السعودية تطلق خدمة أجير الحج والتأشيرات الموسمية.. اعرف التفاصيل    أسعار اللحوم والأسماك والبيض اليوم 10 يونيو    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. 10 يونيو    استشهاد فلسطينيين برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية    حدث ليلا: فيديو صادم للسنوار.. ومحتجزة سابقة تشعل الغضب ضد نتنياهو    السعودية تستضيف ألف حاج من ذوي شهداء ومصابي غزة بأمر الملك سلمان    فون دير لاين تعرب عن ثقتها من إعادة انتخابها لولاية أخرى    لأول مرة مقاتلات أوكرانية تضرب عمق المناطق الروسية    محمد عبدالمنعم خارج الأهلي مقابل 240 مليون جنيه    توافد طلاب الثانوية العامة على اللجان.. والتفتيش بالعصا الإلكترونية    موعد صلاة عيد الأضحى في الكويت 2024 والساحات المخصصة.. استعدادات مكثفة    شاومينج يتحدى التعليم ويزعم تسريب امتحانات التربية الدينية والوطنية    نجوم الفن يهنئون ياسمين عبدالعزيز لتعاقدها على بطولة مسلسل برمضان 2025    لميس الحديدي: رحلتي لم تكن سهلة بل مليئة بالتحديات خاصة في مجتمع ذكوري    مع فتح لجان امتحانات الثانوية العامة 2024.. دعاء التوتر قبل الامتحان    تعرف على ما يُستحب عند زيارة النبي صلى الله عليه وسلم    الفلسطيني أمير العملة يتوج بذهبية بطولة العالم بلعبة "المواي تاي"    ضياء رشوان: الرئيس السيسي يضع عينيه على المستقبل    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: رئيس «اتصالات النواب» يزف بشرى سارة عن مكالمات التسويق العقاري.. وعمرو أديب عن مدرس الجيولوجيا: «حصل على مليون و200 ألف في ليلة المراجعة»    ترامب يطالب بايدن بالخضوع لاختبارات القدرات العقلية والكشف عن المخدرات    تراجع أسعار النفط لثاني جلسة على التوالي في تعاملات اليوم    تركي آل الشيخ يعلن مفاجأة عن فيلم ولاد رزق ويوجه رسالة لعمرو أديب    واشنطن تدعو مجلس الأمن للتصويت على مشروع قرار يدعم مقترح الهدنة فى غزة    تصفيات مؤهلة لكأس العالم.. جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    الزمالك: شيكابالا أسطورة لنا وهو الأكثر تحقيقًا للبطولات    الكشف على 1346 مواطنا خلال قافلة طبية مجانية بقرية قراقص بالبحيرة    «لا تنخدعوا».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم في مصر (موجة حارة شديدة قادمة)    «كنت مرعوبة».. الفنانة هلا السعيد عن واقعة «سائق أوبر»: «خوفت يتعدي عليا» (خاص)    خالد البلشي: تحسين الوضع المهني للصحفيين ضرورة.. ونحتاج تدخل الدولة لزيادة الأجور    البابا تواضروس يصلي عشية عيد القديس الأنبا أبرآم بديره بالفيوم    رئيس منظمة مكافحة المنشطات: رمضان صبحي لازال يخضع للتحقيق حتى الآن    "ده ولا شيكابالا".. عمرو أديب يعلق على فيديو مراجعة الجيولوجيا: "فين وزارة التعليم"    ضمن فعاليات "سيني جونة في O West".. محمد حفظي يتحدث عن الإنتاج السينمائي المشترك    ضياء رشوان ل قصواء الخلالي: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسُحقنا    دعوة للإفراج عن الصحفيين ومشاركي مظاهرات تأييد فلسطين قبل عيد الأضحى    المنوفية في 10 سنوات.. 30 مليار جنيه استثمارات خلال 2014/2023    هؤلاء غير مستحب لهم صوم يوم عرفة.. الإفتاء توضح    عند الإحرام والطواف والسعي.. 8 سنن في الحج يوضحها علي جمعة    الحكم على طعون شيري هانم وابنتها على حبسهما 5 سنوات.. اليوم    وصفة سحرية للتخلص من الدهون المتراكمة بفروة الرأس    عددهم 10 ملايين، تركيا تفرض حجرًا صحيًا على مناطق بالجنوب بسبب الكلاب    بمساحة 3908 فدان.. محافظ جنوب سيناء يعتمد المخطط التفصيلي للمنطقة الصناعية بأبو زنيمة    عمر جابر يكشف كواليس حديثه مع لاعبي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية    برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في القاهرة والمحافظات (رابط متاح للاستعلام)    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    نقيب الصحفيين: نحتاج زيادة البدل من 20 إلى 25% والقيمة ليست كبيرة    "صحة الشيوخ" توصي بوضع ضوابط وظيفية محددة لخريجي كليات العلوم الصحية    عمر جابر: سنفعل كل ما بوسعنا للتتويج بالدوري    مقتل مزارع على يد ابن عمه بالفيوم بسبب الخلاف على بناء سور    تعرف على فضل مكة المكرمة وسبب تسميتها ب«أم القرى»    اتحاد الكرة يكشف تطورات أزمة مستحقات فيتوريا    القطاع الديني بالشركة المتحدة يوضح المميزات الجديدة لتطبيق "مصر قرآن كريم"    المستشار محمود فوزي: أداء القاهرة الإخبارية مهني والصوت المصري حاضر دائما    عوض تاج الدين: الجينوم المصرى مشروع عملاق يدعمه الرئيس السيسى بشكل كبير    مصر في 24 ساعة| لميس الحديدي: أصيبت بالسرطان منذ 10 سنوات.. وأحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة    لميس الحديدي تكشف تفاصيل تهديدها بالقتل في عهد الإخوان    شعبة الدواجن: حرارة الجو السبب في ارتفاع أسعارها الأيام الماضية    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير النصب التذكاري بالباحور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصام عبد الشافي: الرهان الأول لا بد أن يكون على الثائرين في الشوارع

أكد د. عصام عبد الشافي -أستاذ العلوم السياسية بعدد من الجامعات المصرية- أنه لا ركود أو هدوء على الأرض وأن المؤشرات جميعها في صالح الاستمرار والزخم الثوري، كما أشار إلى أن المؤامرة لشق الصف الثوري واقعية، ومن الغريب أن نظن بعدم وجودها، وألمح كذلك إلى أهم أخطاء مؤيدي الشرعية من وجهة نظره والتي تكمن في عدم التقدير الحقيقي لحجم التحدي من جهة، وما أسماه "الرهانات الخاسرة" من جهة أخرى، في حين أردف أن لدى القوى الثورية ما يجب أن تراهن عليه من داخلها مثل الحراك في الشارع وثورة السجون وثورات المساجد.

وتعرض أيضا الدكتور عصام -وهو صاحب كتاب صدر مؤخرا تحت عنوان: "السياسة الأمريكية
والثورة المصرية"- بالتحليل لمواقف الولايات المتحدة المختلفة ودعمها للانقلاب، كما فنّد مزاعمها في الادعاء بأنها من يقف خلف ثورات الربيع العربي.

وفي الختام أكد "الشافعي" أن مسرحية الانتخابات الهزلية لا يمكنها أن تعطي شرعية للانقلاب؛ لأن الشرعية تأتي من الشعب ومن الشارع، وليس من القوى والأطراف الخارجية التي من المنتظر أن تسارع جميعها بإعلان الاعتراف بالانقلاب.
وهذا نص الحوار:
الوضع السياسي الحالي
•ربما ينظر البعض حاليا إلى الوضع السياسي الحالي في مصر فيظنه مصابا بالركود؛ فهل تراه كذلك،خاصة بعد المسرحية الهزلية لانتخابات رئاسة الدم؟
-الحديث عن وجود هدوء أو ركود أو رضا أو قبول بالوضع القائم؛ كل هذه المسميات غير صحيحة وغير حقيقية ولا تعبر عن الوضع الراهن الحقيقي على الأرض؛ فالأمر لم يعد حراكا ثوريا فقط؛ وإنما باتت هناك رغبة حقيقية في الثأر؛ فهناك الآلاف من الشهداء والمعتقلين، وعشرات الآلاف من الأسر التي دُمر مستقبلها، ومثلهم من الشباب والتيارات التي أضيرت ليس فقط في مبادئها وقيمها، وإنما أيضا في كل ما يمت للحياة بصلة، إنسانيا واجتماعيا وأخلاقيا، وبالتالي كل هؤلاء يشكلون وقودا للثورة.


-عودة الرئيس مرسي مطلب أولي نهائي لا يمكننا التنازل عنه
-ومن المؤشرات والأدلة المهمة على عدم الهدوء أو الركود في الوضع الراهن؛ أننا لو لاحظنا خط الثورة منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو وحتى الآن، فلا أعتقد أننا سنرى تراجعا، بل العكس هو الصحيح، فهناك إضافات كثيرة للمد الثوري، تليها تراجعا في شعبية قائد الانقلاب، كأحد المؤشرات، بدليل كمّ الممارسات الإرهابية والإجرامية التي يمارسها قائد الانقلاب للقضاء على الثورة والثوار في كل مكان، وأيضا يدل على عدم الهدوء أنه لا يمر أسبوع دون وجود مظاهرات ومهما كان حجمها فهي تعبير عن الرفض للانقلاب، وكذلك فالأجهزة الأمنية لا تزال حتى الآن تقوم بحملات انتقامية عشوائية في ربوع المحافظات المختلفة، وأيضا بدليل أن القوى الداعمة للانقلاب، سواء في الداخل أو الخارج قد أفرطت في استخدام كل ما تملكه من موارد لمواجهة مؤيدي الشرعية؛ الذين لم ينكسروا حتى الآن، كذلك فهناك العديد من المبادرات التي تصدر بين الحين والآخر، وهناك إعادة نظر وإعادة تشكيل لعدد من الكيانات السياسية التي يمكن أن تمثل إضافة للمد الثوري، وبالتالي فكل هذه مؤشرات لا يمكن القول في ظل وجودها أن هناك تراجعا في الحالة أو في المد الثوري.

•هل هناك قوى معينة يمكن أن نقول إنها هي من يقود هذا الزخم الثوري أم أن الأمر كله مرهون بالحراك في الشارع؟
-الحراك الثوري في الشارع أحد مؤشرات الثورة، ولكنه لا يعتمد فقط على الحماس وعلي ردود الأفعال للمواقف التي يعيشها الأفراد، وإنما هناك قوى تنظيمية فاعلة، وقائمة في المجتمع من الأساس-قبل الثورة- وتسعى للحفاظ على مبادئها، وهناك تيارات سياسية تشكلت بعد الثورة، ووجدت أن الثورة هي وسيلتها للخلاص من الفساد والاستبداد، كل هذه التيارات وكل هذه الأطراف لا يجب أن نفصل بينها ونقول إن هناك من يفكر أو ينظر وهناك من يتحرك في الشارع، ولكنها منظومة يجمعها هدف واحد وهو دعم الثورة والحفاظ على مبادئها وقيمها، وهنا يجب تأكيد أن مصر لم تشهد في السنوات الأخيرة سوى ثورة واحدة وهي الخامس والعشرين من يناير.

•ولكن ألا ترى أن بعض الثوار بدأ يصيبهم الملل من مدة عشرة أشهر من الحراك المستمر، فهل ترى هذا الوقت في صالح الثورة؟
-هناك في هذا إشكالية كبيرة جدا، وهي أن عمر الثورات بالأساس لا يقاس بالأيام أو الأسابيع أو الأشهر، وإنما بقدرتها على التغيير، وهذه تقاس بالسنوات، ولدينا ربما عشرات النماذج التاريخية التي تؤكد أن الثورات التاريخية الكبرى ومنها على سبيل المثال الثورة الإيرانية، الأمريكية، والثورة الفرنسية، جميعها استغرقت عدة سنوات حتى تحقق لها أهدافها، وفي هذا الإطار نذكر أن هناك فارقا كبيرا بين الأهداف الثورية في المجمل؛ فهناك ما قد يتحقق عبر فترات زمنية سريعة وهذه ترتبط بالألاعيب السياسية، وهذه مداها الزمني في علم الثورات يحتاج ما بين عام إلى خمسة أعوام، أما الإنجازات التي تمثل طفرات اقتصادية فأيضا لها مدى زمني يتراوح ما بين خمس إلى عشر سنوات، أما التغيرات القيمية والثقافية والحضارية والأخلاقية أيضا يمكننا القول إن لها مدى زمني من الممكن أن يتراوح ما بين 15 إلى 25 عاما. المشكلة الكبرى أن الثائرين في الشوارع أمام ما يلاقونه وما يعانون منه من أزمات وتحديات، وما يرونه من ارتقاء شهداء من الأهل والأصدقاء يستكثرون الوقت، ولذا فالأمر يتطلب أن يكون للمفكرين والمثقفين وأصحاب الخبرة دور في ترشيد القرار، وفي ترشيد الحماس، وتثبيت الثائرين، وفي تأكيد أن عمر الثورات لا يقاس بمثل هذه الفترات، وخاصة أننا الآن لا نواجه فقط نظاما سياسيا فاسدا، ولكننا كذلك نواجه نظاما دوليا وإقليميا فاسدا تحركه دولة كبرى مهيمنة على قمة النظام الدولي، وتعبث في المنطقة من خلال عملائها، وعبر نظم إقليمية فاسدة وداعمة لسياساتها في المنطقة، ولا تريد أي تغيير، لأن أي تغيير اقتصادي، سياسي، أو قيمي، من شأنه أن يعرقل خطواتها، وبالتالي يعطل مصالحها، وكل هذا يعني أن التحدي كبير والخطر كبير، ولذا فأعتقد أن الفترة بناء على ذلك ستكون أيضا طويلة، حتى نستطيع أن نكسر كل هذه المنظومة من الفساد.

•وماذا تقصد بترشيد الحماس؟
-بمعنى أن التعرض لأزمات مرحلية أو انتكاسات غير متوقعة، لا يجب أن يفتّ في عضد الثائرين، ومثله أيضا ارتقاء الشهداء لا يجب أن يكون مؤشرا على أنه لا أمل في النجاح، واستمرار النظام الانقلابي في ممارساته وبطشه لا يجب أيضا أن يكون وسيلة من وسائل اليأس أو الإحباط، وكذلك الآلة الإعلامية الفاسدة التي تقف خلف سلطة الانقلاب، وهيمنتها على الساحة الداخلية وأحيانا الخارجية، لا يجب أيضا أن تفت في عضد الثوار. فترشيد الحماس يعني أن كل هذه المؤشرات والممارسات لا يجب التعامل معها على أنها أسباب للشعور بالتراجع أو الإحباط، وإنما تعويد الثائرين على سياسة النفس الطويل، وفهم أننا أمام خصم كبير ليس داخليا فقط وإنما خارجيا أيضا، ولذا لا يجب استنزاف الجهد والطاقات في معارك فرعية، أو قضايا هامشية تشق الصف بدرجة كبيرة، وتسرق الثائر من قضيته الرئيسة وهي إنقاذ الثورة ومواجهة الانقلاب العسكري.
شق الصف والتشكيك في القيادات

•في هذا الإطار نلحظ بالفعل دعاوى كثيرة تتشكك في القيادات وتطالب بتغيير القائمين على الكثير من الحركات؛ فكيف تقرأ هذا، هي هل مؤامرة كما يصفها البعض، أم بالفعل هناك أخطاء يجب تداركها؟
-الاحتمالان قائمان، ولديّ في هذا الإطار مقولة أرددها، وهي أن هناك شعرة دقيقة تفصل بين المؤامرة والغباء السياسي؛ فالمؤامرة هي تلك التي لا نعلم أبعادها ولا أطرافها أو سياساتها وأدواتها، أما إذا كنا نعلم كل هذا ولا نتعامل معه بفاعلية فهنا يكون غباء سياسي صدر منا نحن بحق التعامل مع ما نعلم. أما التفتيت وشق الصف، فهذه سياسات تقليدية متعارف عليها في كل النماذج والخبرات التاريخية فأي نظام سياسي يواجه تحديا من أية قوى يسعى دائما لاختراقها ونشر الفتن فيما بين أعضائها، يسعى دائما لتشتيت قواها وتمزيق قدراتها، وهذا أمر ليس بجديد فكافة القوى والتنظيمات وأعتاها قوة عبر التاريخ نجد الأجهزة الأمنية والمخابراتية تخترقها.

•ومن ناحية الأخطاء ما هي من وجهة نظرك الأخطاء التي قامت بها القوى المناهضة للانقلاب في الفترة الماضية؟
-من جانبي أرى أن التحدي الأكبر منذ الانقلاب وحتى الآن هو عدم الإدراك الحقيقي لحجم التحدي الذي نواجهه؛ فلا تزال بعض السياسيات في بعض التحركات على الأرض تلتزم بنفس إجراءات ما قبل الانقلاب وكأننا نعيش فقط في مواجهة نظام مبارك وآلياته؛ الأمر الثاني أننا لا نتبنى دائما فلسفة التقييم الذاتي، وإذا قمنا بعملية التقييم الذاتي لممارستنا في الأغلب نحاول تجنب اللوم أو تجنب بيان السلبيات في الممارسة، وإذا كشفنا عن تلك السلبيات لا نبذل جهدا في مواجهتها والتغلب عليها. كذلك فمعظم المواجهين أو المعارضين للانقلاب العسكري يتعاملون بدرجة كبيرة بمنطق رد الفعل وليس ممارسة الفعل، بمعنى أننا ننتظر ما يقوم به من جرائم أو ممارسات ثم نهاجم، وهذا غير صحيح وغير واقعي، فهذه سلطة انقلابية سعت لتدمير شرعية ثورية تم بناؤها بعد 25 من يناير، ولذا فيجب علينا نحن المعارضين للانقلاب أن تكون لدينا خطواتنا الاستباقية وليس رد الفعل. أيضا في باب القصور لدى مؤيدي الشرعية يقع الاستغراق في القضايا الفرعية والتفصيلية وتدمير جزء كبير جدا من الوقت والجهد في الرد والدخول في قضايا فرعية مع عدد من الشخصيات أو الأمور التي لا قيمة لها، وأيضا من القصور ما يمكن أن أسميه "الرهانات الخاسرة"، ومنها مثلا في مرحلة من المراحل على فكرة حدوث انقسام في الجيش، أو الرهان في فترة أخرى على اغتيال أو وفاة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، أو الرهان كذلك على تراجع الدعم الإقليمي أو الدولي لقادة الانقلاب، أو على أنه مع طول الفترة ستتفتت القدرات الاقتصادية لقائد الانقلاب ومؤسسته العسكرية وستتعرض للإنهاك.

-شرعية الانقلاب لن تتحقق بمسرحية الانتخابات الهزلية حتى لو سارعت الدول للاعتراف به
وللأسف فهذه الرهانات الخاسرة جميعها لا يمكنها إسقاط الانقلاب، وكما قلت من قبل إن عددا من القوى الإقليمية لن تتردد لحظة في تقديم مئات المليارات للانقلاب العسكري في مصر لإنجاحه في مواجهة التيارات السياسية ذات المرجعية الإسلامية في المنطقة العربية كلها، وبالتحديد جماعة الإخوان المسلمين، لأنهم يعتبرون أن في نجاح تجربة الإخوان المسلمين في مصر تهديدا لكل النظم السياسية القائمة في المنطقة، وبالتالي فلا أعتقد أنهم يمكنهم التراجع عن دعم هذا الانقلاب أو تحجيم دعمه المالي أو العسكري، والدليل أن هذه الدول إذا كانت قد أنفقت عام 1990 نحو 600 مليار دولار لإسقاط وتدمير جيش العراق، ثم أنفقت في 2003 نفس المبلغ وأكثر للقضاء على صدام حسين، كما أن هذه الدول نفسها قد دفعت ما يقرب من تريليون دولار لإنقاذ الولايات المتحدة من أزمتها الاقتصادية عام 2008، كل هذا يعني أن هذه الدول لا يمكنها أن تستكثر مائة أو مائتين أو حتى خمسمائة مليار؛ للتخلص من تنظيم الإخوان ليس في مصر فقط وإنما في المنطقة العربية، وبالتالي فإن مؤيدي الشرعية يجب أن يفطنوا وبشدة إلى فكرة "الرهانات الخاسرة"؛ وإذا كان يجب أن نراهن وأن نفكر في كيف يمكن تفتيت قدرات الانقلاب ومؤشرات النجاح في ذلك، فلا يجب أن نظل متشبثين بفكرة ضعف الخصم، ولكن نراهن على ما نمتلكه نحن من قدرات وإمكانات.

-وما تلك القدرات والإمكانات لدينا التي يجب أن نراهن عليها؟
•أولها هذا الحراك الشعبي الكثيف والثائر، ثانيا الحراك الطلابي، ثالثا ما يمكن أن نسميه بانتفاضة أو ثورة السجون وثورة المعتقلين خلف القضبان، رابعا ثورة المساجد، فإذا كان قادة الانقلاب قد دمروا هذا العام الجامعي رغبة في إخلاء الجامعات والمدن الجامعية؛ فإن المساجد لا يمكن أن تخلي، ويمكن استثمارها في حراك ثوري حاشد خاصة يوم الجمعة؛ خاصة بعد التصريحات الفجّة والممارسات الخطيرة لقائد الانقلاب التي من شأنها أن تقود هذه الدولة والمجتمع إلى كارثة التفتيت والتدمير، إن لم يكن حالا أو عاجلا، فآجلا..

تجمع القوى الثورية
-إذا انتقلنا إلى ذكر التحركات السياسية مثل "مبادئ بروكسل" وغيره والتي تهدف إلى تأليف القوى الثورية؛ فهل بنظرك هناك فرصة الآن لتجتمع القوى التي لم تجتمع ثانية منذ ثورة يناير وإلى الآن؟
-نعم هناك فرصة لهذا الأمر، ولكنها لا تتوقف على مؤيدي أو رافضي مبادئ بروكسل، لأني أنظر إلى تلك الوثيقة وما يتم في إطارها من تحركات على أنه أحد أشكال الحراك السياسي في مواجهة الانقلاب، وليست بالطبع الشكل الوحيد ولن تكون، وليست التنظيم السياسي الوحيد ولن يكون، وليست أيضا المبادرة الوحيدة ولن تكون، ولكن ما يجب أن يكون هناك تنسيق استراتيجي وسياسي بين من يقفون أو يؤيدون وثيقة بروكسل من جهة، وبين تحالف دعم الشرعية من جهة أخرى ومعه كافة الحركات والقوى والثورية، فلا يجب أن ينظر البعض إلى تلك المبادرات التي تصدر بين الحين والآخر على أنها صراعية أو تنافسية إذا كان هدف الجميع واحد وهو إسقاط الانقلاب، ولذا يجب أن تسير كل تلك التحركات في أطر متوازية وفي إطار من التنسيق والتخطيط والرؤية المشتركة. وبخلاف ذلك فإني أرى أنه من الممكن أن تنقلب كل المبادرات لأدوات تفتيت للشق الثوري.

* وكيف بنظرك من الممكن أن تتفق قوى هي من الأساس مختلفة أيديولوجيا؟
- في الحقيقة لا أجدني أقف كثيرا عند تلك الاختلافات الأيديولوجية؛ لأن الثورة عندما قامت في 25 يناير وحتى 11 فبراير 2011 لم تكن حكرا على فصيل دون آخر، ولكنها قدمت نموذجا حضاريا فريدا لتوحيد قوى الأمة وتياراتها الفكرية والسياسية، وبالتالي فما يجب أن نعمل على إحيائه هو روح 25 يناير وما قدمته من نموذج للتوحد السياسي والفكري؛ لأن الخطر واحد، ولأن التحدي واحد، ولأن التفرق والتشرذم والصراعات السياسية لن يستفيد منها سوى قادة الانقلاب العسكري.

* ولكن الواقع يقول إن القوى الليبرالية والعلمانية قد فاجأت الجميع بالوقوف لجانب الانقلاب العسكري وتدعيمه بشكل أكد الجميع جدته على الواقع السياسي، وهو أن تأتي قوى ليبرالية بالعسكر إلى سدة الحكم لا لسبب إلا لمعاداتهم للفكرة الإسلامية؟
- لا ليست تجربة جديدة، فقد تكررت من قبل في أفغانستان، والعراق، بل ويتم محاولة تكرارها الآن في ليبيا والسودان، فمعظم من يتحدثون عن الليبرالية والديمقراطية صنعتهم الولايات المتحدة الأمريكية، وغرزتهم في المنطقة، وبالتالي هذه القوى السياسية في الحالة المصرية، وجدت أن وصول تيار أو تنظيم بحجم الإخوان المسلمين يمكن أن يؤدي إلى السيطرة الكاملة على المشهد السياسي، وبالتالي لا فرصة لها في أية انتخابات مستقبلية في أن تحقق أغلبية أو أن تصل إلى الحكم، أو تدافع عن مصالح أو مكاسب؛ وبالتالي جاء دعمها للانقلاب العسكري حفاظا على مصالحها السياسية بالدرجة الأولى، وحفاظا على المكاسب التي حققتها في ظل مبارك عبر رجال أعمال أو مؤسسات إعلامية أو مراكز بحثية أو غيرها.

ولذا فالأمر الحالي الذي يجب الالتفات إليه هو التنبه إلى أن بعض هذه الجماعات على الأقل من الممكن أن ينضم إلى الصف الثوري بعد أدرك بالفعل خطأ ما خُطط له وما استدرج للمشاركة فيه في 30 يونيو أو 3 يوليو 2013 بعد أن تيقن من حقيقة موقف العسكر، من النظام السياسي ومن طبيعة الحكم، وبعد أن رأوا أن العسكر ممكن أن يكونوا أشد سوءا وأكثر بطشا في مواجهة كافة التيارات السياسية، وأن العسكر يمكن أن يدمر كل ما حققته هذه القوى من أية إنجازات. ولكن هذا لا يمنع من الحذر الشديد والحيطة والدراسة والتمحيص، إبان دراسة المواقف الجديدة من قبل تلك القوى الراغبة الآن في الانضمام للصف الثوري، ولا يعني هذا أن نتوقف عند تلك الدراسة كثيرا، ولكن يكفينا أن نكون متأكدين من طبيعة الجهات التي تصدر البيانات الجديدة وأهدافها الحقيقية ومن يقف خلفها. وهذا لا يعني التعامل معها ابتداء تشكيكا أو تهميشا؛ لأننا في مرحلة حرجة تحتاج إلى توحيد كل القوى الرافضة للانقلاب العسكري مهما كانت توجهاتها السياسية.

•وما الذي تخشى منه؟
-لا أقول فقط أني أخشى التخلخل الأمني داخل مؤيدي الشرعية، ولكن من الممكن أيضا أن تكون هناك محاولات للالتفاف، أو تمييع بعض القضايا، أو تغيير بعض المبادئ، أو القفز على بعض المطالب التي تعبر عن رغبات أساسية للقواعد الثورية في الشوارع والجامعات.

•وبناء على ذكر تلك المخاوف، فما الثوابت التي لا يجب على مؤيدي الشرعية التنازل عنها؟
-رقم واحد هو عودة الرئيس الدكتور محمد مرسي، وهو حسما وقولا واحدا، وهذا يجب أن يكون مبدأ غير قابل للتنازل، بأي شكل من الأشكال، وذلك ليس في شخص الدكتور مرسي، وإنما في رمزية المكانة والمنصب، ودلالة الموقف، لأن الدكتور محمد مرسي كرمز يعبر عن طبيعة مرحلة وعن إنجاز ثوري، وأي تراجع عنه يعتبر تراجعا عن مبادئ الثورة، ولذا فمن وجهة نطري؛ ما لا يجب أن يكون محل أي نقاش أو تفاوض هو عودة الرئيس مرسي ويعلن تسلمه لمنصبه من جديد وإسقاط كل ما ترتب على الانقلاب من آثار أو ممارسات أيا كان نوعها تشريعية، سياسية، قضائية أو اقتصادية، خاصة أن من خرجوا ومن استشهدوا ومن اعتقلوا ومن دمرت مقدراتهم ومن انتهكت حرماتهم لا أعتقد أنه يمكنهم التنازل عن هذا المبدأ، أما المرونة فتكون بعد عودة الدكتور مرسي ولو ليوم واحد فقط، فقد يقبل أن يعلن بشخصه تفويضه لبعض صلاحياته أو تنازله عن كامل صلاحياته لطرف أو مجلس أو أي كيان آخر، ولكن يجب أن يعود أولا، وفيما دون ذلك يمكن أن نتناقش فيه، فمثلا دستور 2012 كانت فيه بعض المواد محلا للخلاف، وكان هناك شبه اتفاق بين كافة القوى على إعادة النظر في تلك المواد مع أول انتخابات برلمانية. وهكذا يمكننا النقاش في الكثير من الأمور.

•وماذا عن التطهير والقصاص والمحاكمات الثورية، ألا تعد تلك الأمور من الثوابت أيضا؟
-بمجرد عودة الرئيس مرسي، وإعلانه بطلان حالة الانقلاب؛ فهذا وإن يعني بداية تصحيح للمرحلة، لكنه ليس نهاية المطاف، لأن استكمال التصحيح يتطلب عشرات الآليات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والقضائية؛ لتطهير كل مؤسسات الدولة دون استثناء.
•بماذا تفسر ظهور مشاركات باسم المؤسسة العسكرية المصرية في ممارسات غير وطنية في ليبيا أو السودان، لماذا تظهر تلك المشاركات الآن ولمصلحة من يفعل هذا؟
-نحن أمام شبكة، أمام نظام استبدادي قمعي جاء على غير إرادة الشق الكبير من المجتمع، وجاء على حساب نظام شرعي منتخب، وعلي حساب مبادئ ثورية تم انتهاكها، وهذا النظام متورط في العديد من القضايا وعليه العشرات من التحفظات، ولا يمكن القبول به دوليا أو إقليميا من جانب المؤسسات والمنظمات التي تحترم مبادئها-إذا كانت هناك من الأساس منظمات تحترم مبادئها- ولا يمكنه أمام ذلك سوى تقديم المزيد من التنازلات؛ فقد ارتضي لنفسه أن يكون عميلا، أو مأجورا أو مرتزقا لأطراف أخري خارجية، ومشاركاته تلك في السودان أو ليبيا أو في مواجهة حماس ما هي إلا لتقديم فروض الولاء والطاعة.

•ولمن يقدم هذا الولاء والطاعة؟
-للولايات المتحدة الأمريكية وفقط، لأنها المحرك الرئيس لكل كوارث المنطقة، ولكل النظم السياسية الفاسدة في المنطقة.

تحليل تدخل أمريكا في المنطقة
•في هذا الإطار وأنت تحلل القوى الفاعلة في الأحداث وبذكر أمريكا بالذات، هل النظريات التي قرأنا عنها ووضعتها أمريكا عن شرق أوسط كبير أو جديد، هل هذا ما يتم تنفيذه ونحن لسنا أكثر من عرائس "ماريونيت" فقط؟
-نعم هذه حقيقة، فالولايات المتحدة كان بداية تواجدها بشكل فعلي، في المنطقة العربية منذ عام 1945، ومنذ ذلك الحين وهي تتبنى سياسة "الحلول" أي أن تحل أمريكا محل بريطانيا التي كانت صاحبة إمبراطورية استعمارية في المنطقة، وفي مرحلة الخمسينيات واجهت الولايات المتحدة المد القومي في عصر عبد الناصر ودعمه للحركات الثورية في المنطقة العربية، وفي الستينيات استمرت هذه المواجهة،(وهنا نضع مرحلة عبد الناصر بين قوسين لأنه لا مجال لمناقشتها)، وفي السبعينيات اعتمدت أمريكا على سياسة "استراتيجية الركيزتين"؛ بمعنى الاعتماد على كل من نظام شاه إيران من جهة، والنظام السياسي في المملكة العربية السعودية، كشرطيين لها في المنطقة العربية،-وفيما يقال إنه "الشرق الأوسط" -لأن لدي تحفظات على هذه المصطلح- ثم اعتمدت على سياسة بناء الأحلاف العسكرية، لترسيخ تدخلاتها في المنطقة. فالأحلاف والقواعد وخلق النظم السياسية الحليفة، كان ذلك بدرجة كبيرة منذ 1945 وحتى عام 1991 وسائل لمواجهة الاتحاد السوفيتي والحيلولة دون انتشار فكره في المنطقة العربية، ومع سقوط الاتحاد السوفيتي ظهرت العديد من التيارات الفكرية والنظريات السياسية داخل الولايات المتحدة تتحدث عما أسموه "الخطر الأخضر"؛ أو فكرة البحث عن عدو جديد بعد انهيار الخطر الأحمر، وجاءت تفسيرات الخطر الأخضر في إطار نظريات صراع الحضارات على اعتبار أنه الإسلام والحركات الإسلامية؛ وبالتالي تم تقسيم خطة المواجهة على عدة مراحل أولها القضاء على الحركات الإسلامية التي تنتهج العنف أو تستخدمه..(بعيدا أيضا عن التقييم الآن لتلك الجماعات).

-رغم الترحيب بكافة مبادرات توحيد القوى الثورية إلا أنه يجب الحذر والحيطة الشديدة
وفي هذا الإطار حاولت الولايات المتحدة أن تصنع فزاعة كبرى حول تنظيم القاعدة، ومن ثم عملت على القضاء عليه في كل من السعودية وإفريقيا -في تنزانيا وكينيا على وجه التحديد- ثم أخيرا في أفغانستان عام 2001، وبعد هذه المرحلة بدأ التخطيط منذ عام 2002 ثم 2004 فيما أسموه "مبادرة إصلاح الشرق الأوسط الكبير"، التي جاءت برعاية أمريكية وصدرت عن مجموعة الثماني الاقتصادية الكبرى، وكان الهدف الرئيس منها هو احتواء أو مواجهة التيارات السياسية ذات المرجعية الإسلامية والتي يغلب عليها الاعتدال، ومن هنا جاء تأكيد أن بعض التيارات السلفية وبعض التيارات الصوفية هي التي من الممكن السيطرة عليهم، أما ما وجدوا أنه عصي على الاحتواء كان مثل جماعة الإخوان المسلمين. ومن هنا تم التمييز بين عدة مستويات، تيارات يمكن احتواؤها وأخرى لا بد من مواجهتها عبر آليات مختلفة؛ وبالتالي لا يمكن الفصل بين ما يحدث الآن في عدد كبير من الدول العربية وما خططت له الولايات المتحدة الأمريكية.

•هنا لا مفر من العروج على السؤال الشائع؛ هل فاجأت ثورات الربيع العربي مخططات الولايات المتحدة الأمريكية، أم مثلما يحلو للبعض تصويره بأن أمريكا هي التي صنعت تلك الثورات؟
-هذه إشكالية كبرى، والقول بأن الولايات المتحدة هي صانعة هذه الثورات ليس صحيحا على إطلاقه، وإذا كان لها دور فهو ليس الدور الرئيس؛ لأنه في إطار تحليل وتفسير الظواهر السياسية -والثورة من بينها- لا يمكن ربطها بعامل واحد، ولكن الولايات المتحدة في إطار ما تملكه من "سياسات الفوضى الخلاقة"، ودعمها لحراك المجتمعات المدنية، ودعم الحراك السياسي لبعض التيارات، قد خلقت بالطبع بعض الوعي في المجتمعات العربية، لكنه بالطبع ليس العامل الرئيس في هذه الثورات، وعلى مستوى آخر فإذا كانت الولايات المتحدة كما تدعي قد خططت لمثل هذا الحراك فإنها لم تكن تنتظر ثورات تطيح بحلفائها الاستراتيجيين في المنطقة العربية، وخاصة نظام مبارك والذي كانت تعتبره ركيزة استراتيجية مهمة لمصالحها في المنطقة. فقد كان كل ما تسعى إليه هو أن تُشعر مبارك بنوع من القلق والخوف على مصالحه وعلى استقرار نظامه، وأنه يجب عليه إدخال بعض الإصلاحات لاحتواء الأجيال الجديدة، ولاحتواء مطالب بعض التيارات أو الفئات. ولكنها ما كان لها أن تضحي بهذا الحليف لولا قدرة الثورة المصرية على الحشد والاستمرار بهذه الأعداد، وهنا تجدر الإشارة إلى أن من اجتمعوا في بداية ثورة يناير لم تكن أهدافهم ثورية في الأساس؛ وإنما كانت مطالبهم في الأساس إصلاحية، وليست إسقاط النظام، ولكن مع استمرار الحشود وقدرتها على التعبئة وتوحد مطالبها؛ أجبرت هذه الحشود الولايات المتحدة على تغيير سياساتها والقبول برحيل مبارك. ولكن للأسف الشديد ما لم يدركه الثائرون أن أمريكا ما كانت تقبل بهذا الانهيار السريع لأهم حليف لها في المنطقة؛ وأنها بذلت من السياسات بعد ذلك ما يضمن لها احتواء الثائرين والانقلاب على الثورة.

•لكي لا نترك تلك النقطة دون إيضاح؛ فإذا كان دور أمريكا في الثورة هو ما فعلته من قبل في إثارة الوعي وصناعة مجتمع مدني، فهل كان من أهداف الولايات المتحدة أن تعظم وعي المواطن العربي؟
-الولايات المتحدة قوة كبرى؛ أي أنه في الوقت الذي تزرع فيه لحلفائها بذور الاستقرار والاستمرار فإنها في الوقت نفسه تعمل على زرع بذور عدم الاستقرار وخلق مناطق توتر لتلك النظم، حتى تضمن من قبلهم الولاء ومد يد الحاجة إليها؛ ولكنها لم تكن تتخيل أن الوعي من الممكن أن يصنع كافة تلك الحشود وأن تكون بهذه القدرة وهذا الانتشار.

-ولكن الوعي من الممكن أن تكون صنعته قوى أخرى كثيرة تعمل في المجتمع وخاصة القوى الإسلامية؟
-الحديث عن أمريكا هو من باب تحليل ما تدعيه من إثارتها للوعي، واعتمادها على تكنولوجيتها الحديثة، وأدوات التواصل الاجتماعي؛ لكن بالطبع الوعي السياسي والفكري لا يرتبط بالولايات المتحدة بالمرتبة الرئيسة؛ وإنما يرتبط أيضا بعشرات التنظيمات التي تعمل في المجتمع المصري منذ عشرات السنوات. وفي هذا لا يمكن إغفال بأي حال من الأحوال الدور الذي قامت به جماعة الإخوان المسلمين من عام 1928 وحتى الآن، وكذلك لا يمكن إغفال الرصيد الذي تمتلكه التيارات اليسارية والقومية في المجتمع المصري، وإن كانت الثورة للأسف الشديد قد كشفت عن زيف الكثير من تلك المبادئ والقيم التي كانوا يدعون أنهم يؤمنون بها. وبالتالي فعملية الوعي لا يمكن ربطها في دولة بحجم مصر بمتغير واحد أيا ما كان.

القضية الفلسطينية والتأثر بالانقلاب
•ما التأثير المباشر للانقلاب في مصر على ملف القضية الفلسطينية وما نراه حاليا من المسارعة
مثلا في ملفات مثل تهويد القدس أو الاعتداء على المسجد الأقصى أو تطويق حركة حماس؟
-الحقيقة أن الحديث عن القضية الفلسطينية لا يجب أن نبدأ فيه منذ الانقلاب العسكري، ولكن منذ 1947 والولايات المتحدة هي الطرف الرئيس في تلك القضية، ومنذ ذلك الحين وكل الأنظمة السياسية العربية تتعامل مع هذه القضية ليس من باب محاولة مواجهة "إسرائيل" وإنما من باب التكيف معها، باعتبارها رأس حربة في السياسات الأمريكية الكبرى؛ وبالتالي لم تتبن هذه النظم سياسيات من شأنها القضاء على "إسرائيل" أو استعادة الحق المشروع للفلسطينيين؛ ولكن الفترة الوحيدة التي اعتبرت مفصلية في مسار القضية الفلسطينية هي العام الأول من حكم الرئيس مرسي؛ فقد شكل هذا العام الخطر الأكبر على الكيان "الإسرائيلي" وعلى السياسات الأمريكية الداعمة لها في المنطقة العربية، حيث أصبح هناك نظام سياسي شرعي يكتسب دعمه من أرضية شعبية وليس من الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فهذا النظام لن يراعي المطالب أو الأوامر الأمريكية، ولن يراعي الغرور والعنجهية والتسلط "الإسرائيلي"، وهذا ما برز واضحا وبقوة في أزمة غزة في نوفمبر 2012، وكيف أدار الرئيس مرسي هذه الأزمة بشكل أبرز قوة حماس، وهنا بات لديهم الخطر الأكبر هو استمرار هذا النظام والذي يمكن أن يكون في حال نجاحه واستمراره واستقراره أن يؤدي إلى تهديد الوجود "الإسرائيلي" كله.

-ولكن البعض كان يتهم الرئيس مرسي في أنه لم يتخذ إجراءات أكثر حسما مع ملف اتفاقية السلام؟
-هناك أمور واضحة وثابتة في العلاقات الخارجية الدولية، وهي أن النظام الثوري الذي جاء بعد ثورة شعبية لا يجب أن يكون تصادميا مع كل الأطراف الإقليمية والدولية، بمعني أنه لا يجب أن يخلق حالة من العداء أو الاستعداء لكل الأطراف التي يمكن أن تؤدي إلى تدمير الثورة، وفي العام الأول من حكم الرئيس مرسي كان هناك عدد من المستويات في التعامل مع السياسة الخارجية؛ من بينها أن هناك ملفات شديدة الحساسية والخطورة؛ يجب التعامل معه بدرجة كبيرة من الحرص والحذر؛ في مقدمتها الموقف من "إسرائيل" والعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بمعنى أن محاولة استعداء هذين الطرفين سيؤدي بدرجة كبيرة جدا إلى تسريع عملية الانقلاب، لأن هناك انقلابا كان أمره متوقعا لا محالة؛ بمعنى أن الولايات المتحدة لم تكن لتسكت على النظام السياسي في مصر؛ ولكن ما كان يجب في العام الأول من حكم الرئيس مرسي أن يتبنى سياسات تصادمية مع أمريكا حفاظا على ما تحقق من مكتسبات الثورة.

-لماذا، ما الذي كان سيضر الثورة في تلك المواجهة مع أمريكا؟
-الولايات المتحدة لديها العشرات من الأطراف التي تستفيد من الدعم والتمويل الأمريكي في الداخل المصري، وتتحكم بنسبة لا تقل عن 90% في المؤسسة العسكرية المصرية، وكذلك ترتبط بشبكة شديدة القوى من رجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية في مصر، أيضا الولايات المتحدة تتحكم بشكل كبير في الآلة الإعلامية المصرية سواء من خلال الصحف التي أشرفت على تمويلها أو من خلال القنوات الفضائية التي تشارك في تمويلها وتوجيهها، أما عن الخارج فأمريكا تتحكم في توجيه وتسيير معظم النظم السياسية في المنطقة، وكل هذا يعني أن الولايات المتحدة تملك عن طريق استخدام أدواتها في الداخل والخارج أن تخنق الثورة المصرية وتقضي عليها وهي ما زالت في بدايتها، ومن هنا كانت السياسات التي اعتمد عليها الرئيس مرسي في عامه الأول، هي محاولة تجنب الصدام المباشر مع هذه الأطراف. خاصة أنه كانت هناك قضايا أخرى داخلية أهم كان يحاول الاهتمام بها والسير فيها بخطى كبيرة، وللأسف فهذا لم يتحقق سواء لبعض أخطاء في الممارسة من جانب الرئيس مرسي أو من جانب حزب الحرية والعدالة أو من جانب التيارات السياسية الثورية المصرية الأخرى بدرجة كبيرة. (وهنا لم يكن مجال لمناقشة تلك الأخطاء من وجهة نظره فنضعها بين قوسين).

-بالعودة إلى القضية الفلسطينية وتأثرها بالانقلاب؟
-الحقيقة أن أمن "إسرائيل" هو القضية الاستراتيجية رقم واحد للولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فقد قامت أمريكا بدعم الانقلاب العسكري لأنها وجدت المؤسسة العسكرية خير ضامن لأمن "إسرائيل" في المنطقة، ووجدت نفس الشيء في شخص قائد الانقلاب؛ وهذا الأمن هو بالدرجة الأولى على حساب المقاومة الفلسطينية، وعلى حساب الحقوق الفلسطينية الكبري سواء في عودة اللاجئين أو المسجد الأقصى، أو غيرها من القضايا الكبرى في هذا الإطار، والشاهد والدليل على ذلك أنه في الوقت الذي قامت فيه الولايات المتحدة بتعليق جانب من مساعدتها العسكرية لمصر، لم تقترب بأي درجة من الدرجات لما أسمته "المساعدات العسكرية المعنية بمواجهة الإرهاب في سيناء"؛ ولم تتوقف عن التنسيق والتعاون الأمني والخططي، والتدريبي والتوجيهي للعسكر في عملياتهم في شبه جزيرة سيناء. وكل ذلك بالطبع لما لذلك من دور في تعزيز أمن "إسرائيل" وهو ما تعززه كل البيانات والتصريحات الصادرة من هناك والتي ترحب بقائد الانقلاب وسياساته. ويوجد في هذا الإطار العديد من الشواهد مثل استخدام الطائرات "الأباتشي" في قذف سيناء، وتدمير العشرات من الأنفاق، وإحكام الحصار على غزة برعاية قادة الانقلاب وجميعها من الشواهد والأدلة على التأثير على القضية الفلسطينية.

رئاسة الدم
•بذكر "رئاسة الدم"؛ هل بنظرك هناك تسليط إعلامي على تلك المسرحية الهزلية لإلهاء الثوار عن حكومة "محلب" وما تفعله في البلاد؟
-في الحقيقة أن "محلب" هذا معروف من هو وحجم الفساد الذي مارسته "المقاولون العرب" في عهده، وحجم الفساد الذي قام به في دعم نظام مبارك، وبالتالي فحكومته تلك ما جاءت إلا من أجل ترسيخ وتعزيز سياسات الانقلاب في الشارع المصري. كما أنها حكومة -"انقلابية طبعا"- تعتمد بنسبة 99% إن لم يكن أكثر على المليارات التي تضخها الدول الداعمة للانقلاب بين الحين والآخر، دون محاولة لتقديم أي مخطط يدعم مطالب المواطنين خاصة الفقراء منهم. بل إنها تغالي في التخويف وسياسات البطش والقهر الأمني وتستخدم المؤسسات القضائية والإعلامية بشكل انتقامي وبالتالي لا مجال لديها للالتفات لأي شيء آخر بخلاف ترسيخ صورة النظام.

•هل تظن أن الانقلاب سينجح فعلا على المستوي الدولي في "شرعنة" نفسه عبر تلك المسرحية الهزلية، خاصة بعد أن أعلنت جهات كالاتحاد الأوروبي أو الإفريقي المشاركة في الإشراف على تلك الانتخابات المزعومة؟
-هذا ما كنت أسميه منذ قليل ب"الرهانات الخاسرة"، فكيف ننتظر عدم اعتراف من دول في الأساس تدعم انقلابا عسكريا، فالاتحاد الأوروبي ما هو إلا تابع وحليف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، كما أن الأخيرة تتحكم بنسبة كبيرة تقترب ما بين 70 إلى 80% في الاتحاد الإفريقي ودوله ومؤسساته، فكيف ننتظر أن تتغير سياسات أو توجهات هذه الدول من انقلاب عسكري شاركت في صنعه؛ وإذا كان البعض سيقول إن الاتحاد الإفريقي قد اتخذ قرارا بتعليق عضوية مصر وبعض أنشطتها حتى تلتزم بخارطة الطريق ويكون هناك دستور وانتخابات، فهذا لأن هذا الاتحاد عندما تأسس، فهو يتعامل مع قضية الانقلابات العسكرية على أنها أمر روتيني في القارة الإفريقية لا بد أن يتعامل معها بشكل حازم وحاسم، ولكن هذا الاتحاد في الأساس أوامره تصدر في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة أن مقره يقع في "إثيوبيا" والتي هي حليف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، كما أن القوى الفاعلة فيه والتي تُحرك سياساته ما بين "إثيوبيا، الجزائر، نيجيريا، وجنوب إفريقيا.." فأكثرها قوى ترتبط بشراكة أو بتحالف مع أمريكا. وعليه فالرهان على أن هذه الاتحادات يمكنها أن تعطي شرعية للانقلاب؛ هذا من وجهة نظري لا قيمة له على الإطلاق، وإنما الشارع والحراك الثوري، هو الذي يعطي الشرعية أو يمنعها. ولا ننتظر شرعية يحصل عليها نظام سياسي انقلابي من أطراف خارجية، فالشرعية تكتسب بالدرجة الأولى من رضا المواطنين عليها، ومن رضا وقبول مختلف التيارات السياسية. وأعتقد أن هذا القبول لن يتحقق في ظل وجود على الأقل أكثر نصف هذا الشعب رافض للانقلاب وممارساته ويمارس ضده ثورة شعبية عظيمة.

•وهل في هذا الإطار نستطيع أن نقول إن درجة القبول الدولي للثورة والشرعية في مصري يكاد يكون نادرا؟-هنا لا بد أن يكون تأكيدنا على أن الرهان الأول لا بد أن يكون على إرادة الشعب، وليس على الأطراف الفاعلة في الخارج، وفي إطار الرهان على إرادة الشعب، يكون الرهان الأكبر على إرادة الشباب الثائر في الميادين، وإذا كانت أي ثورة بعد ذلك تحتاج إلى تأييد سياسي في الخارج؛ فهناك بالفعل بعض الأطراف يمكن التعويل عليها في مواجهة الانقلاب العسكري، فلدينا مثلا تركيا، قطر، جنوب إفريقيا -كدولة وليس كاتحاد إفريقي- تونس، ماليزيا، إندونسيا- وللأسف نتجاهل هاتين الدولتين كثيرا- والبرازيل. وهذه القوى يمكن أن تشكل وسائل لتحقيق دعم سياسي خارجي لمؤيدي الشرعية، ولكن ما يجب التأكيد عليه أنه لا يجب الرهان على أي عامل خارجي أو طرف دولي أو إقليمي لإنجاح الثورة في مصر، وإنما كما قلنا الرهان يكون على الثورة في الشارع وفي القلب منها ثورة الشباب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.