«لجنة إخفاء الحقائق» لم يكن فقط عنوانا لمؤتمر يكشف مدى تواطؤ اللجنة التي شكلها الانقلاب العسكري من أجل تقصي الحقائق في جرائم ارتكبها بنفسه ولا زال يمارسها يوميا في الجامعات والميادين، وإنما هو واقع مرير ل«الجريمة المستمرة» بحق شعب بأكمله لم يعرف طعما للعدالة في زمن العسكر ولم يحصل على أدنى حقوقه من سلطات الانقلاب. "قلناها من البداية.. إنها لجنة لإقصاء الحقائق، لجنة لإخفاء الأدلة، ويتأكد يوما بعد يوم أنها لجنة الهدف الواحد، لجنة إفلات الجناة من العقاب، وإننا كأُسر شهداء نعتبر لقاء القاتل بلجنته دليل إدانة جديد على إهدار العدالة وحقوق الشهداء، ودليل صحة ما ذهبنا إليه من عدم مقابلة تلك اللجنة، بعدما تأكدنا من الوهلة الأولى أنها لجنة فقدت استقلالها ولا شرعية لها ولا يعتد بكلامها المليء بخيانة الشهداء".. بهذه الكلمات الموجعة عبرت السيدة سناء عبد الجواد –والدة الشهيدة أسماء البلتاجي- عن الوصف الدقيق للجنة تقصي الحقائق المشكلة لفضح جرائم الانقلاب.
أسر الشهداء وعدد من الحقوقيين نظموا مؤتمرا صحفيا ظهر اليوم الثلاثاء، بالعاصمة القاهرة تحت عنوان "لجنة إخفاء الحقائق.. الجريمة مستمرة "، بعد اجتماع مغلق ومشاورات على مدار اليومين الماضيين، لإعلان موقف نهائي بخصوص لجنة الدكتور فؤاد رياض لتقصي الحقائق، بعد مقابلتها للمتهم الأول في مجازر الإبادة البشرية عبد الفتاح السيسي.
شارك في المؤتمر السيدة سناء عبد الجواد رئيس رابطة معتقلي سجون طره والدة الشهيد أسماء البلتاجي، وهدى عبد المنعم عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان الشرعي عضو اللجنة الحقوقية بالتحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب، ومحمد أبو هريرة المستشار القانوني لمرصد طلاب حرية والمتحدث الرسمي للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات.
وأعلن الحضور عدم صلاحية اللجنة للقيام بتقصي الحقائق، لانحيازاتها المسبقة ومخالفتها القانون ومعايير الاستقلال، وأعلنوا بدء ملاحقتها القانونية، وطالبوها برد أموال الشعب التي تقاضتها في الفترة الماضية، ودعوا لتشكيل لجنة مستقلة تقوم بدورها طبقا للمعايير الدولية القانونية المستقرة، محذرين من مغبة تعطيل القصاص ومحاولات إفلات الجناة.
سناء عبد الجواد رئيس رابطة معتقلي سجون طره، أكدت -في بيان وجهت فيه الخطاب إلى "الأمهات المصريات وكل الشعب المصري الحر- أن الدماء المظلومة التي أراقها القتلة مبارك والسيسي ومن عاونهما دون قصاص هي سبب ما نحن فيه.
واتهمت اللجنة بإهدار أموال الشعب، قائلة: "أمهات مصر.. شعبنا المصري الحر: رسالتنا لكم تأتي في إطار اغتصاب أموالكم -أموال الشعب- لصرفها على لجنة قالوا إنها لتقصي الحقائق، واتضح أنها لإخفاء الحقائق، نتهم فيها عبد الفتاح السيسي بقتل المصريين ومنهم أبناؤنا، ثم نراهم يجلسون سويا معه، مع القاتل الأول، يبتسمون ودماء ذوينا لم يأت لها حقا في مشهد غير إنساني لا يبالي بوجع أهالي الشهداء".
ووجهت أم الشهيدة أسماء البلتاجي رسالة إلى أمهات مصر وأمهات العالم الإنساني، قائلة: "اشهدوا على ثباتنا على حق أبنائنا، أشهدوا أننا لن نفرط قط في دمائهم، ولن نقبل بحوار مع القتلة أو بتقارير لجنتهم المغموسة في دماء أبناء مصر الأحرار، اشهدوا أن هذه لجنة ساقطة غير نزيهة، ولا تعترفوا بتقاريرها وحاصروا أعضاءها في كل مكان يذهبوا إليه بالحقيقة.. بصور الشهداء مختلطة بالدماء.. بصور أسماء وحبيبة وهالة.. بصور كل الشهداء المغدور بهم برصاص الجيش والشرطة والبلطجية.. وكل ما نرجوه من الجميع الثبات حتى الانتصار والقصاص".
وختمت كلمتها بالتأكيد على الثبات حتى النصر والقصاص، قائلة: "مش ناسيين دماء أولادنا يا سيسي، مش هنسيب دماء ولادنا يا دكتور رياض، مكملين في الشوارع والجامعات والميادين، نقسم بالله العظيم ألا نفرط قط في دماء شهداء مصر، وألا نقبل بحوار مع القتلة، وأن نفعل ما في وسعنا حتى يكتب الله لنا النصر والقصاص أو الشهادة لنلحق بأبنائنا في جنات عدن عند ملك الملوك وقاهر الطغاة، والله على ما نقول شهيد".
من جانبها، أعلنت هدى عبد المنعم -عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان الشرعي، وعضو اللجنة الحقوقية بالتحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب- في كلمتها اعتبار اللجنة وتقريرها جهد منحاز مسبق غير قائم على أسس قانونية سليمة، ودليل في ملف دعوى تلاحقهم على مشاركة الدكتور فؤاد رياض ومعاونيه في إخفاء الحقائق وتعطيل العدالة وسيادة القانون.
وطالبت اللجنة بإعادة كل ما تحصلت عليه من أموال الشعب المصري، وتقديم اعتذار واضح للشعب عن فشلهم في إنجاز العدالة والمساهمة في إشعال الغضب المتوقع، في ضوء عدم تفعيل القصاص بحق الجناة عن طريق المسار القضائي الطبيعي.
ودعت عبد المنعم إلى استمرار الملاحقة القانونية والحقوقية والثورية، واختصت الدعوة على المعنيين بالمسارين الثوري والحقوقي، وفي مقدمتهم التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب في الداخل، والمجلس الثوري المصري في الخارج، وكافة المنظمات الحقوقية والقانونية المستقلة في الداخل والخارج إلي مواصلة طريقهم النضالي حتى الانتصار والقصاص للشهداء.
وحملت، عبد الفتاح السيسي مسئولية إهدار المال العام على لجنة شكلية صورية، مؤكدا أنها جريمة تنضم لسجل طويل من الجرائم التي تورط فيها مع معاونيه، ولن يترك الشعب المصري حقه منه أو من غيره، ولن ينفعه تقارير زائفة من قصاص حتمي في الدنيا والآخرة بحسب نص البيان.
بدوره، استنكر محمد أبو هريرة -المستشار القانوني لمرصد طلاب حرية والمتحدث الرسمي للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات- الانحياز المسبق للجنة تقصي الحقائق، واعتبرها مخالفة للمبادئ الأساسية لإنشاء لجان تقصي الحقائق.
وأشار إلى رصد التنسيقية المصرية للحقوق والحريات لتبنى بعض أعضاء اللجنة لوجهات نظر سياسية معينة قبيل أحداث يوينو -مناط العمل- وبعدها، مما يفصح بشكل يقيني عن اتجاه اللجنة، وانصراف إراداتها إلى توصيف الأمر وفقا لوجهة نظر معينة. وانتقد الغموض الذي يشوب أعمال اللجنة، حيث لم تقم اللجنة بالإعلان الدوري عما تتوصل إليه من نتائج إلى الرأي العام ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، إضافة إلى ذلك قصورها في أداء أعمالها وعدم سعيها بشكل جدي في تحقيق تلك الأحداث المختلفة والمستمرة التي حدثت منذ 30 يونيو من العام الماضي.
وأوضح أنه يعضد التشكيك في مساعي اللجنة وقدرتها على إصدار تقرير حقوقي لا ميل فيه لجانب على حساب آخر، عدم نشر تقارير تقصى الحقائق السابقة منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير وحتى الآن. وأوصى المتحدث باسم التنسيقية، بحل لجنة تقصى الحقائق الحالية، والمشكلة بموجب القرار 689 لسنة 2013، وإنشاء لجنة أخرى بصلاحيات واسعة تتمتع بحياد ونزاهة أعضائها للوقوف على حقيقة ما تم، وما يجد من أحداث وانتهاكات جسيمة بحقوق الإنسان في مصر وتقديم القائمين عليها لمحاكمات عاجلة. التنسيقية المصرية للحقوق والحريات أكدت -تعليقا على قرب صدور نتائج لجنة تقصى الحقائق المعنية بالتحقيق في الجرائم التي ارتكبت عقب الانقلاب- أن بعض أعضاء اللجنة تبنى وجهات نظر سياسية معينة بشكل يقيني يؤكد اتجاه اللجنة وانصراف إراداتها إلى توصيف الأمر وفقا لوجهة نظر معينة.
وأضافت "التنسيقية": إن عددا من أهالي الضحايا توجهوا بالفعل للإدلاء بشهاداتهم أمام اللجنة إلا أنهم فوجئوا بعدم تقديم أي ضمانة لهم تحميهم من بطش قوات الأمن بهم وتلفيق الاتهامات إليهم حيث تعقبت أجهزة الأمن بعضا منهم ولفقت تهماً للبعض الآخر وهذا يعطى انطباعاً أو مؤشرا عن عدم جدية اللجنة في توثيق الأحداث بشكل يقيني إذ إن عدم توفير الحماية لأشخاص القائمين بالإدلاء بشهاداتهم المختلفة حول الأحداث يجعل شعور الخوف من البطش والتنكيل من جانب ذوي الضحايا قائما مما يسهم في حجب شهاداتهم أمام تلك الجهات.
رصدت التنسيقية حالة الغموض الذي يشوب أعمال اللجنة حيث لم تقم اللجنة بالإعلان الدوري عما تتوصل إليه من نتائج إلى الرأي العام ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، إضافة إلى ذلك قصورها في أداء أعمالها وعدم سعيها بشكل جدي في تحقيق تلك الأحداث المختلفة والمستمرة التي حدثت منذ 30 يونيو من العام الماضي. وتابعت التنسيقية بيانها: وثقنا أكثر من ألف حالة قتل خارج عن إطار القانون برصاص قوات الجيش والشرطة إضافة إلى آلاف المصابين بالطلقات الحية والخرطوش علاوة على ما يزيد عن 40 ألف حالة اعتقال عشوائي تمت خلال المرحلة الماضية، وهو الأمر الذي ينذر بعواقب وخيمة في حالة استمرار تغييب العدالة والانحياز لاتجاه سياسي بعينه.