«الأمن ضرورة من ضرورات بقاء وتطور المجتمعات الإنسانية، وتقوم على تأمينه وتحقيقه أجهزة الشرطة المسئولة عن حفظ الأمن والوقاية من الجريمة والحد من انتشارها».. ربما هذا هو التعريف الذي اصطلح عليه العالم المتحضر في الكشف عن الدور الحقيقي لرجل الشرطة لدعم تقدم أمته والمساعدة على توفير المناخ الملائم للاستقرار والأمان والسلام الاجتماعى، إلا أنه كليا يبدو الأمر مختلفا إذا تعلق بمفهوم الأمن لدى سلطات الانقلاب العسكري وعقليات الطغاة وأدبيات صناع القمع ومحترفي قتل شعوبهم. ويبدو المشهد في مصر واضحا جليا لهذا النوع الثاني من مليشيات الانقلاب التي لا تتردد في نشر الفوضى وقتل الثوار وترويع الآمنين، وتلفيق التهم، وتدبير التفجيرات وصنع الانفلات، وتوجيه الرصاص الحي مباشرة إلى صدور وأعين الأحرار، من أجل السيطرة على البلاد وتعبيد الطريق لقائد الانقلاب على دماء الثوار. وعندما عجز جناح الانقلاب الأمني عن مواجهة الحراك الثوري والطلابي المتنامي في الشارع المصرى، واستنزف قدراته دون جدوى في لحاق الطلاب هنا وهناك، قرر اللجوء إلى عملائه من البلطجية والمسجلين خطر «المواطنين الشرفاء»، لملاحقة الثوار ومنحهم السلطة القانونية لمواجهتهم، كمخطط انقلابي لوضع الشعب في مواجهة الشعب ومراقبة النتائج وإحصاء عدد القتلى والمصابين وكلاهما في نظر الانقلاب رخيص. القرار الذي أصدره قسم التشريع، برئاسة المستشار مجدي العجاتي، بالموافقة على التعديلات المقترحة من وزارة العدل على بعض أحكام قانون هيئة الشرطة، والذي بموجبه تم استحداث فئة جديدة ضمن أعضاء هيئة الشرطة تحت مسمي «معاون الشرطة المجتمعية»، أثار سخطا واسعا في الشارع بشكل عام وبين الثوار بشكل خاص. وتناول المشروع شروط تعيين وتأهيل وترقية وتأديب أعضاء هذه الفئة، كما قرر منح أعضائها صفة الضبطية القضائية وسريان ذات الأحكام والقواعد الخاصة بأفراد هيئة الشرطة على هؤلاء الأعضاء.
وباستثناء مريدي العسكر ولاعقي البيادة، لاقي القرار سخطا واسعا من جانب رافضي الانقلاب العسكري والتكتلات والقوي الثورية والحقوقيين، حيث أعلن المرصد العربي للحقوق والحريات رفضه لإنشاء مشروع تحت اسم الشرطة المجتمعية داخل هيئة الشرطة المصرية. وأكد أن القرار يجدد المخاوف من سعي وزارة الداخلية ل"أمننة المجتمع المصري " عبر تحويل المواطنين العاديين إلى أدوات مقننة لجمع المعلومات، مطالبا بسحب هذا المشروع سيزرع جذور عدم الأمان الاجتماعي ويهدد بتمزيق النسيج الوطني للمجتمع المصري لصالح المنظومة الأمنية القمعية والمهددة للحريات الشخصية في مصر. زوبع: الشرطة المجتمعية تقنين للبلطجة من جانبه، شن الكاتب د. حمزة زوبع –القيادي بحزب الحرية والعدالة- هجوما لاذعا على قرار قضاء الانقلاب بإقرار الشرطة المجتمعية، مؤكدًا أنه تقنين للبلطجية وإدماجهم في داخلية الانقلاب. كما، انتقدت جبهة استقلال القضاء لرفض الانقلاب، استحداث فئة “الشرطة المجتمعية” بضبطية قضائية، ووصفته بمشروع "إرهاب دولة جديد" وتقويض للدستور والحقوق والحريات ودعوة صريحة لاقتتال مجتمعي وحرب أهلية وتعزيز الانفصال المجتمعي وهذا ما جاء عبد الفتاح السيسي لأجله". واتهمت الجبهة -في بيانها- قسم التشريع بمجلس الدولة ب"توسيع منح الضبطية القضائية طبقا لرغبات الانقلاب العسكري رغم أن مجلس الشعب المنتخب بعد الثورة بمشاركة 30 مليون مواطن مصري رفض التوسع في منح الضبطية القضائية كقاعدة محصنة".
من جهتها، رفضت "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات" قانون "الشرطة المجتمعية" مؤكدة أنه يكريس للعنف ويزيد من القهر وكبت الحريات ولن يحل المشكلات الراهنة. "استقلال القضاء": التوسع في الضبطية القضائية "إرهاب دولة جديد" وبعد فحص "التنسيقية" ودراستها لهذه الفئة الجديدة المرتقبة وجدت أنها شديدة الإلتصاق بما دأبت عليه الداخلية منذ عصر المخلوع مبارك من استخدام فئات من "البلطجية" لمؤازرتها في مواجهة الشعب للنيل من حريته وكرامته، وقد شوهدت فئة "البلطجية" تلك بكثافة إبان أوقات الانتخابات وأمام مقارات اللجان الانتخابية لمنع المواطنين من التصويت بحرية، وكذلك شوهدت مؤخرا وهي تساعد الشرطة في اقتحام الجامعات والاعتداء على الطلاب بلا أي مبرر قانوني أو دستوري، وهو ما يعني زيادة مخاطر وجود حروب "شوارع" في مصر خاصة بين العائلات وفي أمكان العصبيات في الصعيد والمناطق البدوية.
بدورها اعتبرت حركة "6 إبريل"، موافقة قسم التشريع بمجلس الدولة على قانون الشرطة المجتمعية، بمثابة "تحويل البلطجية والأمنجية لمليشيات أمنية ومحاولة لتقنين دور البلطجية والمواطنين الشرفاء، معتبرة أن مصر تسقط تدريجيًا على يد هذا النظام وقراره الخاص بتحويل البلطجية والأمنجية لميليشيات أمنية.
من جانبه، أكد أحمد العطار -أمين حزب مصر القوية- أن مثل هذا القانون هو محاولة لإيجاد مسار قانوني لدور "المواطنين الشرفاء"، وأنه إحياء لفكرة"مرشد الداخلية"، وهو نوع من أنواع العبث، مضيفا أن الدولة أصبحت في طور مجاملة البلطجية وتصفية الحسابات. وفي الإطار ذاته، قال محمود فرج -القيادي باتحاد شباب الثورة- إن الشرطة المجتمعية تعد تصريحا بالقتل من قبل هؤلاء المخولين بحل مشكلات المواطنين في الشوارع، مشيرًا إلى أن هؤلاء الشرطيين سيكون لهم الحق في الضبطية القضائية وهذا يعد كارثة كبيرة.