الرؤى الجديدة الساعية للتجديد المجتمعى والإصلاح السياسى والمؤسسى عموماً، وفى إطار الفكر الدينى تبدأ بالأسئلة، وصياغة الإشكاليات، وتحديد الأزمات والمشكلات التى تواجه الفكر والمؤسسات الدينية والتعليمية. فى هذا الإطار نستكمل بعض أسئلتنا على طريق السعى نحو إصلاح الفكر والمؤسسة العريقة والتعليم الأزهري، وذلك على النحو التالي: هل هناك دراسة تاريخية وتحليلية لتاريخ الإفتاء فى مصر منذ نشأة دار الإفتاء وحتى الأن؟ وهل تم درس تاريخ الإفتاءات الغريبة أو الغرائبية أو وفق رأى بعضهم «الشاذة» والتى صدمت الرأى العام؟ وكذلك معالم التجديد الافتائى ومناهجه؟ هل هناك دراسات حول مناهج الدراسة فى كليات جامعة الأزهر الشريف؟ وهل هناك دراسة لتطور مناهج التعليم الأزهرى ما قبل الجامعية؟ هل هناك دراسة مقارنة حول التعليم الدينى فى إطار التعليم العام والجامعى المصري، وغيره فى جامعات الزيتونة، وفى المغرب، ثم فى بعض بلدان الخليج العربي؟ هل تمت متابعة تطوير مناهج التعليم الدينى فى الإمارات العربية المتحدة؟ هل توجد دراسات مقارنة حول نظم دراسة التعليم الدينى فى بعض البلدان الإسلامية، كتركيا؟ هل تم إعداد دراسات حول كيف يتم تدريس الإسلام العقيدة والشريعة والثقافة والقيم وتاريخه المستمر منذ البعثة المحمدية للرسول الأعظم - صلعم - حتى اللحظة التاريخية الراهنة - فى إطار برامج الدراسات الإسلامية حول ما يطلق عليه الشرق الأوسط وغيرها من الدول والمجتمعات الإسلامية فى العالم؟ هل هناك دراسات علمية وليست ضمن إيديولوجيا المذاهب لدراسة تكوين رجل الدين الفقيه والداعية والمتكلم والفيلسوف فى المذاهب الإسلامية الأخري؟ هل هناك دراسات حول تكوين المتخصصين فى الأديان المقارنة ومناهج الدراسة الحديثة والمعاصرة فى هذا الصدد؟ هل تم تقييم موضوعى لتجربة إصلاح الأزهر فى أفكار الأمام محمد عبده وتجربتى الإمام الأكبر مصطفى المراغي، ثم لدى الشيخ عبدالمتعال الصعيدي، والشيخ محمود شلتوت أمامنا ومولانا الأكبر وفقيهنا المبرز، ثم تجربة الإصلاح لدى د.محمد البهي؟، وذلك بعيداً عن الخلط بين المواقف الإيديولوجية والسياسية من المشروع الناصرى وسياسته الدينية، وموقفه من جماعة الإخوان المسلمين؟ هل تمت دراسه أثر العولمة والثورة الرقمية الهائلة وتطوراتها وانعكاساتها على التدريس والبحث فى الأديان عموماً، وعلى المؤمنين بها، وعلى أساليب ومناهج التعليم الدينى عموماً والإسلامى خصوصاً وعلى الأزهريين والأزهر الشريف وعلمائه الكبار؟ هل تمت دراسة سوسيو - دينية لظواهر التحول الدينى أو نكران الدين - والعياذ بالله - التى انتشرت خلال عديد من السنوات الأخيرة فى بعض البلدان العربية الإسلامية لاسيما فى أعقاب ما سمى مجازاً بالربيع العربي، ووصول بعض الإسلاميين إلى السلطة، وأثر بعض ممارساتهم الخشنة والمتزمتة والعنيفة على بعض الشباب - على قلتهم ومحدودية عددهم -، وهل ذلك يعود إلى أساليب التنشئة الدينية، أم إلى ممارسات بعض الغلاة والمتزمتين من بعض حركيو جماعات الإسلام السياسي، وبعض الممارسات الإرهابية التى تمارسها بعض هذه الجماعات فى المشرق العربى -سورية ولبنان والعراق - كداعش والقاعدة والنصرة، وبعض غلاة السلفية الجهادية ونظائرهم وأشباههم فى شمال أفريقيا، وليبيا، ومالي، وبوكو حرام فى نيجيريا..الخ؟ ما مدى تأثير ذلك على صورة الإسلام العظيم فى بعض الوعى والإدراك الغربى وكيف يمكن مواجهة هذه الظواهر الإيديولوجية الراديكالية والتنظيمية لجماعات تمارس العنف والإرهاب على المسلمين والمسيحيين فى المناطق السابقة؟ هل تمت دراسات سوسيو - دينية وسياسية واجتماعية وثقافية على هذه الجماعات، وما هى الأسباب الدينية والمذهبية فيما وراء «شرعنة» هذه الأفكار والسلوكيات العنيفة والإرهابية؟ هل تمت دراسات ذ أو أطروحات جامعية - حول الإسلام الأوروبى وفى الولاياتالمتحدة، ومشاكل عدم الاندماج الاجتماعى لدى بعض المسلمين وأسبابها ونتائجها على الأسرة المسلمة؟ هل تم بحث المجموعات السلفية الجهادية فى بعض البلدان الأوروبية، وعلاقتهم بما يتم فى مصر، وافغانستان ودول أخرى كالعراق وسورية.. الخ؟ هل تمت دراسة رصدية وتحليلية ونقدية حول بعض أطروحات التجديد فى الفكر الإسلامى فى العالم العربى خلال العقود الماضية، أو فى مناهج البحث والدراسة التى قام بها بعض أساتذة الدراسات الإسلامية؟ هل هناك دراسات تقويمية لموقف الإسلام من المواطنين المسيحيين وغيرهم، ومن الحرية الدينية، على نحو ما كتب بعمق ورصانة ورحابة الأستاذ الكبير المرحوم الشيخ عبدالمتعال الصعيدي؟ الأسئلة السابقة ليس هدفها التشكيك فى مسعى الأستاذ الامام د. أحمد الطيب الذى نقدره ونحترمه هو وصحبه الكرام من أكابر العلماء، ولكن نفتح الأبواب أمام رؤى جديدة وسياسة تعليمية تدفع نحو تطوير الأفكار وتحرير الأذهان من سيطرة العقل النقلى الذى ساد مراحل عديدة، وكى يستعيد الأزهر الجامع والجامعة والعلماء حيويتهم التاريخية، وذلك ليواجهوا تحديات وأسئلة عصرنا، وتبديد القلق والتوترات التى يعيش فيها المسلم المعاصر، والتى يحتاج إلى إجابات دعوية، وفقهية، وافتائية جديدة. أن بناء رؤيا جديدة يحتاج إلى تجديد فى المقاربات المنهجية التاريخية والتحليلية لمصادر عوامل إنتاج أزمة العقل النقلي، والاعتماد على الذاكرة الحافظة التى كانت تعبيراً عن عصورها، ولم تعد كافية بظهور وسائل الاتصال والمعلومات المتعددة الوسائط، وإمكانية استعادة المراجع، والفتاوي، والآراء الفقهية والمعلومات بمجرد لمسة على أى جهاز رقمي، ومن ثم لم تعد ذاكرة الحفظ وحدها كافية. أعتقد أن الامام الأكبر صادق فى نواياه، ويستصحب معه رؤيا إصلاحية وبعض صحبه من العلماء. وأتصور أنه يمكن له أن يعُد من الدراسات والحوارات التى تؤدى إلى إصدار وثيقة أو وثائق بعد حوارات مع من يرى من علماء الأزهر وآخرين حول الأزهر ورسالته فى عالم متغير، وإصلاح بنية العقل الإسلامى المعاصر، وطبيعة التحديات التى تواجه المؤسسة الوطنية العريقة. وكيف يمكن إيجاد السبل العلمية لمواجهتها؟ يمكن للأستاذ الأمام أن يسند ملفات بعض المشكلات التى تعترض الإصلاح الفكري، والمؤسسى والتعليمى إلى بعض الثقاة والأمناء فى تخصصاتهم، ثم يدور حوار موضوعى وعلمى حولها، ثم يكلف من يقوم بإعداد وثيقة رؤيا الإصلاح، والتجديد، وبرامج العمل المطلوبة كى تتحول إلى حركة وفعل وإنتاج وتغيير، يصب فى صالح الإسلام والمسلمين والمصريين جميعاً، وكى نواجه مصاعب ومتغيرات عصرنا. نثق فى الأستاذ الأمام د. أحمد الطيب- والاسم على المسمى - وفى قدرته على مواصلة مسار الإصلاح الأزهرى أسوة بأسلافه كبارأرادوا هذا الطريق الصعب! وستقف معه الأمة والدولة فى مسعاه النبيل. لمزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح