فى أعماق البحار.. يتسابق الغواصون لاستخراج الأصداف بأشكالها وأنواعها وألوانها المبهجة، فمنها الأحمر والأزرق والأبيض تأتى من مناطق مختلفة مثل مصر وأستراليا واليابان وغيرها، لتتلقاها الأيدى داخل ورش المشغولات الخشبية المنتشرة بمناطق الباطنية والدرب الأحمر، حيث يتم تنظيف الأصداف وتقطيعها لتطعم بها العلب والكراسى والمناضد والمصاحف والعصى لتتحول كل قطعة إلى تحفة فنية رائعة، ورغم انخفاض أعداد العمالة وارتفاع أسعار الخامات وقلة المبيعات إلا أن هذه الحرفة لا تزال تقدم إنتاجها الفني الذى يحلم صناعها بأن تجد مكانًا فى بيوت المصريين والأعمال الدرامية. محمود درغام فى بازارات منطقة خان الخليلى تنتشر المشغولات الخشبية المطعمة بالصدف بأشكالها وأحجامها المختلفة التى تعكس دقة وحرفية الأنامل الفنية التى صنعت تلك التحف الرائعة، وداخل أحد البازارات قابلنا تامر رضا الذى قال إنه وأخاه توارثا تلك الحرفة عن والدهما الراحل، وأنهما منذ عام 2011 حتى الآن يعانيان من ضعف حركة البيع والشراء وقلة الأيدى العاملة، وذلك لأسباب عديده منها تحول البعض للعمل فى مهنة قيادة التوكتوك لتحقيق مكسب يومى سريع، إلى جانب الاضطرابات التى شهدتها البلاد خلال تلك الفترة وأخيرًا وباء كورونا، وعن خطوات التطعيم بالصدف، يقول «تامر» إنه يتم إحضار الصدف من البحر، ثم يتم صنفرته وتقطيعه لشرائح من خلال الماكينة، بعد ذلك تُقطع الشرائح للأشكال والأحجام المطلوبة سواء مثلثات أو مربعات أو مسدسات أو مثمنات، ومشغولات الصدف ثلاثة أنواع منها ال «عادة» وهو الذى يُستخدم فيه تقليد الصدف ويتراوح سعر المنتج النهائى منهما بين 40 و50 جنيها و«اللوكس» وهو خليط بين الصدف الطبيعى والتقليد ويكون سعر المنتج النهائى ما بين 200 و300 جنيه وأخيرًا «السوبر لوكس» ويتكون من صدف طبيعى صافٍ ويتجاوز سعر المنتج منه 1000 جنيه، وعن الأخشاب المستخدمة يقول إنهم يعملون فى العادة على نوعين من الخشب هما «الموجنة» و«الزان» إلا أنه بسبب الظروف الحالية فإنهم يستخدمون الخشب الأبيض بهدف تقليل التكلفة. وأضاف تامر رضا، أن أنواع الصدف المستخدمة فى تلك المشغولات كثيرة منها الإندونيسى والاسترالى واليابانى والأبيض الذى يستخرج من الشواطئ المصرية، وهناك أكثر من شكل زخرفى يمكن تصميمه فى مشغولات الصدف مثل النجمى والمثمنات العربية والمسدسات والمربعات والمثمنات المربوطة و«الستاشرى» – التى تزين ورقة العشرين جنيه – والاثنين وثلاثين، مشيرًا إلى أنه لا بد من إعادة إحياء ثقافة الشعب المصرى التراثية وذلك من خلال احتواء كل بيت على ركن يضم عددًا من منتجات خان الخليلى مثل الأباريق والصوانى النحاسية والبراويز والمشغولات الصدفية، مؤكدًا أن دولاً كثيرة تقوم بالدعاية لمنتجاتها من خلال الدراما، فأين الدراما المصرية من الدعاية للمنتجات التراثية؟ إن وجود المنتجات التراثية فى ديكورات الأعمال الدرامية ستجعل عيون المشاهدين معتادة على وجودها كجزء من المنزل وبالتالى سيعملون على شرائها لتزيين بيوتهم. صينية شاى من الخشب ومن خان الخليلى اتجهنا إلى «الباطنية» حيث توقفنا أمام إحدى ورش الصدف، وهناك قابلنا أحمد الذى كان يعمل على تصميم «صينية» شاى من الخشب فقال إن عمله هو المرحلة الأولى فى شغل الصدف فبعد وصول الخشب من عند النجارين يقوم بتحليق الخشب أى وضع إطار للأرضية الخشبية ثم يحدد لزملائه الأماكن التى سيتم تطعيمها بالصدف وبعد ذلك يذهب المنتج للنجار ليركب فيها اليدين، وأنهم يستخدمون العديد من أنواع الخشب مثل الزان الأحمر والخشب الأبيض والخشب الضغط ويتم تحديد النوع حسبما يطلبه الزبون فإذا أراد منتجًا قيمًا يتم استخدام خشب الزان، وفيما يخص الصدف فإن أفضل الأنواع هو الأزرق والأبيض، وداخل نفس الورشة قابلنا أحمد عيد الذى كان يقوم بتطعيم منضدة خشبية بالصدف وقال إنه يمثل المرحلة الثانية فى الشغل، مضيفًا أن شكل المنتج وزخرفته يحددهما الزبون فهذا الشكل يُدعى «ستاشرى» لأنه مكون من 16 زخرفة، وبعد الانتهاء من التطعيم يتم صب مادة سائلة لسد الفراغات ثم يتم صنفرتها لمساوات السطح وفى النهاية يتم تلميعها بواسطة «الاستورجى». سلة قمامة مرصعة وداخل ورشة محمد رضا الواقعة بمنطقة الدرب الأحمر قابلنا محمد جابر العامل هناك والذى قال إن تلك الورشة كانت تعج بالعاملين لكن نتيجة وباء «كورونا» وانخفاض السياحة تم تخفيض العمالة ليصبحوا اثنين فقط، مشيرًا إلى أن وظيفته هى تجهيز الخشب وتصميم الشكل ولصق الصدف عليه فعلى سبيل المثال تلك «صينية» شاى من الخشب مكونة من ثلاثة مقاسات، تم تركيب الإطار الخشبى لها وبعد ذلك سيتم تطعيمها بالصدف، وأضاف أنهم يصممون كل الأشكال والأنواع مثل الموبيليا والعلب والشطرنج وعلبة المصحف وجميعها من الصدف، حتى أنهم صمموا سلة قمامة مطعمة بالصدف، وعن الأنواع التى يستخدمونها قال إنها كثيرة مثل الاسترالى واليابانى والعُمانى والمحار الأبيض والأحمر والصدف الأبيض و«الأراسيك» و«الثريديا»، وهناك أيضًا بعض الخامات الطبيعية مثل ظهر السلحفاة وسن الفيل وعظم الجمل والأبانوس وخشب الورد والعاج، مؤكدًا أن الزبون هو الذى يحدد الشكل ونوع الخامة التى تُستخدم فى التطعيم سواء نصف لوكس أو لوكس أو سوبر لوكس، وداخل نفس الورشة قابلنا الحاج سعيد رمضان وهو المسئول عن تقطيع الصدف، فقال إنه يقوم أولا بتنظيف الصدف وصنفرته حتى يصل إلى سُمك معين ثم تبدأ عملية تقطيعه إلى شرائح ثم تشكيله إلى أشكال مثمنة ومسدسة وغيرها من أشكال يتم استخدامها فى تطعيم الخشب.