منذ عقود طويلة تحالفت الولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية، وساهم فى توطيد العلاقات بين البلدين مصالح مشتركة، من ضمنها النفط والحرب على الإرهاب وتحجيم الطموحات الإيرانية فى الشرق الأوسط، وبدأ التحالف بين البلدين منذ عام 1945 عندما التقى الملك عبدالعزيز آل سعود الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت واستمر ذلك التحالف حتى اليوم، لمدة أكثر من ستة عقود، كانت العلاقة بين البلدين وطيدة، فالمملكة هى أكبر منتج للنفط وبإمكانها التحكم فى أسعار النفط صعوداً وهبوطاً من خلال التحكم فى كمية الإنتاج وهو ما قامت به بكيفية احترمت معها مصالح الأمريكيين، وعندما احتاجت السعودية الدعم الأمريكى ضد الرئيس العراقى السابق صدام حسين، أرسلت «واشنطن» نصف مليون جندى للخليج لمحاربة القوات العراقية. الآن، لم تعد العلاقات السعودية الأمريكية كما كانت يوماً، بل إنها تعيش أسوأ فتراتها التاريخية، على حد قول بيتر بيرجن، محلل شئون الأمن القومى لشبكة «سى إن إن» الإخبارية الأمريكية، ويرى بعض المراقبين أن العلاقات الأمريكية السعودية اتخذت منحى حاداً قد يغير من مجراها فى السنوات المقبلة، بسبب الاتفاق النووى الإيرانى، حيث إن الرياض ستكون مجبرة مستقبلاً على تنويع حلفائها، وكان الرد السعودى على التقارب الإيرانى الأمريكى مبكراً، حيث أبرمت الرياض صفقات اقتصادية مع روسيا وفرنسا، وكان هذا الرد رسالة من السعودية إلى الولاياتالمتحدة على كون التوجه الدبلوماسى للرياض يمهد لانطلاقة جديدة، وخرجت بعص الصحف السعودية عن تحفظاتها المعهودة، حيث رأت صحيفة «الرياض» أن الاتفاق الإيرانى رسالة لأن تطلق السعودية برنامجها النووى، وشككت فى مدى قدرة إيران على الالتزام بمضامين الاتفاق، متهمة إياها بكونها «تحسن المراوغة»، كما اعتبرت أن الاتفاق يصب فى مصلحة طهران، كما أشادت صحيفة «الوطن» السعودية بالتقارب السعودى الروسى فى إشارة إلى زيارة ولى ولى العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان إلى موسكو، معتبرة أنه جاء فى الوقت المناسب، ودعت الصحيفة إلى تنويع التحالفات الإقليمية فى ظل التحول الذى طرأ على العلاقات الأمريكيةالإيرانية، بموجب الاتفاق النووى، ورغم كل ما سبق لا يبدو أن الرياض قد أدارت وجهها لحليفتها التقليدية واشنطن، حيث إنه لا يمكن لأى دولة الاستغناء عن الولاياتالمتحدة، ومن الحكمة ألا تخسر دول الخليج تحالفها مع الولاياتالمتحدة، لكن السعودية وجميع بلدان الخليج أصبحت مجبرة على تنويع حلفائها. وأشارت الإذاعة الألمانية «دويتش فيله» إلى أن المخاوف من طموحات إيران قد تزعزع تحالف السعودية مع الولاياتالمتحدة والغرب عقب التوصل إلى الاتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووى، وتوالى زيارات مسئولين غربيين لطهران، حيث بدت السعودية، المنافس التقليدى لإيران، مستاءة مما تم التوصل إليه، كما تركزت الأضواء على تأثير هذا الاتفاق فى استراتيجية السعودية فى المنطقة وعن احتمال حدوث تغيير فى دورها، خاصة فى الملفين السورى واليمنى، وسارعت الولاياتالمتحدة بإرسال أشتون كارتر وزير دفاعها فى جولة شرق أوسطية لطمأنة حلفاء «واشنطن» فى الشرق الأوسط، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، حيث إن السعودية لا تشارك الإدارة الأمريكية تفاؤلها بشأن الاتفاق الإيرانى، حيث حذر الأمير بندر بن سلطان، المدير السابق للاستخبارات السعودية وسفير المملكة السابق فى الولاياتالمتحدة، فى مقال له، من أن هذه «الصفقة النووية» ستخلق الفوضى فى المنطقة. واعتبر الأمير بندر أن الاتفاق النووى سيتيح ل«طهران» امتلاك قنبلة ذرية وسيجعلها تعيث فساداً فى الشرق الأوسط الذى يعيش بالفعل أجواء كارثية أصبحت إيران فيها لاعباً رئيسياً فى زعزعة استقرار المنطقة، كما أوضح منتقداً الاتفاق أن التحليل الاستراتيجى للسياسة الخارجية ومعلومات المخابرات الوطنية ومخابرات حلفاء أمريكا فى المنطقة لا تتوقع نفس نتيجة الاتفاق النووى مع كوريا الشمالية وحسب بل ما هو أسوأ، وذلك فى إشارة إلى نجاح «بيونج يانج» فى تطوير قنبلة ذرية. ربما يكون الاتفاق النووى قد أنهى توتر العلاقات الإيرانيةالأمريكية، لكنه تسبب فى توتر العلاقات السعودية الأمريكية، حيث نقلت قناة «فرانس 24» الفرنسية عن خبير فى الشأن الإيرانى، قوله إن الاتفاق النووى الإيرانى تضررت منه العلاقات السعودية الأمريكية كثيراً، وأضاف أن «الاتفاق جاء على حساب المنطقة والسعودية بشكل خاص»، وتابع أن «الاتفاق بمثابة ضوء أخضر لتحركات إيران بالمنطقة»، وفى الوقت ذاته، تساءل الكاتب الإسرائيلى تسيفى برئيل المختص بالشئون العربية، عن كيفية مواجهة السعودية ما تعتبره الآن تحولاً تهديدياً فى الاستراتيجية الأمريكية؟ وأشار «برئيل»، فى مقال له بصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، إلى أن «هناك واقع جديد سيفرض على السعودية إعادة النظر فى استراتيجيتها». وتابع: «تصريحات رئيس إيران السابق على رفسنجانى بأنه ليس من المستحيل أن يتم فتح سفارة أمريكية فى طهران، تعتبرها السعودية تلميحاً إلى أن هناك اتفاقاً بهذا الشأن بين إيرانوالولاياتالمتحدة، كما أن السعودية لها خيار الانضمام إلى روسيا، أو على الأقل تهديد الولاياتالمتحدة بذلك، كما فعلت فى الأشهر الأخيرة حينما أعلنت عن العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، وعن نية الملك سلمان زيارة موسكو»، مضيفاً: «ولكن على المدى القريب لا تستطيع روسيا أن تكون بديلاً عن الولاياتالمتحدة، لأن البنية العسكرية السعودية تعتمد على السلاح الأمريكى، وبسبب العداء الأيديولوجى التاريخى بين السعودية والاتحاد السوفيتى، ولذلك فإنه عندما تشعر السعودية بنتائج غير مرغوبة لهذا الاتفاق، سيكون على الولاياتالمتحدة محاولة تبديد شكوك المملكة، فالسعودية ليست إسرائيل التى يمكن تهدئتها بإرسال الطائرات الجديدة والتكنولوجيا المتقدمة، فهى تستطيع شراء ما تريد ولذلك فقد تطلب المملكة إنجازاً سياسياً كتعويض، كأن تبذل الولاياتالمتحدة الجهود والضغوط كما فعلت فى إيران من أجل التوصل إلى اتفاق يحل القضية الفلسطينية».