خطب السفاح الداعشى قبل أن ينحر رقاب 21 مصرياً خطبة صلى فيها وسلم على النبى محمد الذى بُعث بالسيف رحمة للعالمين. كانت العبارة صادمة لبعض المسلمين الذين لم يسبق لهم الاستماع إلى أحاديث السيف والذبح، وكانت بالنسبة لآخرين تحصيل حاصل، وأقصد بالآخرين أبناء الفصائل والجماعات الإسلامية المختلفة الذين تربوا على هذه المقولات، وكان موقف فريق ثالث هو التشكيك فى أن يكون هذا الكلام صحيحاً فى نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، محمد الذى خاطبه الله قائلاً: «وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ». بدايةً علينا أن نفهم أن كتب السيرة والحديث تشتمل على كلام عن الذبح والسيف. وما احتج به السفاح الداعشى مسطور فى بطون هذه الكتب. ولو أنك راجعت واحدة من أقدم السير التى حكت رحلة النبى صلى الله عليه وسلم، مثل السيرة الحلبية، فسوف تجد فيها تلك العبارة الخطيرة، عبارة «جئتكم بالذبح». يحكى صاحب هذه السيرة أن سادة وكبراء مكة اجتمعوا ليبحثوا فى أمر محمد الذى سفّه آلهتهم وعاب أحلامهم فقالوا: «ما صبرنا لأمر كصبرنا لأمر هذا الرجل قط، ولقد سفّه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرّق جماعتنا، وسبّ آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم. فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشى حتى استلم الركن، ثم مر طائفاً بالبيت، فلما مرّ لمزوه ببعض القول، ثم مرّ الثانية فلمزوه بمثلها، ثم مرّ الثالثة فلمزوه، فوقف عليهم، وقال: أتسمعون يا معشر قريش، أما والذى نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح، فارتعبوا لكلمته صلى الله عليه وسلم تلك، وما بقى رجل منهم إلا كأنما على رأسه طائر واقع فصاروا يقولون: يا أبا القاسم انصرف، فوالله ما كنت جهولاً، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم». وقد تكررت هذه القصة بذات النص فى كتاب الكامل فى التاريخ ل«ابن الأثير». وفى الحديث الشريف روى الإمام أحمد فى مسنده عن عبدالله بن عمر الذى روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَى السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِى تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِى، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِى، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ». نحن إذن أمام فكرة موجودة فى كتب السيرة والحديث، فكرة تؤسس لأيديولوجية السيف، وتؤصل لموضوع «ذبح» الآخر، سواء كان هذا الآخر مخالفاً فى العقيدة، أو مخالفاً فى الاعتقاد، أو بعبارة أوضح، سواء كان هذا الآخر على دين أو ملة أخرى ورفض الدخول فى الإسلام، أو كان مسلماً لا يريد الرضوخ لأفكار من يمسك بالسيف ويملك أن يحز رقبته. وللإنصاف فإن الدواعش ومن يدور فى فلكهم ليسوا أصحاب براءة الاختراع، بل هم مجموعة من الورثة الذين تلقفوا فكرة «مزيفة» أنبتها الصراع على السلطة فى تاريخ المسلمين، وأكسبها الفقهاء وكتّاب السيرة وجاهة نصية، بعد أن تم حشو بعض كتب التراث بها، خدمة لسلاطين السيف، ليستثمرها بعد ذلك هواة الخروج على السلاطين، فرفعوا هم الآخرون السيوف، ولو تأمل أحدهم القرآن الكريم أو راجع مجمل السيرة النبوية الشريفة لأدرك وجه «الزيف» فى الارتكان على «السيف»!