كعادته المفضلة يجلس الأسطى سيد فؤاد فى ورشته الصغيرة، يدور من حوله صوت التلفاز على آيات القرآن الكريم، ليغلفه بحالة من الهدوء ويعطيه مساحة من الخيال للخروج بتصميم أنيق يزداد جماله كلما أفاض عليه من قطع الصدف المتلألئ، ليزيد من عراقة مهنة المشغولات الصدفية، ويظل سحرها ينعكس فى عينى من يراها، وكلما مر الزمان حرص أسطوات «القاهرة الإسلامية» على إحيائها. أكثر من 30 عاماً قضاها الأسطى سيد فؤاد، وشهرته «حمادة»، فى مهنة المشغولات الصدفية، بدأها من الطفولة حين ذهب برفقة شقيقه إلى الورشة التى عمل بها فتعلق قلبه بالمهنة التى ترتكز على الدقة والمهارة الفنية، ومن وقتها بدأ فى رحلة تعلمه أصول الحرفة من الأسطوات «مفيش حد ماتعلمتش منه.. وكل أسطى له طريقة». «تطعيم الأخشاب بالصدف» وصف بسيط لخص به الأسطى الأربعينى مهنته، لكنها ليست بالأمر الهيّن، فهى تنبض بالكثير من التفاصيل الهندسية الدقيقة، وتحتاج إلى صبر ومساحات واسعة من الخيال الفنى، إذ أوضح «سيد» فى حديثه ل«الوطن»: «أى شكل بنصممه من الخشب بيكون مبنى على زوايا هندسية.. وبعدين بنعمل تطعيم من الصدف، وممكن مواد طبيعية تانية أو أحجار كريمة». الصنعة تمر بمراحل متعددة والبداية من التقطيع ونحصل على الصدف من قاع البحر أو النيل مراحل فنية كثيرة تمر بها المشغولات الصدفية تحدّث عنها الأسطى الأربعينى، موضحاً فى البداية خامة الصدف التى يتم استخراجها من مياه البحر أو نهر النيل: «الصدف بيكون من البحر الأبيض اسمه بيت اللؤلؤ.. وفيه صدف بنجيبه من البحر اسمه محار»، وتتراوح أسعار شرائه من ال1200 إلى 1300 جنيه. يحصل «سيد» على ما يحتاجه من الصدف، ثم تأتى عملية التقطيع إلى أشكال هندسية دقيقة، حسب القطعة الفنية المطلوب تصميمها، يتم رسمها على الأخشاب الطبيعية من الأبانوس أو «عضم» الجمل وغيرهما، ومن ثم عملية التطعيم بالصدف على الشكل المطلوب. «طاولات.. علب.. إكسسوارات» وغيرها من المشغولات الصدفية ينتجها الأسطى الأربعينى داخل ورشته الواقعة فى شارع سوق السلاح فى الدرب الأحمر، تختلف مدة تنفيذها، إذ تتراوح من أيام معدودات إلى أسابيع، فضلاً عن تطعيم بعض الأدوات المنزلية ليضفى عليها لمسات فنية خاطفة للأنظار: «ممكن أطعّم بالصدف أطباق أو كوبايات أو صوانى.. وكمان فيه ألعاب بعملها بالصدف». مدارس مختلفة فى التطعيم، فلكل شيخ طريقته المميزة، لكن «سيد» يعتمد على طريقة يحاول بها جذب الزبائن: «بكون حريص أعمل شغل بتصميم حلو وتطعيم أقل عشان يكون السعر مناسب» إذ تختلف أسعار المشغولات الصدفية حسب ما تحتاجه من تطعيم: «الأسعار ممكن تبدأ من 3000 جنيه.. وأحياناً 5000 جنيه»، ويمكن أن يصل السعر إلى ملايين الجنيهات «لو حد عاوز يعمل أوضة نوم بالصدف.. دى ممكن توصل ملايين». إبداع «سيد» فى مهنته اليدوية وحرصه الدائم على إحيائها ربما كان دافعاً قوياً لاشتراكه فى ترميم محراب مسجد المارادنى الأثرى، إذ أسندت إليه المهمة بعدما نجح فى رسم العينة الخاصة بالمحراب، وعلى مدار عام وعدة أشهر نجح الأسطى الأربعينى فى بناء محراب المسجد الأثرى بنفس تصميمه القديم «أكثر الأعمال المقرّبة ليا.. فخور إنى اشتركت فيه». تحديات كثيرة تواجهها مهنة المشغولات الصدفية، لكن تعلق الأسطى الأربعينى بها يدفعه إلى الاستمرار والإبداع، فهى المهنة التى قضى فيها سنوات عمره «ماقدرش أستغنى عنها.. وعيت على الدنيا لقيت نفسى شغال فيها وهفضل مكمل فيها».