قرأت فى «اليوم السابع» يوم الأربعاء قبل الماضى «6 مايو 2015»، أن رئيس حماية المستهلك اللواء عاطف يعقوب، عند تعليقه على ارتفاع الأسعار، خصوصاً الخضراوات، قال ناصحاً الشعب المصرى أن يستخدم ما يحتاجه المنزل فقط، وليس الإنفاق بكميات كبيرة منها حتى يتم ضبط الأسعار، وأضاف قائلاً حسب «اليوم السابع»: «لو البامية غالية على الناس تأكل بطاطس، ولو الطماطم غالية ماتشتروهاش كلوا صلصة». وهذه نصيحة غالية ومعقولة، لو أن هناك خضراوات تكون أسعارها فى متناول الفقراء أصلاً، ناهيك طبعاً عن العاطلين عن العمل والمعدمين، وأصحاب الأسر كبيرة العدد، ضعيفة الدخول، الذين لا يجدون ما يشترون به الطماطم أو الصلصة، وبعض هذه الأسر لا تستطيع أن تشترى ما تحتاجه منازلهم إلا بالكاد. أنا أعرف أن جهاز حماية المستهلك أمامه مسئوليات كبيرة وتحديات ضخمة لينجح فى مهمتين هما: رصد كل المخالفات ضد مصلحة المستهلك، خصوصاً التى تعرض حياة المستهلك للخطر، ومنها -على سبيل المثال لا الحصر- الأدوية الفاسدة والمهربة أو التى انتهت صلاحيتها أو المخالفة للمواصفات، والتى تزيد المريض مرضاً، وكذلك السلع المعيبة إنتاجاً، حتى لو كانت آلات أو سيارات أو أدوات أخرى، ناهيك عن الإعلانات العديدة المضللة على الإنترنت، التى تلوث العقول وتخدع الناس، حتى إن المشترى يستدين ليملأ بطنه، أو يعيش بأكثر مما يستطيع، وينتهى به الحال فى الغم والهم أو السجن بسبب الفم والبطن وغيرهما، وكذلك بسبب الكماليات عند بعضهم. عندما يشكو الشعب أو يئن وهو صابر، لأنه يقف وراء الدولة فيما تواجهه من تحديات، خصوصاً الإرهاب والعنف والتشدد، يحتاج هذا الشعب الصابر العظيم إلى من يواسيه أو يهدئ من روعه، ولو بالصبر والأمل فى المستقبل حتى تتحسن الأحوال، وعلينا أن نسعى لتحسينها حقاً، فإن الرائد لا يكذب أهله، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهذا يتطلب لغة حانية، تشعر الشعب بأن المسئولين على قدر المسئولية فى خطابهم للشعب، وأنهم يشعرون بل يشاركون الشعب مآسيه ومشكلاته، وقد أجمل القرآن الكريم طريقة الخطاب فى قوله تعالى «وقولوا للناس حُسناً»، لا أن يقول كما قالت ملكة فرنسا لشعبها -فى التاريخ- إن لم يجدوا خبزاً «عيش» مايزعلوش، ويأكلوا بسكويت أو كرواسا»، أنا أوجه حديثى هذا لجميع المسئولين حتى ينجو الوطن. لغة ملكة فرنسا هى لغة الإقطاعيين والمستكبرين، ولغة المسئولين الذين لا يحسون بالآخرين، وهى مسمار فى نعش أى نظام مستبد فاسد، ولكن نحن اليوم فى مصر فى مرحلة جديدة، بعد ثورتين مجيدتين، كما يشير الرئيس السيسى دائماً فى خطاباته العديدة، رغم أن بعضهم لا يزالون يعيشون فى الماضى، ويصفون الثورتين بأوصاف بعيدة عن الواقع كل البعد، وإذا كنا نحتاج إلى ثورة دينية ضد العنف والتشدد والغلو، فإننا بحاجة إلى ثورة فى الخطاب عموماً، خصوصاً خطاب من يتعامل تعاملاً مباشراً مع الشعب، فيواسيه على مصائبه، ويعطيه الأمل فى مستقبله، والثقة واليقين فى الأجر فى الآخرة، إن لم يجده فى الدنيا. أنا أدرك أن اللواء عاطف يعقوب لم يقصد الإهانة، وأعرف أنه رجل عملى بخلفيته العسكرية والأمنية، وقد يكون كلامه هذا، كما اعتاد فى توجيه الجنود لمواجهة المشكلات والتحديات التى يواجهها رجال الأمن والقوات المسلحة فى الأماكن الصعبة، وليس فى المدن مثل القاهرة، حتى يخشوشنوا، كما جاء فى الحديث الشريف «اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم». هل من المعقول أن نسمع من وزير التموين الذى أحبه الناس لتحسين منظومة الخبز، نسمعه يقول «الطماطم طول عمرها مجنونة ويتذبذب سعرها باستمرار»، ولماذا لا يكون التذبذب من جنيه إلى ثلاثة بدلاً من خمسة جنيهات إلى عشرة أو أكثر؟ لماذا لا يكون الجنان فى الطماطم مقبولاً، وإلا فعلينا أن نودع الطماطم مستشفى المجانين، وينعم الجميع بهذا المصير فتستريح ونستريح. فكرتنى تلك الواقعة التى تحتاج إلى حل سريع بالشيخ إمام وهو يغنى قصيدة للشاعر أحمد فؤاد نجم عن الفول واللحمة، يقول فيها: «عن موضوع الفول واللحمة صرح مصدر بيه مسئول إن الطب اتقدم جداً والدكتور محسن بيقول إن الشعب المصرى عموماً من مصلحته يقرقش فول». وعندما اقتنع الشعب بنصيحة الدكتور محسن، لم يجد الفول، أو لم يجد ما يشترى به الفول، أرجو أن نحس جميعاً بإحساس الآخرين من الفقراء والمساكين، الذين إن أعطيناهم حقهم فى الزكاة وقضينا على الفساد، فسيأكلون طماطم وبطاطس وبامية مهما ارتفعت الأسعار، ووالله العظيم سيأكلون لحمة كل يوم. والله الموفق