بجسده النحيل، وبشرته التي تغطيها خطوط الزمن، يقف عم نعيم في شارع زهراء المعادي، ممسكًا بين يديه مقشته المتهالكة التي لا تفارقه، يجمع "الطقة اليومية" لأولاده ال5 وأهل بيته، المكونة من فتات خبز وسط القمامة التي يجمعها طوال يومه، اللهم إلا بعض قطرات من الماء حتى يصبح أكثر رطوبة داخل جوفهم الظمآن. 70 عامًا هي سنوات عمره، التي ربما لا تجدها في بطاقته الشخصية، بقدر ما ستراها مرسومة على ملامح وجهه الشاحب، وتشققات يديه الخشنة، من آثار فرز القمامة التي اعتاد عليها، "الناس بتفتكرني زبال وتبع شركة نظافة، بس أنا على باب الله، واللبس اللي لابسه زي عمال النظافة دا ناس اتبرعتلي بيه، وبقالي 15 سنة بطلع مع نفسي أكنس الشارع وأجمع الزبالة وأفرزها في آخر اليوم". يقول عم نعيم عن الأسباب التي دفعته لكنس الشارع والتنقيب في القمامة: "عشان ألاقي لقمة أوكلها لعيالي وأهل بيتي آخر النهار، إحنا عايشين في أوضة واحدة أنا وعيالي ومراتي وأمها في العرب، ده غير إبني اللي اتجوز قريب ومراته حامل وعايشين معايا في نفس الأوضة". بعربته الحديدية الصغيرة، يجول عم نعيم شوارع حي المعادي، يجمع الزجاج المكسور في صندوقه الأزرق، والصندوق الآخر يجمع فيه القمامة، معلقًا فيه كيس بلاستيكي أبيض، "بواقي العيش والأكل اللي بلاقيها في الزبالة بلمها في الكيس عشان عيالي ميقرفوش من الأكل، احنا ناس طول حياتنا على أد حالنا، وعيالي كبروا ومحدش فيهم يعرف إني بشتغل زبال، ولا أقدر أقولهم عشان ميتكسفوش وسط أصحابهم". المساعدات المادية التي يحاول أهالي المنطقة التفضل بها على عم نعيم، يقابلها بعزة نفس شديدة، "متعوتش أمد إيدي لحد، وعشان كده بلم الزبالة واللي فيه النصيب من الناس باخده على أد تعبي، ولو فيه ناس عندها أكياس زبالة باخدها منها حتى لو مش هيدوني فلوس، عشان لو لقيت أكل فيهم يبقى رجعت لعيالي بحاجة يكلوها".