وتفاخرا فى غير محله". وضمنيا انتقد عبارة "السيسي"، وكتب في مقاله المنشور في 16 مايو "أنحن على حق أم أننا نبالغ فى الحديث عن تاريخنا؟ عندما قال الرئيس السيسى «مصر أم الدنيا وهتبقى أد الدنيا».. هل قالها إرضاء للناس وتزلفا لهم؟". ثم كشف عن تناقضات يحملها ومن هم في محطة من محطات "تكوين الذراع"، موضحا: "معظمنا صفق وأحب العبارة حتى لو راودته الشكوك فى هذه الأيام الصعبة أن نصبح «أد الدنيا". الفردوس المفقود الغريب أنه في أبريل الماضي أيضا، كتب محمد علي إبراهيم، رئيس تحرير صحيفة الجمهورية المصرية الأسبق، وكان معينا بمجلس شورى المخلوع أيضا، مقالا بعنوان "السيسي.. والفردوس المفقود!"، قال فيه: "سيادة الرئيس.. الناس في بلادي يعانون.. لا يأكلون من تحيا مصر.. ولا يشربون من مصر قد الدنيا.. نحن غاضبون ليس منك.. ولكن من أسلوب إدارة الحكم". فيما صدر مقاله الذي نشره موقع "مصر العربية"، منتقدا السيسي "للأسف ما زالت جنة الرئيس إنشائية.. بلاغية.. فردوس موعود بعد عذاب الدنيا.. دائما ما يتحدث سيادته عن النعيم والرخاء اللذين ينتظران الأجيال القادمة". انتقال بالحرارة بعض الصحفيين تشعر أنهم يشتاقون في داخلهم إلى مناخ ثورة يناير، فمجدي طنطاوي على شاشة التحرير وبعد المقال بأيام يصرخ: "قاعدين نقول مصر قد الدنيا وبتاع.. إحنا عمرنا ما كنا كده ولا هنكون". ثم يلتقط منه التردد صحفي "الدستور" إبراهيم عيسى، على نفس الشاشة قائلا: "عاوزين بلدنا تبقى قد الدنيا.. أو على الاقل تفضل قد مصر مش تقل جزيرتين".