يعكس تصريح رئيس الحكومة الإماراتية محمد بن راشد أل مكتوم – حاكم دبي – والذى أعرب فيه عن رغبته فى ألا يترشح قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي – وزير الدفاع- فى انتخابات الرئاسة وأن يظل فى منصبه كوزير للدفاع وأن يترشح للمنصب شخص أخر غيره، الوضع الذي ألت إليه مصر فى ظل الانقلاب العسكري من تبعية ومهانة غير مسبوقة. فقد أصبح رئيس حكومة الإمارات هو الحاكم بأمره فى مصر يُملى إرادته على المصريين فيحدد مَن يترشح للرئاسة ومن يبقى فى منصبه فى الوقت الذى يلتزم فيه الانقلابيين الصمت ولا يوجد منهم من يراجعه أو يستنكر تدخله السافر فى الشأن الداخلي بعدما كُسرت أعينهم وسلبت إرادتهم بمليارات الإمارات المتدفقة منذ بداية الانقلاب وحتى الآن المثير للدهشة أن دولة الإمارات سبق وأن استدعت سفيرها بتونس احتجاجًا على دعوة الرئيس التونسي المنصف المرزوقي إلى الإفراج عن الرئيس المصري الشرعى الدكتور محمد مرسي.، معتبرة إن تصريحات المرزوقي "كانت تدخلاً فجاً وغير مدروس في شأن دولة ذات سيادة بحجم مصر، إضافة إلى أنها تشكيك في إرادة الشعب المصري، بجانب كونها دفاعا مكشوفًا عن جماعة بحد ذاتها، لا حرصا على الديمقراطية"، ودعت الإمارات الساسة في تونس، وعلى رأسهم المرزوقي الى الالتفات الى ما تمر به بلادهم من تطورات وحراك جماهيري، بدل محاولة تصدير أزمتهم إلى الجيران عبارات جوفاء ولم يكن موقف الانقلابيين بأقل دهشة حيث سبق لهم وأن ملئوا الدنيا ضجيجاً برفض التدخل فى الشأن الداخلي عندما أعلنت بعض الدول موقفها - بكل حيادية-مما حدث فى 30 يونيو معترفة بأنه انقلاب عسكري على السلطة الشرعية فقام وزير خارجية الانقلاب بسحب السفراء وخفض العلاقات الدبلوماسية وإصدار بيانات إدانة مليئة بالعبارات الرنانة عن الاستقلالية والسيادة المصرية ورفض التدخل فى الشئون الداخلية كما حدث مع كل من دولة قطروتركياوإيران، فى الوقت الذى لا يخرج منه أو من غيره من الانقلابيين تصريح واحد يدين تدخل الدولة صاحبة الفضل الأكبر فى دعم الانقلاب على تدخلها السافر فى الشأن الداخلى وهى الإمارات على الرغم من الفارق بين المواقف. وكانت حكومة الانقلاب قد قامت بسحب سفيرها من قطر بعدما أصدرت قطر بيان أعربت فيه قلقها من تزايد أعداد ضحايا قمع المظاهرات، وسقوط عدد كبير من القتلى في كل أرجاء مصر، مؤكدة أن الحوار بين كل المكونات السياسية هو الحل الأمثل كما اعتبرت أن قرار تحويل حركات سياسية شعبية إلى منظمات إرهابية، وتحويل التظاهر إلى عمل إرهابي لم يجد نفعًا في وقف المظاهرات السلمية، بل كان فقط مقدمة لسياسة تكثيف إطلاق النار على المتظاهرين بهدف القتل. وعلى الرغم من أن البيان يسرد حقائق واقعة دون أدنى تدخل فى الشأن الداخلى إلا أن الحكومة الانقلابية اعتبرته تدخلا سافراً –على حد زعمها – وقامت على أثره بسحب السفير المصرى من الدوحة و إخطار سفير قطر بأنه غير مرغوب فيه, وتزامن مع سحب السفير بيان احتجاجي من وزير خارجية الانقلاب أعرب فيه عن استيائه من تدخل قطر فى الشأن المصرى ولم يختلف الأمر كثيراً تجاه تركيا حيث تم سحب السفير المصري من تركيا وخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع تركيا من مستوى السفراء إلى مستوى القائم بالأعمال، واستدعاء السفير التركي إلى ديوان الخارجية، وإبلاغه بأنه شخص غير مرغوب فيه، ومطالبته بمغادرة البلاد، وذلك بناءً على مواقف رئيس الوزراء التركى طيب رجب أوردغان الرافضة للانقلاب منذ اليوم الأول حيث أعلن عدم احترامه لمن يستولون على السلطة وطالب بالإفراج عن الرئيس الشرعى المختطف د.محمد مرسى وأكدت خارجية الانقلاب أن قرار سحب سفيرها من تركيا جاء بعد تراكمات لأشياء كثيرة خلال الفترة الماضية، من بينها التصريحات رئيس الوزراء المتتالية المناهضة للحكومة الحالية وكذلك استضافة تركيا لكثير من المؤتمرات لتنظيمات وصفوها بأنها تهدف الى لزعزعة الاستقرار في مصر- على حد وصفهم, مُحملة الحكومة التركية مسؤولية ما وصلت إليه العلاقات، واتخاذ مثل هذه القرارات. كما هددت حكومة الانقلاب باستدعاء مدير مكتب رعاية المصالح بإيران وإبلاغه رفض مصر تدخل إيران فى الشأن المصري، رداً على تصريحاته وتصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية مرضية أفخم، عن قلق بلادها تجاه تأزم الأوضاع فى مصر، ووصفها الأحداث بأنها مواجهات بين القوات العسكرية والأمنية والمتظاهرين السلميين العزل. وقال السفير بدر عبدالعاطى، المتحدث باسم وزارة خارجية الانقلاب، فى بيان،إن مصر تستهجن تصريحات المسئولة الإيرانية والقائم بالأعمال الإيراني، عن الأوضاع فى مصر، معلقاً: «الحكومة مسئولة أولاً وأخيراً أمام الشعب المصري " وعلى الرغم من هذه الإدانات الواسعة والقرارات الحاسمة إلا حكومة الانقلاب ألتزمت الصمت إزاء تصريح رئيس حكومة الإمارات وهو ما يصفه الخبراء بالموقف المخزى الذى يؤكد على تبعية الانقلابيين وانحنائهم أمام الدول الداعمة لهم والتي دفعت مليارات الدولارات للتمهيد للانقلاب ثم مليارات أخرى لتمويله ودعمه. موقف مخزي فى هذا الإطار يرى الدكتور السيد مصطفى أبو الخير - أستاذ القانون الدولى - أن تصريحات محمد بن راشد أل مكتوب رئيس وزراء الحكومة الإماراتية يؤكد ضلوع الإمارات ودورها الكبير في هذا الانقلاب العسكري، وأن دعمها كان مدفوع الثمن مقدماً ويمثل هذا التدخل السافر فى شئون البلاد أحد صوره القبيحة. وأضاف أبو الخير أنه على الجانب الأخر يمكن فهم هذا التصريح على أن دولة الإمارات قرأت المشهد من وجهته الصحيحة وهو أنها أيقنت أن مصير هذا الانقلاب الى زوال فى ظل هذا الصمود التاريخى للمظاهرات الرافضه له والتى تتزايد كل يوم رغم كل الممارسات القمعية والاستبدادية التى يتعرض لها المتظاهرين ومن ثم لا ترغب أن تستكمل دعمها لهذا النظام الفاشل ومن ثم لا ترى ضرورة من ترشح قائد الانقلاب العسكري للرئاسة وأوضح أبو الخير أن صمت الانقلابيين عن الرد على هذه التصريحات يؤكد أن "عيونهم مكسورة " من حجم ما تدفق إليهم من مليارات من هذه الدولة خاصة وأنها تمثل الداعم الأكبر للانقلاب فى دول الخليج وبالتالى لا يكون من المستغرب أن تقف هذا الموقف المخزي مطأطأة الرأس دون أن يخرج عنها تصريح واحد بعكس مواقفها السابقة إزاء دول أخرى والتى ارتدت فيها قناع السيادة و استقلالية القرار كما هو الحال مع قطروالإمارات على الرغم من أن ما صدر عن هذه الدول يدخل فى التعبير عن موقف دبلوماسى وليس تدخل فى شئون البلاد . خدعة سياسية من جانبه يرى أشرف عجلان - المنسق العام للثورة المصرية - أن تصريح رئيس حكومة الإمارات لا يخرج عن كونه أمر من اثنين، أما الأول فهو يؤكد أن الإمارات تأكدت من أن حساباتها مع الانقلابيين لاستكمال الانقلاب لم تكن دقيقة ومن ثم لا تريد الاستمرار فى دعم الانقلاب ومن ثم تعلن الانسحاب بشكل غير معلن من خلال هذا التصريح الذى يمثل تدخل سافر لا يمكن السكوت عنه مهما يخفى ورائه من أسباب غير واضحة. أما الأمر الثانى، هو أن يكون هذا التصريح مجرد خدعة تريد الإمارات من ورائها تثبيت دعائم الانقلاب من خلال إبداء معارضة لترشح قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي فى الوقت الذى ترغب فى ترشحه ولكنها تهدف من ذلك إثارة حفيظة مؤيدى السيسي أومن تراجعوا عن تأييده ليلتفوا حوله مرة أخرى ليصبح رئيساً تحقق من خلاله كل ما ترمى إليه وأضاف عجلان أن الواقع يؤكد أن الانقلابيين ومن يؤيدهم قد أثبتت لهم الأيام أنهم أخطئوا الحسابات ودلائل ذلك متعددة ومن أهمها أنهم عندما عزموا على فض اعتصام رابعة العدوية كانوا على قناعة بقدرتهم على ترهيب المتظاهرين وإخماد ثورتهم ولكن فوجئوا بثورة فى جميع الميادين والشوارع لم تفلح كل ممارسات القمع والاستبداد فى إخمادها . وتابع أنه من بين الحسابات التى أخطئها الانقلابيون أيضاً أنهم ظنوا بأن أموال الخليج التى وعدوا بها قبل الانقلاب ستغنيهم عن الحاجة الى الدوال الأخرى مثل قطروتركيا وحتى أمريكا ولكنهم اكتشفوا هم ودول الخليج نفسها خطأ هذا التقدير ومن ثم نجدهم الاثنين معاً يحاولون الآن إيجاد مخرج من ذلك من خلال مواقف وتصريحات غير واضحة المعالم.