باتت صناعة الخوص، "حرفة الغلابة" البسيطة، التي احترفتها نساء الوادي الجديد، وتناقلنها بالوراثة من الأجداد للأحفاد، مهددة بالاندثار، بسبب تجاهل المسؤولين عن الحرف الصغيرة، الذين غابوا عن أداء دورهم في تنمية هذه الصناعات. انتشار هذه الصناعة في الوادي الجديد، يعود إلى امتلاك المحافظة أكثر من مليوني نخلة، فضلا عن كون هذه الحرفة في نظر أهالي الواحات، مناسبة للنساء، لأنها يدوية بسيطة، تعتمد على منتجات موجودة في الطبيعة من حولهم، بدون أي تكلفة. "المقاطف، والعلايق، والقواديس، والملقون، والشادوف، والبرش، والمراوح، والشنط، والبرنيطة".. منتجات خفيفة الوزن، تصنع من الخوص ومعظمها تحفظ الأطعمة من العفن، لمقاومتها الرطوبة. قديما كانت هناك قرى وأُسر بأكملها تشتهر بصناعة الخوص في المحافظة، مثل قرية المنيرة بمركزالخارجة، التي عرفت بتدريب الفتيات الراغبات في تعلم هذه الحرفة. مستقبل هذه الحرفة البسيطة أصبح في مهب الريح، رغم أنها لا تحتاج آلات كبيرة، بل تتطلب فقط جمعيات أو مشروعات تنتشلها من الضياع، ودعم المسؤولين عن الصناعات الحرفية. عبد السلام سنوسي، رئيس جمعية تنمية المجتمع المحلي بقرية البشندي بمركز بلاط، قال إن "الصناعات الحرفية في السنوات الخمس الأخيرة، وبالتحديد بعد وفاة المحافظ السابق أحمد مختار، الذي كان يرعاها هذه الحرف بشكل كبير، لاقت تجاهلا من المسؤولين، إلى الحد الذي أصبحت فيه مهدده بالاندثار". وأضاف "فكرت في إحياء تلك الصناعات، فقمت بعمل مشغل للصناعات اليدوية التراثية مثل منتجات الخوص والكليم والسجاد بقرية البشندي، وتشغيل كل من يمتهن تلك الصناعات بالقرية مقابل أجر يومي، حرصًا على بقاء تلك الصناعات التراثية، ولا ينكر مواجهة صعوبات مادية وتسويقية، لعدم دعم الحكومة لهذه الحرف". وأكدت نجلاء محمد، 28 عامًا، أنها تعلمت مهنة صناعة الخوص من جدتها الراحلة، حيث كانت تشاهدها وهي تحضر السعف وتشققه وتبلله في الماء ليوم كامل، ثم تضفره وتتركه تحت أشعة الشمس لفترة حتى يجف، ثم تبدأ في خياطة الضفيرة لعمل منتجات، مثل المقطف أو الشمسيه أو غيرها من الأشكال المطلوبة. وأضافت "تتوافر كل مكونات صناعة الخوص في البيئة الطبيعية، وهي تناسب الفتيات أكثرمن الشباب، لأنها تحتاج إلى تفرغ، وفي نفس الوقت غير مُرهِقة". وأشارت مؤمنة محمد كامل، إلى أن صناعة الخوص ساعدتها على تربية أبنائها، بعد وفاة زوجها، واستطاعت من خلال بيع إنتاجها للتجار من مختلف المحافظات، أن تعبر بأولادها الأربعة إلى بر الأمان، فعلمتهم كلهم تعليما جامعيا، وزوجت الفتيات منهن، وبعد أن أتمت رسالتها ناحيتهم، أدت فريضة الحج، ب"فضل الله ومن مكسب الخوص فقط". وأشارت عايده تهامي، مدير مركز الأُسر المنتجة ومسؤول التسويق ومنسق معارض منتجات المحافظة، إن منتجات الخوص تلقى رواجا في معارض الوادي الجديد، خاصة التي تقام خارج المحافظة، لأن طبيعة الخوص في الواحات تختلف عنها في أي مكان في مصر،لأنه يُصنع بطريقة فنية ويزخرف بالألوان الطبيعية بالصوف البلدي، ولأن الأجانب تستهويهم الحرف اليدوية والبيئية. وأوضحت أن "مركز الأسر المنتجة يعقد دورات لشباب الخريجين ومكلفات الخدمة العامة، ويدرب الفتيات على الأعمال الخوصية، وهناك فتيات حولن مسار حياتهن من خلال صناعة الخوص". وأكد خالد حسن، مدير هيئة تنشيط السياحة بالوادي الجديد، إن الأعمال الخوصية بمثابة دعاية للمحافظة، والمعارض التي تنظمها الهيئة بالخارج والداخل، يلقى فيها منتج الخوص إقبالًا من زوارها بشكل كبير عن باقي المنتجات.