عمره أكثر من مائة عام، بملامح باريسية ومبانٍ على الطراز الإيطالى وقف يتحدى الزمن، هنا قرر الخديو إسماعيل أن يجعل قطعة من القاهرة تضاهى أوروبا، شارع طلعت حرب ليس وحده من صمدت مبانيه أمام إهمال السنين، فمن حوله شاركه المأساة شارع 26 يوليو وغيرهما من شوارع وسط البلد، أرض لو نطقت لكتبت تاريخ ثورة 25 يناير ومسيراتها التى سلكت طرقها وصولاً إلى «التحرير»، هنا شباب انتفضوا ضد نظام ف«خلعوه»، وضد آخر ف«عزلوه»، باحثين عن مكانتهم فى العالم لدولة لها ثقلها، تغيرت الأنظمة وقبل أن يتحقق هدفهم جاءت دولة العشوائية، غاب الأمن فغاب الزائرون، تلكأت هيبة الدولة فحضر البلطجية ومنتهزو الفرص بقوة. رجل يفرض «إتاوة» إذا قررت الوقوف بسيارتك فى أحد الشوارع الرئيسية، وآخر يقسِّم الشارع بين الباعة الجائلين، وكأنه يتحكم فى أملاكه الخاصة، وشوارع أغلقت جوانبها فبات مرور سيارة واحدة فيها شبه مستحيل، مئات الأفراد رسموا لأنفسهم دولة داخل الدولة، من وجهة نظرهم، لم يجدوا رادعاً لهم، لم يجدوا ما تبقى من هيبة الدولة سوى رجل مرور يقف فى حيرة من أمره، لم يجد شارعاً ليسمح أو يمنع السيارات من المرور فيه، وليست لديه قدرة على الوقوف فى وجه «واضعى اليد» على شارع كان فى يوم ما ملكاً للدولة. قبل يومين فقط فى صحوة غابت ما يقرب من 3 أعوام، عادت هيبة الدولة محاولة إحكام السيطرة على ما فقدته، أكثر من 350 بائعاً متجولاً انتقلوا برغبتهم أو رغماً عنهم إلى مقرهم الجديد ب«الترجمان»، قرار غاب سنوات وخسائره كانت كبيرة، اشتباكات عنيفة على فترات متتالية فى معارك على احتلال الشارع، صراع من لا يملك لمن لا يستحق انتهى بقرار حكومى بنقل كل من استغل الطريق فى غير وظيفته، كل من أخذ حق المارة فى الطريق ليحقق مكاسب مادية، صيحات وصراخ ومظاهرات الباعة لن تعيدهم فى تلك المرة إلى ما كانوا عليه من عشوائية، ليس فقط لإحكام قبضة الأمن فى تنفيذ القرار فحسب، بل لأن قوة الدولة الآن لم يعد يزحزحها مظاهرات فئوية لمطالب غير مشروعة. لم يكن قرار نقل الباعة الجائلين جديداً، فمن قبل تعددت شكاوى المواطنين والسكان من زحف الباعة تحت رعاية البلطجية، مشكلة لم يقدر نظام الرئيس الأسبق محمد مرسى على حلها، لم تفلح قرارات الحكومات المرتعشة مع غياب قوة الدولة وهيبتها على حلها، لم يكن الأمر إلا مسألة وقت لتنفض الدولة غبار الضعف وقلة الحيلة، وقفت على قدمين ثابتتين، البلد الذى بات كل يوم يسعى لمحاربة الإرهاب بكافة صوره بقوة لن يتردد فى إعادة النظام إلى شوارعه.