على الأرصفة يجتمعون جالسين القرفصاء أمام "عدتهم"، مع بزوغ الشمس يتناقلون في ما بينهم آخر الأخبار التي تلقتها آذانهم من أجهزة التلفاز وممن تعلّم منهم في كُتّاب قريته أو المدرسة قبل قدومه إلى القاهرة، في انتظار "الرزق". إلا أن كثيرين منهم لم يسمعوا عن "عيد العمال". الابتسامة لا تفارق وجه الشاب الثلاثيني، وهو يحمل على كتفه "شيكارة أسمنت" من السيارة، لإدخالها إلى المخزن الذي يعمل به في حي الدقي، وعلى الرغم من أنه نال من التعليم "القليل"، توقف عند المرحلة الإعدادية، إلا أنه لم يسمع يومًا عن عيد العمال. سيد إسماعيل، اضطر إلى مغادرة الفيوم قبل أكثر من 10 أعوام بحثًا عن لقمة العيش في القاهرة، إلا أنه في نهاية رحلته وجد نفسه عاملًا باليومية في أحد مستودعات الأسمنت. يتقاضى نظير عمله راتبًا لا يكفيه هو وعائلته الصغيرة: "أنا كمان بتعالج ومش لاقي أصرف على بيتي ولازم اشتغل كل يوم عشان أعرف أعيش". "معرفش إن فيه حاجة اسمها عيد عمال أصلًا"، يقول سيد، وظروف عمله جعلته يعمل طيلة أيام الأسبوع لأكثر من 8 ساعات: "أنا بشتغل نظام اليوم بيومه، ولو في يوم قعدت في البيت مش هلاقي اللي يصرف عليا ويعالجني"، فعيد العمال بالنسبة له يوم عادي يستيقظ فيه باكرًا ويذهب إلى مستودعه في الوقت المناسب ليبدأ في رفع "شكائر الأسمنت". في الساعات الأولى من الصباح، يجتمع العشرات من "الفواعلية" في ميدان العباسية، وحين تقترب إليهم إحدى السيارة يهرول إليها العمال: "عايز فواعلية يا أستاذ"، يشير صاحب السيارة إلى اثنين منهم بالصعود بعد أن اتفق معهم على الأجر وطبيعة العمل. "الناس مبسوطة والحمد لله، إحنا بس مش عايزين غير أن البلد تستقر والإرهاب يخلص" بتلك الكلمات بدأ عم منصور، كبير العمال بالعباسية،حديثه إلى "الوطن"، وأكد أنه يعرف جيدًا أن أول مايو هو عيد العمال على مستوى العالم وليس في مصر فقط: "عيد العمال السنة دي جاي يوم جمعة وهو اليوم اللي فيه عمال كتير بيرتاحوا من الشغل، لكن مافيش حد بيهتم بيه ولا يعرف عنه حاجة إلا قليل جدًا". يصر "محمد"، إلى يقف إلى جوار "منصور"، على أن عيد العمال هو يومي الجمعة والسبت بينما يختلف معه زميله الذي يرى أن عيد العمال ثلاثة أيام هي الخميس والجمعة والسبت، إلا أن الجميع اتفق على أن هذه الأيام لا تعنيهم في شيء، فهي أيام طبيعية جدًا في عملهم، سيستيقظون مبكرًا يحملون عدتهم ويتوجهون إلى الرصيف في انتظار الزبائن، ثم ينصرفوا آخر النهار إلى منازلهم. "إحنا بنشتغل يوم آه وخمسة لأ.. لازم المسؤولين وأصحاب الشركات يحسوا بينا ويوفرولينا شغل زي الناس".. تلك كانت كلمات محمد، الذي لم يتجاوز الثلاثين من عمره، والذي يرى أن الدولة ملزمة أن توفر له عمل أو تحدد له راتبًا شهريًا ولو بسيطًا يتقاضاه كل شهر، تعويضًا عن تلك الأيام التي لايجد فيها محمد شغل. وسط مجموعة من العمال يُجمّلون رصيف أحد شوارع العباسية، يقف رجل يرتدي جلبابًا بسيطًا، يُمسِك في يده كوبًا من الشاي، وهو كغيره من العمال لا يعرف شيئًا عن عيد العمال، سوى أنه عيد يمنح فيه الموظفون إجازة ويأخذون العلاوات، أما هم فيستمرون في العمل الشاق بحثًا عن لقمة العيش: "لو قعدنا في البيت في اليوم دا هنموت من الجوع".