يهاجم المسؤولون والإعلاميون والمتفرجون إشعال الشماريخ في المدرجات في مصر، لما لا وهم نفس من يهاجمون الخروج في مظاهرات حتى ولو من أجل الإصلاح. يعاني الكثيرون في مصر من حساسية غريبة ضد أي فعل طارئ أو جديد أو غريب على ثقافتهم المعتادة "الكنبة" واستقرارهم المزيف في القاع مما يدفعهم لمهاجمته فقط دون التفكير للحظة في أسبابه أو فوائده. لا أتحدث فقط عن إشعال الشماريخ في المدرجات ولا أدافع مطلقا عن مخالفة اللوائح أو الإخلال بالنظام، ولكني أعتبر عناد الأولتراس مع اتحاد الكرة بداية إصلاح للكرة المصرية على الطريقة الثورية. الكرة المصرية التي لوثها الفساد منذ سنوات ويعلم الجميع منا والقاصي والداني حجم الفساد الإداري والمالي بداخل اتحاد الكرة المصري وسط حماية النظام السابق والحالي. كرة القدم التي كانت الوسيلة الأولى لإلهاء الشعب بالإضافة إلى استغلالها للتلميع السياسي عقب الانتصارات بوصلة نفاق لصالح "راعي الرياضة والرياضيين". كرة القدم التي استغلها النظام البائد لإكساب شعبية إضافية لأبناء الرئيس السابق بعدما وجهوا إعلامهم المغيب للانزلاق في خلاف "زائف" مع دولة شقيقة كاد يتسبب في خسارة أرواح من الطرفين.
كرة القدم تُلعب من أجل الجماهير وليست من أجل البيزنس والإعلانات ولا حتى الكؤوس والبطولات، وجماهير كرة القدم ليسوا من يجلسوا أمام الشاشات ولكنهم من يهتفون في المدرجات. كرة القدم التي تعد المجال الوحيد الذي لم تطوله نيران ثورة شباب 25 يناير بسبب شعور الشعب بأن هناك ما هو أكثر أهمية من مجرد فساد في اتحاد رياضي. ولكن هاهم الآن يعودون شباب مجموعات الأولتراس ليوقظوا الضمائر النائمة والعقول الغافلة عن إناس يتحكمون في مصائر جماهير بالملايين وأموال بالملايين دون دراية أو محاسبة. فعندما قرر شباب الأولتراس العناد في إشعال الشماريخ في المدرجات لم يكن هدفهم الأول مجرد مخالفة اللوائح و تكسير القانون كما فسر نفس الإعلاميين "المغيبيين"، ولكنها كانت رسالة جديدة لم يفهمها الغافلون وهي "لن نلتزم بلوائح من يخالفوا اللوائح". فكيف لاتحاد الكرة الذي يخالف لوائح الاتحاد الدولي خاصة المادة 18 التي تقتضي بمنع أي جهة من امتلاك أكثر من نادي في مسابقة واحدة أن يطالب بتنفيذ لوائحه؟ وكيف لاتحاد لا يعرف حقوقه الدعائية في المؤتمرات الصحفية أو على قمصان الأندية أو حتى جدول مسابقاته أن يطالب الناس باحترامه؟ وكيف لمن لا يصرف على حكامه أو يدربهم أن يغرم من يعترض عليهم؟ قد لا يفهم الكثيرون علاقة الأمر بمجموعات الأولتراس لأنهم اختاروا أن يظلوا في غموض، ولكن من يعرف في خلفيات وثقافة الأولتراس حول العالم يعلم أنهم يؤمنون بمبدأ أساسي يطلق عليه Against Modern Football أو "ضد الكرة الحديثة".
رسالة جديدة لم يفهمها الغافلون وهي "لن نلتزم بلوائح من يخالفوا اللوائح". والكرة الحديثة هي كرة القدم التي تتحكم فيها الشركات ورؤوس الأموال وترتفع فيها أسعار التذاكر وتقل نسب الحضور الجماهيري وتختفي الأندية الشعبية. وهو ما بدأ يتحقق في مصر بصورة أو بأخرى، لذلك أطلقت المجموعات باتفاق "عفوي" شرارة الاعتراض والبداية كانت بكسر لائحة الشماريخ. وأكرر مجددا الرسالة ليست الشماريخ نفسها لأن نفس المجموعات التزمت الموسم الماضي بإشعال شمروخ واحد في كل مباراة حفاظا على مصلحة أنديتها، ولكنها رسالة اعتراض على طريقة إدارة هذا الاتحاد لشئون الكرة في مصر. على اتحاد الكرة أن يفهم أن كرة القدم تُلعب من أجل الجماهير وليست من أجل البيزنس والإعلانات ولا حتى الكؤوس والبطولات، وجماهير كرة القدم ليسوا من يجلسوا أمام الشاشات ولكنهم من يهتفون في المدرجات. عليه أن يعي أن البلد تغيرت وعقول الشباب لم تعد تلك التي تحركها كالعرائس بوسائل الإعلام التي تبحث في الغالب عن مصالحها، وألا يطالب بالالتزام بالقانون في الوقت الذي تأكد فيه الجميع أن الفاسدون لا يسقطون إلا بالخروج عن القانون. فأزمة الشماريخ حتى إذا انتهت لن تكون النهاية لأن إصلاح الرياضة وكرة القدم بالتحديد يأتي ضمن أولويات جيل الثورة. لا أعلم تحديدا إلى أي مدى قد يصل الصدام، ولكني أؤمن بشدة أن الشباب قادرون على "إسقاط النظام".