طالب الرئيس السيسى بثورة دينية تنقذ الإسلام مما علق به من شوائب نتيجة أفعال شراذم ممن يدّعون أنهم مسلمون وما هم بمسلمين، تلك الأفعال التى لا يقرها الإسلام من قتل الآمنين واغتيال المخالفين وحرق وتدمير طال شعوباً مسلمة مؤمنة بالله وتشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. كما امتدت شرور تلك الطغمة الضالة إلى شعوب أخرى، ومن ذلك جريمة قتل العاملين فى صحيفة فرنسية الأسبوع الماضى وما تبعها من قتل شرطية ورهائن بدعوى الانتقام للرسول محمد عليه الصلاة والسلام نتيجة نشر الصحيفة رسوماً مسيئة للرسول الكريم، ثم انتهى المشهد بقتل الذين قاموا بهذا الفعل، والأهم من قتلهم هو تأليب العالم ضد الإسلام والمسلمين وإثارة الشعوب المتضررة من أفعال الإرهابيين ضد كل ما هو إسلامى. هذه الثورة المبتغاة فى الفكر الدينى تستهدف إحداث ثورة سلوكية للمسلمين بما يتفق مع صحيح الدين الإسلامى السمح بلا غلو ولا تشدد، وعودة إلى القيم الإسلامية التى دعا إليها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يتبع تلك الثورة الفكرية والمسلكية إحياء القيم والثوابت الوطنية التى تحمى الوطن وتحقق تماسكه فى نسيج واحد يسعى إلى ازدهاره وتنميته. ونأمل أن يتحقق عن تلك الثورة إحياء منظومة القيم الإسلامية التى تضم: الصدق، الوفاء، الأمانة، الإخلاص، قوة الإيمان، التكافل والتكاتف وعمل الفريق، إعمال العقل والتفكر والتدبر واستثمار العلم، الانتفاع بالوقت والاتعاظ بالزمن، وهذا قليل من كثير نتمنى أن يعود المسلمون إلى التأسى به والحرص على احترامه والعمل به. والخطوة الأولى فى الطريق إلى تلك الثورة هى تجديد الدعوة إلى قيام مؤسسة الرئاسة بتشكيل «المجلس الوطنى للدفاع الفكرى والثقافى» الذى يتولى تخطيط والإشراف على تنفيذ برنامج وطنى شامل لإحداث الثورة الفكرية المستهدفة بناء على رصد مصادر الأفكار الخاطئة والاجتهادات المضللة التى تروج بين شباب الأمة وينفخ فيها تجار الدين من المتأسلمين والداعين إلى تكفير المجتمع. وتأكيداً لضرورة تكوين ذلك المجلس اقتناعنا بأن الأزهر غير مسئول وحده ولا يبدو متحمساً لدعوة الرئيس التى يتبناها كل المخلصين والحريصين على نقاء الفكر الإسلامى، تعقيب شيخ الأزهر على خطاب الرئيس السيسى ليلة الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف حيث قال: «وفى ختام كلمتى أُؤكد للمصريين والمسلمين جميعاً أن الأزهر الشريف بكلياته ومعاهده وهيئاته العلمية إنما يعلمكم عقائد دينكم وشرائعه كما أرادها الله خالصة نقية من تحريف الجاهلين وتضليل المضلين، ويأخذُ بأيديكم إلى طريق مستقيم مجمع عليه، ويُنجيكم من كل فكر ضال منحرف غير مختلف عليه». ويُقترح أن يضم المجلس ممثلين لكل الجهات التى تجمعها المسئولية الوطنية عن تطوير الخطاب الدينى وتحرير العقل المصرى من آثار الدعوات الشيطانية التى تسيطر على عقول الإرهابيين والمشايعين لجماعات التكفير والإرهاب، وفى مقدمة تلك الجهات: الأزهر بعد إعلان استعداده لحمل أمانة التطوير والتحديث الذاتى، ووزارات الأوقاف والتربية والتعليم والتعليم العالى، ووزارتا الثقافة والشباب والرياضة، فضلاً عن وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة سواء التى تملكها الدولة أو الخاصة. وللأحزاب والقوى والتيارات السياسية وأساتذة الجامعات دور مهم فى هذه الثورة الفكرية. كما يجب تمثيل منظمات المجتمع المدنى و«المنظمات الحقوقية» الوطنية للمشاركة فى واجب ومسئولية الدفاع عن الوطن والمساهمة بالفكر والرأى والعمل الفكرى والتربوى والإعلامى فى مقاومة الجماعات الإرهابية. وسيكون من أهداف المجلس المقترح التخطيط لتصحيح المفاهيم الدينية والسياسية والقيم المجتمعية التى تشوهها أعمال الجماعات الإرهابية، وتخطيط مسارات تطوير وتحديث مناهج التعليم على كافة المستويات ومراجعة مناهج التعليم فى الأزهر وكلياته ومعاهده ومدارسه وفى مدارس التعليم العام والجامعات لضمان تنقية تلك المناهج مما يشوبها من أفكار وتوجهات لا تتفق مع صحيح الدين الإسلامى، وإدماج مناهج وأنشطة تنمى الوعى الوطنى وتوضح وتؤكد مفاهيم الوطنية والوسطية فى الدولة المدنية الديمقراطية التى يبنيها المصريون. كما يحدد المجلس أسس ومحاور تطوير العمل الثقافى والإعلامى والشبابى لمؤازرة جهود تنقية المشهد المصرى فى جميع مجالاته السياسية والتربوية من شوائب وآثار جرائم الفكر التكفيرى الذى اعتنقه الإرهابى سيد قطب وقيادات مكتب الإرشاد للجماعة الإرهابية. ومن المنطقى أن يقوم المجلس المقترح بمبادرات حاسمة لحفز الشباب المضلَلين من أعضاء الجماعات الإرهابية على مراجعة مواقفهم وتبين الأخطاء الفقهية التى يتداولونها على أنها من صحيح الدين وهى ليست كذلك، مع تنظيم لقاءات مع أعضاء المجلس تتم فيها تلك المراجعات الفكرية. إن نتيجة أعمال المجلس المقترح ستكون إنتاج بناء فكرى يقوم على تبسيط وتوضيح منهج الإسلام الوسطى، وتوضيح منظومة العدالة الاجتماعية، وتأكيد قيم احترام والحفاظ على مؤسسات الدولة، وقيم المواطنة وسيادة القانون، وتوضيح البناء السياسى الوطنى والبناء الاقتصادى الجديد، مع إبراز أهمية تطوير السلوك الفردى والجماعى لبناء المجتمع المصرى الجديد والتحرر من آفات الفوضى فى مظاهر الحياة والتزام أنماط سلوكية تحابى النظام والأمانة والبعد عن الأنانية والتقيد بحدود القانون. على أن تنبثق عن المجلس لجنة وطنية مصغرة مهمتها الإشراف على تقديم ذلك الفكر الوسطى الجديد للمواطنين بأساليب تتناسب وخصائص المتلقين من جميع الأعمار والمهن والمستويات العلمية والاجتماعية، وكذلك متابعة تنفيذ البرامج المخططة تحقيقاً لأهداف الحرب الفكرية والثقافية ضد الإرهاب. إن الدعوة إلى الثورة الفكرية إن قُيِّض لها النجاح سوف تكون عاملاً مهماً فى إعادة بناء الوطن ولمّ الشمل وتنمية ودعم قيمة المواطنة وإشاعة الاطمئنان بين المواطنين وتحقيق العدل، وإذكاء ثقافة حل الخلافات والصراعات بالحسنى وإفشاء السلام المجتمعى.