لم يخضع محمد على للمشايخ أبداً سواء فى حفظ مصالحهم الاقتصادية والسياسية، التى أشرنا إليها سابقاً، أو فى تحريمهم لكثير من الدراسات والتعليم، ومضى كالسيف لا يرجع لهم، فافتتح مدارس مختلفة واستعمل طرق الضغط والجذب كالطعام والمال لجلب الأولاد النجباء إلى التعليم واستقدم المدرسين والخبراء الأجانب لزرع العلوم المدنية والعسكرية وأرسل البعثات لبلاد (العلوم والفنون). وتعلم الرجل نفسه القراءة والكتابة فى الخامسة والأربعين من عمره، بينما كانوا هم يحرمون تدريس العلوم العقلية (كالطب والفلك والرياضيات والجغرافيا والتاريخ) وكانوا يصفون بالكفر من يطالع هذه العلوم، ورغم ذلك كان بعض المتنورين كالشيخ الجبرتى (الأب) والشيخ حسن العطار، أستاذ رفاعة الطهطاوى، يدرسانها فى بيتهما، والعطار كان مختلفاً عن زملائه من المشايخ منبهراً بكل ما جاءت به الحملة الفرنسية من علوم، وقال حين رأى وقارن مع واقع الحال: بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها ويتجدد بها ما ليس فيها من العلوم. كان شغوفاً بعلوم الفرنسيين وخالطهم لدرجة أنه رحل معهم لفرنسا ثم عاد بعد سنوات، ووجد محمد على فى هذا الرجل، منفتح العقل والقلب، ضالته للعمل فى مشروع التقدم الذى ينفذه على كافة المستويات فولاه مشيخة الأزهر وهو الرجل الذى يحب الموسيقى ويدعو إلى الاستمتاع بها. ويكشف لقاء أحمد باشا، أحد الوزراء العثمانيين، مع كبار علماء الأزهر، بقيادة شيخ الأزهر (الشبراوى)، عن المستوى العلمى للأزهر وللعلماء، إذ تبين له أنهم غير قادرين على مناقشة العلوم الرياضية معه فاستغرب الوزير وبرر الشيخ الشبراوى قائلاً: أهل الأزهر لا يشغلون أنفسهم بالعلوم الرياضية باستثناء الحساب والمقاييس اللازمة لتوزيع المواريث، وإنما نحن الذين أخذوا على عاتقهم خدمة العلماء وتمثيل حاجاتهم أمام رجال الحكم والحكام، ثم اعتبر فقر الطلبة سبباً فى قلة العلم، بينما تقدم محمد على بالبلاد علمياً وصناعياً وعسكرياً بنفس مواردها دون اقتراض، ليس لأنه حرام فلم يكن يعدم من يحلله له حتى ولو بدعوى المصاريف الإدارية! وإنما خوف من التدخل الأجنبى. وفى العلوم الدينية نفسها انتهى الحديث عن ثلاثة مذاهب، وليس الأربعة المعروفين، سواء فى التعليم أو الفتوى أو القضاء بعدما اختفى المذهب الحنبلى فى مصر العثمانية، وكان تعيين شيخ جديد للأزهر تصحبه أحياناً توترات فى مجتمع الأزهر وعلمائه وصراعات وعنف يصل إلى حد سقوط جرحى وقتلى! وعندما أنشأ محمد على مدرسة الطب ثاروا وحرموا تشريح الجثث التى يتعلم عليها الطلاب الأماكن المحددة لأعضاء الجسم للوصول إلى تشخيص وعلاج، ثم قام أحدهم بمحاولة قتل كلوت بك الذى استقدمه محمد على لتعليم الطب وإنقاذ المصريين من الألم والمرض والموت المبكر. ثم عادت هذه الفتوى بقوة مع اشتداد عودة هؤلاء من الجماعات الدينية فى سبعينات القرن العشرين واستندوا إلى أن المذهب الوهابى السلفى يمنع ذلك! وهو المذهب الذى دافع عنه ضد محمد على الشيخ رشيد رضا واستنكر الاحتفال بمئوية الرجل؛ لأنه قاتل الوهابيين المصلحين (كانوا ينهبون المزارات الشيعية والروضة النبوية ويقتلون من لا يخضع لهم فهزمهم محمد على).ثم صار أطباء محمد على يعالجون الوهابيين والعرب حولهم ويدفعون عنهم الموت قبل الأوان. ورغم قرنين من الزمان لم يمت مشايخ محمد على وجاء أحدهم واقترح بمجلس شعب 2012 منع تدريس اللغة الإنجليزية لتتأخر ترجمة ومعرفة العلوم والفنون فكافأته جماعته والجماعة الموالية لها (واللتين أتيتا مع الرئيس مرسى وبه) بتعيينه عضواً فى تأسيسية الدستور ليكتبوا مع بعض دستور ما قبل محمد على العلمانى الذى استبعدهم كمرجعية لكى يحيا المصريون.