على عربة تتراص عليها أرغفة الخبز، بيع «العيش» هو «عكازه» فى الحياة ومصدر رزقه الوحيد.. يقف بجانبها وعيناه زائغتان بين المارة، أملاً فى أن يشترى أحدهم منه، منذ تفعيل منظومة الخبز الجديدة. تقف سيارة بالقرب منه، ليطلب منه شخص ب«10 جنيه عيش»، انفرجت أساريره وتمتمت شفتاه بالحمد، ترجل مع عكازه بسبب إعاقته الحركية الناتجة عن إصابته بشلل الأطفال منذ صغره، لتوصيل بضاعته للزبون. ربيع عيسى، ثلاثينى العمر، إعاقته الحركية جعلته يترك بلدته المنيا ويستقر فى القاهرة ليقتات من بيع لقمة عيش، فطبيعة العمل بالمنيا لا تتناسب مع ظروفه الصحية، سواء بالزراعة أو أعمال البناء، «إعاقتى ماتساعدنيش على الشغل الصعب ده، مقدرش أتحرك كتير، يادوب بناول العيش للزبون بالعافية». حصل ربيع على شهادته المتوسطة عام 1999، ومن وقتها لم يحصل على وظيفة ضمن نسبة ال5% المخصصة لذوى الاحتياجات الخاصة «قدمت ميت مرة فى شغل المعاقين، ولسه دورى ما جاش لغاية دلوقتى»، ربيع متزوج ولديه طفلان، يتذكرهما بنبرة حزن وملامح يغلب عليها الضيق قائلاً «أصرف على بيتى إزاى وأنا معاق ومبقدرش أشتغل أى حاجة؟». بيع العيش على الشارع الرئيسى فى منطقة فيصل المصدر الأساسى لرزق ربيع «أنا أكل عيشى على العربية دى، ويا ريت البلدية سايبانى فى حالى، مرة تاخد البضاعة، ومرة تاخد العربية، ويقولولى لف بالعربية، متبقاش ثابتة فى مكانها». منظومة الخبز التى تم تطبيقها مؤخراً أثرت بشكل سلبى على ربيع، بنبرة صوت تغلب عليها الحسرة يقول «دلوقتى المنظومة الجديدة خلت الناس تشترى من الفرن لأنه أوفر لهم، إنما أنا بابيع العيش بزيادة خمس أو عشر قروش، أومال هأكل عيالى منين؟». يعيش ربيع مع أسرته فى شقة بالإيجار، قوت يومه لا يكفى الإيجار البالغ 800 جنيه شهرياً «ما فيش مسابقة إلا وقدمت فيها علشان آخد شقة، أنا هعالج ولا هاكل ولا هدفع إيجار، بظروفى المادية الصعبة دى؟». يصمت لحين إنهاء عملية بيع، ويستطرد «قدمت على شقق تبع محافظة القاهرة فى 2010، ولغاية دلوقتى مخدناش حاجة، وجات لى باحثة وتأكدت إنى أستحق الشقة، وكل ما أسأل يقولولى كمان سنة». ويضيف، «الغلب زهق من صبرنا عليه والله». تكالبت الظروف الصحية على ربيع، حيث تعرض لحادث منذ عام ونصف فى القدم اليمنى التى تعانى من شلل أطفال، يتحدث ربيع عن معاناته قائلاً «عملت حادثة فى نفس رجلى التعبانة، ومركب شرايح ومسامير فيها، فضلت سنة ونص قاعد فى البيت مابتحركش من على السرير». فيما يضيف بضحكة ساخرة ممتزجة بألم، «اضطريت أقدم على معاش الشئون الاجتماعية والحكومة كتر خيرها ساعدتنى ب200 جنيه فى الشهر، يعنى ميكفيش علاج ابنى لما بيتعب». ثم يشير إلى العكاز الذى يستند إليه قائلاً «امتى الحكومة هتبص للناس الغلابة؟».