رئيس «هيئة ضمان جودة التعليم»: ثقافة الجودة ليست موجودة ونحتاج آلية لتحديث المناهج    مجلس الدولة يلزم «التجارة الداخلية» بسداد قيمة أرض مخصصة للإصلاح الزراعي    «معيط»: القطاع الخاص يسهم في تنمية الاقتصادات الناشئة وزيادة الناتج المحلي    خلال زيارته فرنسا.. وزير النقل يبحث إنشاء مصنعين لإنتاج الأنظمة المختلفة للسكك الحديدية والانفاق    رئيس الرقابة المالية: البورصات تعزز قدرات الدول في خلق طبقات متوسطة أيسر حالاً    رئيس الوزراء يعود للقاهرة بعد مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    بعد أسبوعين على الفيضانات.. تحذيرات لدول الخليج من أمطار غزيرة الأيام المقبلة    إخلاء سبيل المتهمين فى قضية تسرب مادة الكلور بنادى الترسانة    وكيل تعليم دمياط يتفقد سير امتحانات المستوى الرفيع بمدرسة اللغات الرسمية    السكة الحديد تعلن جدول تشغيل قطارات مطروح الصيفية بدءا من أول يونيو    «السفيرة عزيزة» عن زفاف ملياردير أمريكي بالأهرامات: مصر جاذبة للاحتفالات    ردود أفعال واسعة بعد فوزه بالبوكر العربية.. باسم خندقجي: حين تكسر الكتابة قيود الأسر    خالد جلال يشهد عرض «السمسمية» على المسرح العائم    بدون بيض أو زبدة.. طريقة عمل بسكويت العجوة في الخلاط    الكشف على 1270 حالة في قافلة طبية لجامعة الزقازيق بمركز مشتول السوق    تردد قنوات الاطفال 2024.. "توم وجيري وكراميش وطيور الجنة وميكي"    كرة اليد، جدول مباريات منتخب مصر في أولمبياد باريس    سيناء السلام عبقرية الدبلوماسية المصرية.. ندوة تثقيفية بجامعة المنوفية    محلية النواب تواصل مناقشة تعديل قانون الجبانات، وانتقادات لوزارة العدل لهذا السبب    مايا مرسي: برنامج نورة قطع خطوات كبيرة في تغيير حياة الفتيات    برلماني: افتتاح السيسي مركز البيانات والحوسبة السحابية انطلاقة في التحول الرقمي    تحذير قبل قبض المرتب.. عمليات احتيال شائعة في أجهزة الصراف الآلي    تأجيل محاكمة مضيفة طيران تونسية قتلت ابنتها بالتجمع    رئيس جامعة أسيوط: استراتيجية 2024-2029 تركز على الابتكار وريادة الأعمال    برلماني: زيارة أمير الكويت للقاهرة غدا يعزز التعاون بين البلدين و يدعم أمن واستقرار المنطقة    مصرع 42 شخصا إثر انهيار سد في كينيا    الصين تشارك بتسعِة أجنحة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب ال33    هنا الزاهد بصحبة هشام ماجد داخل الجيم.. وتعلق: "فاصل من التمارين العنيفة"    مكتبات الأدباء.. للإهداء أم للبيع ؟!    هل حبوب القمح يجب فيها الزكاة ومتى بلغ النصاب؟ الأزهر للفتوى يجيب    بيت الزكاة والصدقات يطلق 115 شاحنة ضمن القافلة السابعة لحملة أغيثوا غزة    مشجع محلاوي يدعم الفريق بالجيتار قبل مباراة لافيينا    رئيس الجودو: نظمنا بطولة أبهرت العالم وهؤلاء هم شركاء النجاح    خالد عبد الغفار يناقش مع نظيرته القطرية فرص الاستثمار في المجال الصحي والسياحة العلاجية    أفضل طريقة لعلاج الكسل عن الصلاة.. سهلة وبسيطة    تنظيم ندوة عن أحكام قانون العمل ب مطاحن الأصدقاء في أبنوب    صحتك تهمنا .. حملة توعية ب جامعة عين شمس    النشرة الدينية .. أفضل طريقة لعلاج الكسل عن الصلاة .. "خريجي الأزهر" و"مؤسسة أبو العينين" تكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين    بعد أنباء عن ارتباطها ومصطفى شعبان.. ما لا تعرفه عن هدى الناظر    وزير المالية: نتطلع لقيام بنك ستاندرد تشارترد بجذب المزيد من الاستثمارات إلى مصر    الصين فى طريقها لاستضافة السوبر السعودى    رئيس الوزراء الإسباني يعلن الاستمرار في منصبه    تجليات الفرح والتراث: مظاهر الاحتفال بعيد شم النسيم 2024 في مصر    أمير الكويت يزور مصر غدًا.. والغانم: العلاقات بين البلدين نموذج يحتذي به    شروط التقديم في رياض الأطفال بالمدارس المصرية اليابانية والأوراق المطلوبة (السن شرط أساسي)    عامر حسين: الكأس سيقام بنظامه المعتاد.. ولم يتم قبول فكرة "القرعة الموجهة"    بشرى سارة لمرضى سرطان الكبد.. «الصحة» تعلن توافر علاجات جديدة الفترة المقبلة    السيسي عن دعوته لزيارة البوسنة والهرسك: سألبي الدعوة في أقرب وقت    فانتازي يلا كورة.. دي بروين على رأس 5 لاعبين ارتفعت أسعارهم    وزير الإسكان يتابع مشروعات الخدمات ورفع الكفاءة والتطوير بالمدن الجديدة    إصابة 3 أطفال في حادث انقلاب تروسيكل بأسيوط    أسوشيتد برس: وفد إسرائيلي يصل إلى مصر قريبا لإجراء مفاوضات مع حماس    رئيس الوزراء: 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة تدهورت حياتهم نتيجة الحرب    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الاثنين 29-4-2024 بالصاغة بعد الانخفاض    حالة وفاة و16 مصاباً. أسماء ضحايا حادث تصادم سيارتين بصحراوي المنيا    أول رد رسمي من الزمالك على احتفال مصطفى شلبي المثير للجدل (فيديو)    "السكر والكلى".. من هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالجلطات؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دكتور وحيد عبدالمجيد يواصل كشف معارك الدستور.. الخوف من هيمنة قوى الإسلام السياسى يشعل معركة الوثائق الدستورية
صياغة «وثيقة الأزهر» جاءت ثمرة تفاوض صعب انتهى إلى استبعاد النص على الدولة المدنية صراحة إرضاء لقوى الإسلام السياسى
نشر في الوطن يوم 21 - 11 - 2012

تنشر «الوطن» شهادة تاريخية كتبها الدكتور وحيد عبدالمجيد، من واقع معايشته المباشرة لمرحلتين خطيرتين فى عصر ما بعد الثورة، الأولى هى فترة تشكيل «التحالف الديمقراطى» الذى تزعمه حزب الحرية والعدالة، وخاض معه انتخابات مجلس الشعب، وكان عبدالمجيد يشغل فى التحالف منصب المنسق العام، والثانية هى الجمعية التأسيسية للدستور. وفى كلتا المرحلتين، يمتلك الدكتور وحيد عبدالمجيد أسراراً كثيرة عن هاتين المرحلتين؛ فالأولى كانت أحداثها مشتبكة بين القوى الثلاث: العسكر والإسلام السياسى والثوار والليبراليين، وانتهت إلى هيمنة الحركات والأحزاب الدينية على البرلمان، والثانية يمكن وصفها بأنها مرحلة الكشف، وخطورتها أنها تكشف عن دهاليز وكواليس ما دار فى الغرف المغلقة بشأن تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور. و«الوطن»؛ إذ تنشر هذه الشهادة، لا تبتغى السبق والانفراد، وإنما يدفعها منح القارئ والمواطن حقه فى معرفة ما جرى وما يجرى وما سيجرى، بشأن وطنه وحياته وهويته ومستقبله، ولأنه لم يعد مقبولاً أن يتولى أحد طهى أقدار الناس فى الخفاء.. «الوطن» تنشر لكى نفهم وندرك ونضع أيادينا على الطريق الذى نسير عليه.
حظيت وثيقة الأزهر، التى أُعلنت فى 20 يونيو 2011، بأكبر قدر من التوافق والاهتمام فى الجدل العام بشأن المسألة الدستورية وما اقترن بها من معارك. فقد بدت وثيقة الأزهر بوسطيتها والموقعين عليها هى الأقرب لأن تكون أساسا توافقيا للدستور الجديد، خصوصا فيما يتعلق بالمشكلة الجوهرية فيه وهى تحديد العلاقة بين الدولة والدين.
وجاءت صياغة هذه الوثيقة ثمرة حوار تحول إلى تفاوض صعب حول مسألتين تتعلقان بأهم معارك الدستور فى تلك المرحلة، وهما طبيعة الدولة وطبيعة الوثيقة والمبادئ المتضمنة فيها. وانتهى هذا التفاوض إلى استبعاد النص على الدولة المدنية صراحة إرضاء لقوى الإسلام السياسى، خصوصا التيارات السلفية التى تخشى أن يكون تعبير «المدنية» مرادفا للعلمانية، مع وضع صيغة لتعريف طبيعة الدولة من خلال صفات محددة لها. وحدث خلاف فى هذا المجال بين اتجاهين أراد أحدهما أن توصف الدولة بأنها «ديمقراطية لا علمانية ولا ثيوقراطية»، بينما رأى ثانيهما وضع أربع صفات تعبر عن المعنى المتوافق عليه وهى أن تكون وطنية دستورية ديمقراطية حديثة.
أشار شيخ الأزهر فى كلمته فى اجتماع 21 يونيو 2011، الذى شهد توقيع الوثيقة وإعلانها، باختصار شديد إلى المعركة التى حدثت حول طبيعة الدولة بقوله: (لقد أُثير جدل حول مدنية الدولة. غير أن العبرة ليست بالألفاظ ولا الاصطلاحات، بل العبرة بالمعنى والمضمون والتشريع الذى يحكم المجتمع ويوجهه).
وفيما يتعلق بطبيعة الوثيقة، فقد انحاز شيخ الأزهر إلى الاتجاه الأكثر واقعية الذى أرادها استرشادية وليست ملزمة إلا لمن يرغب فى الالتزام بها طواعية واختيارا، على أساس أنه يصعب فرضها أو الإلزام بها إرغاما وإجبارا. ولذلك تم اعتبارها ميثاق شرف، لأن هذا النوع من المواثيق يقوم على الالتزام الذاتى وليس الإلزام الذى يصعب إيجاد آلية لفرضه فى واقع سياسى شديد التعقيد.
ولكن شيخ الأزهر أشار فى كلمته أيضاً إلى الخلاف على هذه القضية وأثبت وجود اتجاهين بشأنها قائلاً إنه (إذا كانت الدعوة إلى «مبادئ فوق دستورية» تمثل عند بعضنا حائلا يحول دون هيمنة الاتجاه الواحد واستبداده بصياغة البناء الدستورى والسياسى، فإن البعض الآخر يراها التفافا على إرادة الجماهير التى أعلنتها فى الاستفتاء الأخير وخروجا على ما استقر عليه الفقه الدستورى من أن الدستور هو الوثيقة النهائية وقمة الهرم القانونى فى الدولة الحديثة).
ورغم أن وثيقة الأزهر لا تعبر، على هذا النحو، عما سعى إليه من طالبوا بأن تكون هناك وثيقة ملزمة تتضمن «مبادئ فوق دستورية»، فقد وقع بعضهم عليها واعتبروها ضمانة أساسية لدستور متوازن. ولكنهم واصلوا تحركاتهم التى استهدفت وضع وثيقة ملزمة و«فوق دستورية» من خلال مبادرات سنتناول أهمها فى الحلقة القادمة.
وقد وقع وثيقة الأزهر خمسة من المرشحين المحتملين للرئاسة فى ذلك الوقت وهم عمرو موسى وحمدين صباحى ود. محمد البرادعى (قبل إعلان انسحابه) ود. أيمن نور ود. محمد سليم العوا، بينما لم يحضر ثلاثة آخرون وُجهت إليهم الدعوة وهم عبدالمنعم أبوالفتوح وحازم صلاح أبوإسماعيل وهشام بسطويسى.
وإلى جانب رئيس حزب الحرية والعدالة د. محمد مرسى، والنور عماد عبدالغفور ود. محمد المختار المهدى الرئيس العام للجمعية الشرعية، ورئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية حينئذ عصام دربالة وعضو مكتب إرشاد جماعة «الإخوان المسلمين» د. عبدالرحمن البر، كان هناك عدد من رؤساء وممثلى أحزاب ليبرالية ويسارية ووسطية مثل د. السيد البدوى رئيس حزب الوفد، ود. أحمد سعيد رئيس حزب المصريين الأحرار، ود. أسامة الغزالى حرب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية حينئذ، ود. محمد نور فرحات القيادى فى الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، وأمين إسكندر القيادى فى حزب الكرامة، وهشام مصطفى رئيس حزب الإصلاح والنهضة، وأحمد شكرى القيادى فى حزب العدل، فضلا عن عدد من السياسيين والمثقفين.
ولم تختلف هذه الوثيقة فى محتواها عن وثيقة «التحالف الديمقراطى من أجل مصر»، التى كانت عملية صياغتها قد أوشكت على الانتهاء حين عُقد اجتماع 21 يونيو 2011 فى مقر مشيخة الأزهر. ولكن وثيقة الأزهر تميزت بتركيز أكثر على طبيعة الدولة (الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة التى تعتمد على دستور ترتضيه الأمة يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة، ويحدد إطار الحكم ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها على قدم المساواة).
أما وثيقة «التحالف الديمقراطى» فقد ركزت أكثر على نظام الحكم وقفزت على طبيعة الدولة اعتقادا فى أن ضمان ديمقراطية هذا النظام بشكل تفصيلى وتأكيد الحقوق والحريات العامة هما الأساس.
وبدا التناغم كبيرا بين الوثيقتين فى النص على تداول السلطة (عبر الاقتراع العام الحر النزيه) فى وثيقة «التحالف الديمقراطى»، ومن خلال (الانتخاب الحر المباشر الذى هو الصيغة العصرية لتحقيق مبادئ الشورى الإسلامية) فى وثيقة الأزهر. كما ظهر ذلك فى تأكيد الحريات التى تم إجمالها فى وثيقة الأزهر عبر النص على (الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية فى الفكر والرأى، مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمرأة والطفل، والتأكيد على مبدأ التعددية واحترام الأديان السماوية واعتبار المواطنة مناط المسئولية فى المجتمع)، بينما نحت وثيقة «التحالف الديمقراطى» إلى شىء من التفصيل فيها عبر عدد من النقاط أهمها حرية الإعلام، وحقوق الإنسان وفقا للمواثيق والعهود الدولية بما لا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية والهوية العربية، وحرية تأسيس الأحزاب السياسية بالإخطار على ألاّ تكون أحزابا دينية أو عسكرية أو فئوية، وحرية تكوين النقابات والجمعيات المدنية والأهلية، وحرية التنظيم والتظاهر والإضراب والاعتصام وغيرها من أشكال الاحتجاج السلمى مع مراعاة سلامة المجتمع والأمن العام، واحترام الحريات السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين.
ولكن صياغة وثيقة الأزهر للعلاقة مع المواثيق الدولية جاءت أقوى مما ورد فى وثيقة «التحالف الديمقراطى» التى بدت أكثر حذرا، بسبب مخاوف «الإخوان» غير المبررة من هذه المواثيق.
ومن الطبيعى أن تهتم وثيقة تصدر برعاية الأزهر بوضع هذه المؤسسة ذات المكانة العالية وتأكيد استقلالها، ولذلك نصت على (تأييد مشروع استقلال مؤسسة الأزهر، وعودة هيئة كبار العلماء واختصاصها بترشيح واختيار شيخ الأزهر، والعمل على تجديد مناهج التعليم الأزهرى ليسترد دوره الفكرى الأصيل وتأثيره العالمى فى مختلف الأنحاء).
كما تضمنت هذه الوثيقة بندا أخيراً بالغ الأهمية استعان به كاتب السطور بعد ذلك فى غمار المعركة التى اشتعلت داخل الجمعية التأسيسية للدستور حول دور الأزهر فى الشأن الإسلامى، سعياً إلى حل للمشكلة التى بدأت عندما اصطدمت محاولة ممثلى التيارات السلفية فى هذه الجمعية لتعديل المادة الثانية فى دستور 1971 بإصرار ممثلى القوى الوطنية الديمقراطية على بقائها كما هى. فقد بدأ السلفيون بالسعى إلى استبدال أحكام الشريعة بمبادئها لتكون هى المصدر الرئيسى للتشريع أو استبعاد كلمتى مبادئ وأحكام ليكون النص على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر. وعندما تبين أن الأمر ينطوى على حساسية خاصة نظرا لتفضيل الأزهر بقاء المادة الثانية كما هى، سعى ممثلو حزب النور وجمعية الدعوة السلفية فى الجمعية التأسيسية إلى تحقيق ما يريدونه فى مادة أخرى جديدة تبدأ بتأكيد استقلال الأزهر وتنتهى بالنص على أن هيئة كبار العلماء فيه هى (المرجعية النهائية فى كل ما يتصل بالشريعة الإسلامية ومبادئها).
وأثار هذا الموضوع خلافا شديدا فى داخل الجمعية التأسيسية، رغم أن وثيقة الأزهر تقدم حلا معقولا فى بندها الحادى عشر الذى ينص على: (اعتبار الأزهر الشريف هو الجهة المختصة التى يُرجع إليها فى شئون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة، مع عدم مصادرة حق الجميع فى إبداء الرأى متى تحققت فيه الشروط العلمية اللازمة، وشرط الالتزام بآداب الحوار، واحترام ما توافق عليه علماء الأمة). ولذلك استند ممثلو القوى الوطنية الديمقراطية فى الجمعية التأسيسية على البند الحادى عشر فى وثيقة الأزهر عندما أصروا على رفض اعتبار هيئة كبار العلماء مرجعية نهائية، ورأوا أن (يكون رأيها استشاريا فقط).
وشهدت الفترة من مايو إلى أغسطس 2011 حركة سريعة فى اتجاهات متعددة بشأن المسألة الدستورية نتيجة القلق الذى انتشر فى كثير من الأوساط بعد انفراد قوى الإسلام السياسى بوضع مشروع الدستور الجديد أو سيطرتها عليه. وأسفر ذلك عن اقتراح عدد من الوثائق التى استهدفت تحديد مبادئ أساسية للدستور الجديد. وغلب عليها، بخلاف الحال فى وثيقتى الأزهر و«التحالف الديمقراطى»، الميل إلى اعتبار هذه المبادئ حاكمة للدستور الجديد أو فوق دستورية على الخوف الذى يظهر فى هذه النبذة السريعة عن أهم تلك الوثائق.
2- «وثيقة إعلان المبادئ الأساسية لمصر الثورة» الصادرة عن مؤتمر الوفاق القومى:
رغم أن هذه الوثيقة صدرت عن مؤتمر عُقد تحت رعاية د. يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء فى حكومة د. عصام شرف الأولى، فإنها لم تكتسب طابعا رسميا. ولكنها كانت تعبر بشكل ما عن الميل السائد حينئذ فى تلك الحكومة كما لدى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو استباق انتخاب الجمعية التأسيسية للدستور بوضع مبادئ أُطلق عليها «حاكمة للدولة المصرية الحديثة» فى مجملها وليس فقط لدستور هذه الدولة، فضلا عن ضمانات دستورية للحقوق والحريات الأساسية.
وشارك فى إعداد تلك الوثيقة ممثلون لكثير من التيارات السياسية وعدد من الشخصيات العامة والخبراء. ولكن قوى الإسلام السياسى قاطعت المؤتمر الذى وُضعت فى إطاره منذ البداية.
وتضمنت الوثيقة ثلاثة أقسام أساسية خُصص أولها لما أُطلق عليه «المبادئ الحاكمة»، وثانيها للحقوق والحريات الأساسية، وثالثها للضمانات الدستورية لهذه الحقوق والحريات.
وبخلاف وثيقتى الأزهر و«التحالف الديمقراطى»، بدأت «وثيقة إعلان المبادئ الأساسية لمصر الثورة» بتعريف مصر بأنها «دولة مدنية» إضافة إلى كونها «ديمقراطية موحدة غير قابلة للتجزئة»، شعارها الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.
وكان جديد هذه الوثيقة هو أنها الأولى التى اتجهت صوب وضع مبادئ تبدو فوق دستورية ولكن بصورة غير مباشرة عبر اعتبارها (غير قابلة للإلغاء أو التنازل أو التعديل أو التقييد). وذهبت إلى أن انتهاك أى من المبادئ أو الحقوق والحريات الأساسية الواردة فيها أو محاولة تغييرها أو التحريض على شىء من ذلك يعتبر انتهاكا للدستور. وبدا هذا التوجه غريبا لأنه يحظر مناقشة 24 مبدأ ونصا وردت فيها أو الدعوة إلى تعديلها أو تغييرها عبر إقناع الرأى العام، خصوصا أن الكثير منها يمكن الاختلاف عليه سعيا إلى ضمانات أقوى أو تفصيل أكثر وليس بالضرورة رغبة فى الانتقاص منها أو التخلى عنها.
كما شملت الضمانات التى وضعتها الوثيقة (حظر تأويل أو تفسير أى نص فى هذه الوثيقة على نحو يجيز لأى من سلطات أو مؤسسات الدولة أو لأى جماعات أو أفراد القيام بأى فعل يهدف أو يؤدى إلى إهدار أى من المبادئ أو الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها فى هذه الوثيقة أو الانتقاص من أى منها أو الإخلال بها).
كما كانت هذه الوثيقة هى الأولى التى تسعى إلى تحديد معايير لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور، وتطرح فكرة استبعاد أعضاء مجلسى الشعب والشورى من عضويتها، وهى الفكرة التى راجت بعد ذلك فى أوساط كثير من التيارات الليبرالية واليسارية اعتقادا فى أن هذا يساعد فى تشكيل جمعية متوازنة.
غير أن أهم ما يلفت الانتباه فى هذه الوثيقة أنها خلت تماما من أهم الحقوق التى تضمن للمواطنين القدرة على الدفاع عن حقوقهم ومواجهة أى اعتداء عليها أو عليهم، وهى تلك المرتبطة بالاحتجاجات السلمية من تظاهر وإضراب واعتصام.
1- وثيقة «إعلان مبادئ الدستور المصرى بعد ثورة 25 يناير»:
بدأ الإعداد لهذه الوثيقة خلال التحضير لعقد مؤتمر «مصر الأول» يوم 7 مايو 2011 تحت شعار «الشعب يحمى ثورته» فى مركز القاهرة الدولى للمؤتمرات فى مدينة نصر بحضور نحو خمسة آلاف مشارك.
فقد تم تشكيل لجنة حملت اسم «مجموعة العمل الوطنية لنهضة مصر الدستورية والقانونية» بمبادرة من «المجلس الوطنى» الذى قام بدور إيجابى فى النقاش العام، كما فى دعم الفعاليات الثورية، فى تلك المرحلة قبل أن يتراجع دوره بعدها.
وضمت هذه المجموعة شخصيات قانونية كبيرة مثل د. محمد نور فرحات، ود. حسام عيسى، وسامح عاشور، ود. فتحى فكرى، وعصام الإسلامبولى، ومنى ذوالفقار، ود. جابر جاد نصار، وعددا من القضاة مثل تهانى الجبالى، ورفعت عبدالمجيد، وحمدى ياسين عكاشة، وماهر أبوالعينين، وعادل ماجد، وخالد فتحى نجيب، وأحمد أبوالعينين، وأمير رمزى، وحسام مكاوى، ويوسف وجيه.
ووضعت تلك المجموعة مشروعا لوثيقة إعلان المبادئ. وتم طرح هذا المشروع عبر موقع «المجلس الوطنى» وتطويره فى ضوء بعض المقترحات التى تلقاها واضعوه، ثم عُرض للنقاش فى مؤتمر «مصر الأول»، وأُعيدت صياغته فى ضوء هذا النقاش.
وتضمنت الوثيقة 25 بندا بدأت، مثلها مثل وثيقة «إعلان المبادئ الأساسية لمصر الثورة» الصادرة عن مؤتمر الوفاق القومى، بتأكيد مدنية الدولة: (مصر دولة مدنية حديثة موحدة نظامها جمهورى ديمقراطى يقوم على أساس المواطنة بهدف تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية لمواطنيها واحترام التعددية والتنوع وتكافؤ الفرص وكفالة المساواة أمام القانون لهم جميعا دون تمييز على أساس الأصل أو العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو غير ذلك، وتقوم على مبادئ الدولة الوطنية الحديثة الملتزمة بمناهج الحداثة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ووحدة مصر الجغرافية غير قابلة للتقسيم على أساس عرقى أو طائفى. وهى جزء من الأمة العربية وتسعى لحقيقة وحدتها الشاملة). وواضح فى هذا النص مدى القلق من ارتداد مصر إلى ما قبل الدولة الحديثة التى بدئ فى بنائها فى عهد محمد على، إذ وردت فيه كلمة «حديثة» مرتين بالإضافة إلى كلمة «حداثة».
كما حرص واضعوها على ما اسموه (تحديد الآليات الضامنة لحماية الدولة المدنية) وإعطاء القوات المسلحة دور حماية (النظام الجمهورى المدنى الديمقراطى للدولة المصرية ووحدتها الوطنية والجغرافية من أى انتهاك يهددها بعد عرض الأمر على المحكمة الدستورية العليا وضمان تنفيذ واحترام ما تصدره المحكمة فى هذا الشأن من أحكام وقرارات). وعادت الوثيقة فى بندها رقم 21 إلى وضع ضمانة أخرى هى (تنظيم الدستور لمبدأ مراقبة سلوك السلطتين التشريعية والتنفيذية، وربط ذلك بمبدأ التجريم والمحاسبة للانتهاك السلبى أو الإيجابى لحقوق المواطنة والمساواة أمام القانون وحرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية والحفاظ على مدنية الدولة).
وكانت هذه الوثيقة هى الأكثر تعبيرا عن القلق من تغيير يمكن أن يحدث فى طبيعة الدولة المصرية وهويتها. وظهر ذلك فى كثير من بنودها الأخرى، إضافة إلى ما ورد فى بندها الأول من تفصيل فى طبيعة الدولة ومدنيتها وحداثتها، وفى بندها الخامس المتعلق بضمانات حماية مدنية الدولة وما يتعلق بها من مبادئ من خلال دور القوات المسلحة والمحكمة الدستورية العليا.
ومن ذلك، مثلا، النص فى البند العاشر على (تضمين الدستور مبدأ سيادة القانون وخضوع الدولة للدستور والقانون وتعزيز استقلال القضاء والرقابة الدستورية عبر المحكمة الدستورية العليا ومبدأ الفصل بين السلطات والرقابة المتبادلة). وكذلك النص فى البند الحادى عشر على (تعزيز وتأكيد استقلال القضاء والمحاماة وتحديد مكونات السلطة القضائية وضمان استقلالها التام عن باقى سلطات الدولة، ومنع تدخل السلطة التنفيذية فى شئون القضاء، وتحديد ولاية القضاء العسكرى بمحاكمة العسكريين على الجرائم العسكرية وعدم امتداد هذه الولاية إلى غيرهم، واحترام الأحكام القضائية وتنفيذها، واعتبار عدم التنفيذ جريمة جنائية تستوجب المساءلة والتعويض من المال الخاص لمرتكب الفعل).
واقترن طرح هذه الوثيقة بالمطالبة بإصدار إعلان دستورى مكمل يتضمن المبادئ الحاكمة للدستور ومعايير تشكيل الجمعية التأسيسية التى ستضع مشروعه.
3- وثيقة «إعلان مبادئ المواطنة والدولة المصرية»:
صدرت هذه الوثيقة بعد مناقشات طويلة دعا إليها الأستاذ إبراهيم المعلم خلال شهرى يونيو ويوليو 2011، وأجريت فى لقاءات عُقدت فى مؤسسة «دار الشروق» التى كانت قد استضافت نخبة من الشخصيات السياسية والقانونية والثقافية شكلت مجموعة عمل لدعم ثورة 25 يناير بمبادرة من د. كمال أبوالمجد ود. وحيد عبدالمجيد أُطلق عليها إعلامياً «لجنة الحكماء».
وقد حضر الاجتماع الأول لهذه المجموعة، الذى عُقد فى اليوم الأول من فبراير 2011، كل من د. كمال أبوالمجد، ود. نبيل العربى، وإبراهيم المعلم، ونبيل فهمى، ود. وحيد عبدالمجيد، والسفيرة ميرفت التلاوى، وسلامة أحمد سلامة، ونجيب ساويرس، وعبدالعزيز الشافعى، وجميل مطر، وعلى مشرفة. وانضم إليهم فى الاجتماعات التالية، ثم فى المناقشات الخاصة بهذه الوثيقة، د. نيفين مسعد، ود. عمرو الشوبكى، ود. إبراهيم عوض، وهانى شكر الله، ود. مصطفى كامل السيد، ود. زياد بهاء الدين، ود. أهداف سويف، وأبوالعلا ماضى، ود. أيمن نور، وجورج إسحق، وسمير مرقص، ود. عمار على حسن، ود. عمرو حمزاوى، ود. ممدوح حمزة، وحمدى قنديل، وسمير عليش، ود. عبدالجليل مصطفى، وعبدالرحمن يوسف، وعز الدين شكرى، ووائل غنيم، ووائل قنديل، ود. على حجازى، ود. معتز عبدالفتاح، ونشأت الهلالى، ومصطفى النجار، وإبراهيم الهضيبى، وراجية عمران، ورامى شعث، وناصر عبدالحميد، ود. شادى الغزالى حرب. كما شارك فى بعض الاجتماعات التى عُقدت لمناقشة هذه الوثيقة عدد ممن كانوا مرشحين محتملين للرئاسة وهم: د. محمد البرادعى، وعمرو موسى، وحمدين صباحى، وعبدالمنعم أبوالفتوح، وهشام البسطويسى.
وتختلف هذه الوثيقة عن «وثيقة إعلان المبادئ الأساسية لمصر الثورة» و«وثيقة إعلان مبادئ الدستور المصرى بعد ثورة 25 يناير» فى أنها لم تسع إلى وضع مبادئ فوق دستورية أو حاكمة للدستور. كما تختلف عن وثيقتى الأزهر و«التحالف الديمقراطى»، اللتين طرحتا مبادئ استرشادية وليست ملزمة، فى أنها قامت على التعهد بما ورد فيها من مبادئ وتحقيق الأهداف المرتبطة بها. وأخذت صورة ميثاقية فى صياغتها وليس فقط فى مضمونها، إذ بدأت بعبارة: (نحن مواطنى مصر وجماهير شعبها.. من كل بقعة من أراضيها.. فى دلتاها وصعيدها وسينائها، فى واديها وواحاتها وصحاريها، فى مدنها وقراها، على شواطئ بحارها وبحيراتها، وفى داخل مصر وخارجها). كما تضمنت مقدمتها (نحن مواطنى مصر وجماهير شعبها، الذى بدأ فى ثورة 25 يناير 2011 مهمة تحرير الوطن والمواطن واستعادة القرار الوطنى المصرى ليكون معبرا عن الهوية والإرادة والمصلحة المصرية، وإعلان الحرية والكرامة والعزة والمساواة والعدالة.. نتعاهد ونتعهد أن نبنى القيم العالية التالية، وأن نسعى إلى تحقيق الأهداف المرتبطة بها).
وتضمنت الوثيقة عشرة بنود أساسية هى الحرية والمساواة، والكرامة والعدالة الاجتماعية، وحرية العقيدة، وحرية الرأى والتعبير والتنقل، والتكامل والوحدة، والمواطنة وسيادة القانون، وتنظيم وتوازن مؤسسات الدولة، والأمن والأمان، والسلام لعالمنا، والنهضة.
وبدت وثيقة «إعلان المواطنة والدولة المصرية» على هذا النحو مختلفة عن الوثائق الأخرى التى طُرحت فى تلك الفترة، إذ وُجهت إلى الإنسان المصرى فى المقام الأول وصيغت بلغة تعبر عما اعتبره واضعوها والمشاركون فى المناقشات التى أفضت إليها أهم ما يتطلع إليه هذا الإنسان بُعيد ثورة تاريخية.
فعلى سبيل المثال جاء البند الخاص بالحرية والمساواة كالتالى: (نؤكد تصميمنا على أن نحيا شركاء فى الوطن، دون تمييز فى تمتعنا بحقوقنا غير القابلة للتصرف، وأن نقوم بالتزاماتنا طبقا للدستور والقوانين الحاكمة لمجتمعنا، وأن ندافع عن حريتنا بكل معانيها، ونرفض استبداد الفرد بالمجموع، ونرفض استبداد الأقلية بالأغلبية، ونرفض استبداد الأغلبية بالأقلية).
وتميزت هذه الوثيقة بنص واضح على الالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. فتحت عنوان (حرية الرأى والتعبير والتنقل) قال البند الرابع فيها (على أساس أن لكل مصرى الحق فى حرية الرأى والتعبير، وفى حرية الإقامة والتنقل، وفى التجمع السلمى، وحرمة السكن والاتصالات الشخصية والملكية الخاصة، نلتزم بجميع الحقوق والمبادئ المنصوص عليها فى الدستور والمعاهدات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان التى وافقت عليها مصر، ونستنكر بشدة أى خطاب يحض على الكراهية أو الازدراء).
وبخلاف وثيقة «إعلان مبادئ الدستور المصرى بعد ثورة 25 يناير» التى جعلت القوات المسلحة ضامنة للدولة المدنية وحامية لمقوماتها، ذهبت وثيقة «إعلان مبادئ المواطنة والدولة المصرية» إلى (ضرورة انتهاء دورها السياسى وتسليم السلطة إلى جهة مدنية صاحبة شرعية ديمقراطية).
أخبار متعلقة:
وحيد عبد المجيد يكتب: 5 معارك في أقل من عامين تساوي مجموع المعارك الدستورية في أكثر من قرن
الدكتور وحيد عبدالمجيد يكتب شهادة حية للتاريخ عن متاهات وسراديب "التأسيسية" : «التحالف الديمقراطى».. رحلة الصعود والتفكك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.