أفاقون يحسنون الكذب، يحيطون بنا، يترصدوننا أين مضينا، يتنفسون معنا وقد يلجون غرفة نومنا ويترشفون سمعتنا ويمضغون أخبارنا، صرنا لهم هدفا ولهفة، فالفراغ لديهم أكبر مما نتخيل، يتعقبوننا حتى فى مشاعرنا وأحاسيسنا ويعتملون في صدورنا، يحاولون أن يعروننا ويهيمون حولنا. يلتقطون أنفاسنا وينتظرون هفواتنا ويعشقون وهم أسرارنا الكبرى. لا خلاص منهم إلا بتجاهلهم، فهم أسرى للفراغ وللعبق القديم لوسط البلد، إنهم تماثيل غير نظيفة الملمس والجوهر ، تلك الأمثلة من الكُتاب ليس لديهم شغف الفراغ الذي يعانى منه آل وسط البلد، لا ننكر وجود كُتاب بحق هناك يشرعون فى ترتيب عمل روائي أو التواصل مع صحفي ما لإجراء حوار أو نقاش مشروع ما للمصلحة، وقد تجدين العديد من الصحفيين كذلك يبحثون عن لقمة عيشهم ولا ضير، ولكن الباقي تنطبق عليهم رؤية الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد: الكل ناقد، وإن كنت أحب أن أضيف الكل "ناقم"، نعم ناقم من نجاح الآخر وانتشاره بينما هو صديق لطبقات التراب المتراكمة فوق ملابسه وبيته وسريره، إنه العفن الفكرى. إنهم مثل رجال اليسار فى السياسة، ما زالوا متوقفين عند إنهيار الإتحاد السوفيتي وسقوط حائط برلين، لا يعرفون شيئاً عن العولمة ونهاية التاريخ وثورة يناير وداعش المزعومة، فهم داعش الجديدة، القسوة فى الفعل للظهور الأوبرالى وفقط. من المعلوم أن السياسة تأكل الصحافة، والصحافة تأكل الأدب، ولا مكان حقيقي لسياسي فى عالم الأدب ولا مكان لصحفي فى عالم الأدب، سوى بالخضوع والتركيز فى الأدب والتفرغ له، إن إنسان وسط البلد يمارس الثلاثة ليل نهار فى تركيبة مجنونة وفى الثلاث حالات لديه يقين الصواب. و القسوة هى في واقع قلوبهم وقناعاتهم بإنهم "آلهة الرواية ولغة الضاد وحراس الثقافة فى مصر"، بينما هم "داعش الجاهلية وليست الثقافية"، إنهم يسخرون منا وقد يدهشون لفعلنا أحياناً، لحظة عصياننا لهم يرتبكون ولا يجدون بدا من رسم ملامحنا من جديد ليخلقون منا وهما ما، يبنون أحلامنا وشخصياتنا وحياتنا وفق منظورهم المتيبس، وعندما نتحول بين أصابعهم إلى عجينة مستعصية يتسمرون فى حيرتهم، يتابعوننا فى صمت إلى أن يجدوا منافذهم إلينا، وفى كل خطوة نجاح تزداد حيرتهم وتنبري ألسنتهم. فالناقم لا يعرف طريق السعادة، والناقد لا يعرف كلمة جيد أوأحسنت، وآل وسط البلد أسرى لميراث ثقيل من الأوهام المتجددة، فلا أمل فى تغيير قناعات داعش الفكرية على كافة المستويات والأقطار والرؤى هؤلاء هم اللون الرمادى من الدواعش ، فلا هم معنا ولا هم معهم ، لا يعجبهم شىء مما نفعل ، ولا يعرفون سوى شعار يسقط كل شىء ، فالهدم أسهل ألف مرة من البناء ، لا تعجبهم أنظمة ولا سياسات، يعشقون التنظير، شاخوا على ذلك وسيموتون كذلك على نفس اللون ، الرمادى حيث بين البين.