لأنه ينتمى للمؤسسة العسكرية «مدرسة الوطنية المصرية».. ولأن «ثقافة القيادة» تسرى فى دمائه و«تتحكم» فى سلوكياته و«تصيغ» قراراته و«تحدد» ممارساته بالكامل و«ترتب» أولوياته، فقد حرص الرئيس السيسى أن يكون صاحب «الطلقة» الأولى فى معركة إعادة بناء الوطن واسترداد هيبته التى جرفتها ممارسات غير مسئولة على مدى أكثر من 33 عاماً، إلى أن تحولت فى سنواتها الثلاث الأخيرة إلى ممارسات «غبية»!! حتى العاشرة من صباح الثلاثاء الماضى لم يكن أحد يتوقع أن ساعة «الصفر» ستنطلق بعدها بدقائق قليلة عندما يقف «القائد الأعلى» خلف الميكروفون ليكشف عن «كلمة السر».. فلا أحد توقع أياً من تلك القرارات التى أعلنها، والتى جاءت أشبه باختيار الطريق «الأصعب» ببدء الإصلاح الاقتصادى الحقيقى فوراً دون انتظار أو تباطؤ!! فى أول قراراته التى أعلنها حرص الرئيس على تفادى تحميل الأجيال المقبلة فاتورة الأخطاء الاقتصادية لحكومات كان كل هدفها هو تمرير الفترة التى يظل أعضاؤها جالسين على مقاعدهم الحكومية بصرف النظر عن نتائجه، وذلك بإعلان رفضه التصديق على الموازنة العامة للدولة.. إضافة إلى قراراته المفاجئة بالتنازل عن نصف راتبه ونصف ممتلكاته من أجل صالح الاقتصاد الوطنى، فى تأكيد جديد على أن القائد الحق هو من يتقدم صفوف مقاتليه فى أى معركة.. لا أن يكون قابعاً داخل خندقه! ولأنه بالفعل رجل دولة يؤمن بثورتى شعبها ويستهدف تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية التى نادى الملايين بها على مدى 18 يوماً بميدان التحرير فى ثورتهم الأولى وأعادوا انتفاضتهم «الثورية» مرة أخرى من أجلها قبل نحو عام، جاء قرار الرئيس بحتمية تطبيق «الحد الأقصى للأجور» فى جميع مؤسسات الدولة، وفى مقدمتها مؤسسة الرئاسة دون أى استثناء. وربما جاء قرار الرئيس وتصميمه على عدم الاستجابة لأى مطالب فئوية -على الرغم من قسوته لبعض فئات المجتمع- ليمثل جداراً صلداً يحول دون إهدار مقدرات الدولة ومواردها من أجل انتزاع تصفيق الجماهير وبناء «جماهيرية زائفة هشة» سرعان ما تنهار فى أول صدام مع الحقيقة المتوقعة إذا ما كان قد استجاب للاختيار «الأسهل»، إلا أنه اختار قراراً غير جماهيرى -ربما قد يؤثر على «شعبيته» الجارفة عند بعض «ضيقى الأفق»- حفاظاً على ميزانية مصر وتجنيب الأجيال الجديدة تحمل «فاتورة مجد شخصى» لا يضع فى حسبانه المصلحة العليا للوطن! ولأن المواطنين قد استشعروا بالفعل مدى «صدق» القائد وشفافيته فى مصارحة مواطنيه «خدوا بالكم يا مصريين» -وهو تعبيره الأشهر- توالت الاستجابات من مختلف فئات المجتمع إلا أن كل ذلك أمر لا يكفى.. إذ أن رسائل «السيسى» تضع المواطن والحكومة فى مواجهة مسئولياته وأمام واجباته! ما قرره الرئيس وصدّر نفسه فى مقدمة مُتلقيه يضع المواطن أمام مسئولياته الجديدة التى تفرض عليه «التغيير» سواء فى نمط استهلاكه أو «ثقافة العمل» التى تتحكم فى نظرته لبذل الجهد والتى لا تزال حتى الآن تتحكم فى استمراره ب«التظاهر بالعمل» دون إنجاز حقيقى.. إضافة إلى التوقف الفورى عن السلوكيات الخاطئة التى تهدر من موارد الدولة الكثير. من جانب الحكومة فإن توالى إعلان التخلى عن نصف الراتب من جانب الفريق الوزارى أمر لا يكفى على الإطلاق إذ أن هذه القرارات تستوجب على حكومة «محلب» التفكير غير المُعلب بحيث تأتى هذه القرارات ضمن «منظومة متكاملة» من القرارات يتصدرها «تخفيض الإنفاق الحكومى» وزيادة الوعاء الضريبى مع حسن إدارة هذا المورد من دون أى تسيب وسد أى ثغرات للتهرب الضريبى.. وإعادة التفكير الجدى فى إقرار مبدأ الضرائب التصاعدية وبدء العمل بضريبة ال5% التى كانت مقترحة قبل فترة وتوارت خلف اعتراضات بعض أصحاب المصالح.. إضافة إلى إعداد خريطة استثمارية واقعية تعكس الاحتياجات الحقيقية للمجتمع بحيث يتم استثمار ما يمكن تجميعه من تبرعات المواطنين أو الجهات المانحة فى إقامة مشروعات إنتاجية تحتاجها بالفعل خطة التنمية الاقتصادية وإعادة بناء مصر من جديد. سيادة الرئيس جميعنا شعر بمدى صدقك.. ولمس قدر شفافيتك.. وتأكد من إصرارك على مواجهة المشاكل وبدء خطوات الإصلاح.. وأيقن بالفعل أن اختيارك «قائداً» كان هو الاختيار «الأصوب».. فامض فى طريقك وسنصطف جميعاً خلفك.. و«تحيا مصر»..!