لا تخلو الحياة الزوجية من الخلافات والمشاحنات التى قد تظهر أمام الصغار، بقصد أو بدون قصد من الوالدين، وعندما تعصف ريح المشاكل بالبيت تهدد بنيانه وتصدع أركانه؛ لأنه مهد الصغار ويجب أن يظل منبع الأمان وأساس الاستقرار المادى والمعنوى الذى ينشئون عليه حتى يتمتعوا بالصحة النفسية السوية والنشأة التربوية السليمة. ولكن عندما يدخل الأطفال رغما عنهم إلى عالم الكبار الملىء بالمشاكل والصراعات؛ فهل من الصواب أن يشاركوا فى حلها أم أن هذه المداخلات تلحق بهم من الأذى النفسى ما لا يمكن تداركه فيما بعد؟. كبار قبل الأوان هند -أم لتوأم- تختلف مع زوجها كثيرا بسبب عصبيته المستمرة، وللأسف كثيرا ما يحدث ذلك فى حضور الصغار الذين يشاهدون الخناقة من أولها إلى آخرها كما تقول، وفى بعض الأحيان يتطوع الطفلان اللذان لم يبلغا العاشرة بالتدخل لفضها بالصراخ والنحيب المستمر حتى ينتبه الأبوان إلى وجودهما فيكفا عن الشجار. بينما تظل لينا -5 سنوات- حزينة ومتوترة والدموع فى عينيها "لو بابا خاصم ماما" وترفض الكلام أو اللعب معه حتى يصالحها كما تحكى والدتها. أما فريد -7 سنوات- فيلجأ إلى الاعتصام فى غرفته والإضراب عن الطعام عندما تحدث خناقة فى البيت حتى يهدأ الجو وتعود الأمور إلى طبيعتها، ولكن يبقى أثرها بداخله من الضيق والخوف من تكرارها فى أى وقت. خلل تربوى يحرص الآباء العقلاء على عدم الشجار والخلاف أمام أطفالهم وتجنيبهم قدر المستطاع رؤيتهم وهم يتشاجرون، كما تؤكد د. منى البصيلى، مستشارة تربوية ونفسية، فضلا عن مشاركتهم فى حل المشكلات أو لجوء أحد الوالدين إلى إشهاد الصغير على أنه ليس المخطئ، فحتى وإن بدا عليه الفهم والاستيعاب لما يحدث إلا أن هذا يعد قمة الخلل التربوى من الوالدين والذى سيفضى إلى خلل نفسى أشد يحدث فى تركيبة الطفل الذى لا يعى شيئا ويجد نفسه فجأة شاهدا على مشاجرة بين أبويه عليه أن يتدخل لفضها، بل مطلوب منه أيضا أن يكون الحكم فيها، وكل منهما يحاول أن يجذب الطفل المسكين إلى جانبه ليقف فى صفه هو. وشددت البصيلى على ضرورة تدارك خطأ مشاركة الصغار فى إنهاء المشاجرات بين الوالدين، ففى حال تدخلهم يجب على الأبوين الاستجابة الفورية لمطالب الصغار بالكف عن الشجار، وألا يعالجوا خطأهم هذا بخطأ أكبر بأن يصرخوا فيهم وينهروهم ويستمروا فى صراعهم، بل من المفروض أيضا أن يثنى الوالدان على محاولة الصغار للإصلاح ويبديا أسفهما وندمهما على تعريضهم لتلك المواقف السلبية. آثار مدمرة إن البيت الذى يعيش فى حالة مستمرة من النكد ورؤية الصغار للمشاجرات المتتالية بين الأبوين له من الآثار السلبية ما لا يمكن حصرها -كما تضيف المستشارة التربوية-فيسيطر عليهم الشعور بالخوف وفقدان الثقة والأمان والتوتر والقلق العصبى والسرحان وعدم النوم، وبعضهم يصاب بالتبول اللاإرادى والمشاكل السلوكية وانخفاض المستوى الدراسى، بالإضافة إلى انفصاله النفسى عن والديه عند بلوغه مرحلة المراهقة وكرهه للوجود فى البيت ولجوئه إلى شلة الأقران. إصلاح الضرر ولتجنب الصغار الآثار السلبية لمشاجرات الوالدين تنصح المستشارة بما يلى: - الحرص على مناقشة الأمور الشائكة التى قد يتولد منها خلاف أو مشكلات بعيدا تماما عن الصغار فيكون فى غرفة مغلقة أو أثناء نوم أو غياب الأطفال عن المنزل. - مهما بلغت ذروة الخلافات بين الأبوين فلا يفترض أن تظهر على السطح، فالكلمة الطيبة والابتسامة الهادئة والتعبيرات الراقية والحب والتسامح بين الوالدين هى ما يجب أن ينشأ عليه الصغار، وإن كانا فى قمة خلافهما. - إذا حدث وشاهد الأطفال المشكلة يجب احتواء الموقف بسرعة وتغيير الجو العام فى البيت بالخروج أو اللعب معهم أو مشاركتهم فى فعل شىء يحبونه، ومن الضرورى عدم الكلام عما حدث من شجار أو إثارة أسباب ما حدث من خلاف. - الإسراع فى إنهاء المشكلة أساس الشجار، فمن الخطأ التسويف واستمرار الخصام بين الأبوين لعدة أيام أو تدخل الأجداد لحل المشكلات، فحتى لو انتهت سيبقى أثرها السيئ عالقا فى نفسية الصغار. - ليس من المعقول أن نترك الصغار يشاركون فى المشاجرات الوالدية بحجة أن هذا تدريب لهم على تحمل تبعات الحياة وتقلباتها فى المستقبل أو لكى يدركوا أن الحياة ليست وردية كما يظنون. فهذا الهراء يعد أقصر الطرق لتدمير الصغار نفسيا وفشلهم فى حياتهم الزوجية فى المستقبل. - من الطبيعى أن تحدث خلافات بين الطفل وأصحابه أو أقاربه أو أقرانه أو حتى أبويه، وقد يتعلم منها ثقافة الاختلاف وضرورة الاعتذار فى حال الخطأ، ولكن الوضع يختلف بالنسبة لمشاجرات الوالدين، فالأبوان هما أصل الاستقرار الأسرى والهدوء النفسى الذى يجب أن يتربى عليه الصغار حتى ينعما بحياة سوية مليئة بالتسامح والحب.