عندما ترى أن أعداءك يعملون جاهدين لمنعك من القيام بعمل ما، ينبغى أن تبذل قصارى جهدك لتنفيذ هذا العمل على أكمل وجه، فمحاولاتهم لمنعك هى أكبر دليل على فائدة هذا العمل لك! لا شك أنه لا صوت علا على صوت المؤتمر الاقتصادى فى الأيام الماضية وما سيجلبه لمصر من استثمارات خارجية افتقدناها كثيراً، التى تعتبر -فى ظل محدودية الموارد- طوقاً للنجاة من الانهيار الحاد الذى أصاب الاقتصاد المصرى خلال الأعوام القليلة الماضية. ولا شك أيضاً أن الضغوط التى تمت ممارستها على كثير من الدول لخفض التمثيل الدبلوماسى لبعثاتها فى هذا المؤتمر ومحاولات الإخوان المستميتة لزعزعة الأمن وتصدير حالة عدم الاستقرار الداخلى فى البلاد إلى الخارج لا تعنى إلا شيئاً واحداً أن المؤتمر قد حمل فائدة حقيقية لمصر، وأن نجاحه كان واجباً قومياً على كل وطنى مخلص، وأن كل من تمنى فشل المؤتمر الاقتصادى أو التهوين من نتائجه هو مريض نفسى بلا شك، يحتاج للعلاج فى مصحة نفسية محترمة ليعود للتعايش مع المجتمع! المشكلة تتمثل فى أمرين مهمين ينبغى أن يتم طرحهما فى صراحة وشفافية من قبل الحكومة خلال الأيام المقبلة، حتى لا نقع فى الفخ المعتاد حين يرتفع سقف الطموحات إلى آفاق عالية، ثم نصطدم بالواقع فتنهار أحلامنا دفعة واحدة. الأمر الأول أن فوائد هذا المؤتمر لا يمكن الشعور بها إلا بعد فترة ليست بالقصيرة، فالترويج للمؤتمر من الحكومة قد جعل الكثيرين يظنون أنه بمجرد الانتهاء من فعاليات المؤتمر سنجد تحسناً غير مسبوق لحالة الاقتصاد، وسنجد الجنيه المصرى قد قارب على الدولار، وهو أمر غير صحيح بالمرة، فجذب الاستثمارات الخارجية سيحتاج فترة زمنية طويلة نسبياً، كما أنه قد يؤثر فى بدايته على الصناعة المحلية، وسيخلق جواً تنافسياً فى السوق المحلية -يصب حتماً فى صالح المستهلك- ولكنه لا يصب فى صالح المستثمر المصرى الموجود بالفعل، فالاستثمار الأجنبى لا يرتبط بالضرورة بارتفاع معدلات تشغيل العمالة -إلا إذا تمكنت الحكومة من ضبط تلك النقطة تحديداً- كما أن حجم الاستثمار الخارجى الضخم الذى تم الإعلان عنه لم يوضح ما إذا كانت تلك الاستثمارات جديدة أم مجرد سيطرة على الموجود بالفعل، مما يجعلنا نعتقد أننا سنرى الكثير من الأصوات التى ستطالب بالرأفة مع أصحاب الصناعات والمشروعات القائمة. والأمر الثانى أن جذب الاستثمار الخارجى لا يقف عند حد الودائع والاستثمارات المطروحة، بل هى عملية مستمرة تتكاتف فيها أجهزة الدولة مجتمعة، وتلقى عبئاً ثقيلاً على الحكومة لتنفيذ متطلبات المستثمر المستمرة، وتذليل الصعوبات المتراكمة التى أثقلت الجهاز الإدارى فى مصر لعشرات السنين، ولهذا فالخوف فى الأيام المقبلة ليس من حجم الاستثمارات أو عوائدها بقدر الخوف من التقاعس الحكومى المعتاد، وروتين الكاتب المصرى الجالس القرفصاء، الذى يمكنه أن يدمر كل ما جلبه المؤتمر لمصر من فائدة، ولذا ينبغى أن يكون التركيز خلال الأيام المقبلة على معالجة هذا القصور، والإطاحة بكل من يحاول إعاقة الانطلاق. مما لا شك فيه أن مصر بعد هذا المؤتمر لن تعود كما كانت، فقد استطاعت مصر أن تقدم صورة مشرفة أمام العالم، واستطاع النظام المصرى أن يثبت أنه لا يترنح بالمرة، بل إن العديد من المحللين السياسيين أعلنوا أن الترنح قد أصاب الإدارة الأمريكية، وأن الملف المصرى لديها أصبح شوكة الظهر التى قد تعصف بمستقبلها، وأن القلق على مستقبلنا الاقتصادى أو ملف علاقاتنا الخارجية قد انحسر بصورة كبيرة، ولا يتبقى إلا القليل -أو الكثير- من التعديلات فى ملف الحريات وحقوق الإنسان لننطلق إلى أفق جديد، وننافس لنكون «قد الدنيا» بالفعل! لقد عانى هذا الوادى الطيب كثيراً، وآن له الأوان لكى يبدأ فى بناء دولة محترمة قوية، فهل سنستطيع؟ حفظ الله مصر