مات رفيق درب أسامة أنور عكاشة، مات إسماعيل عبدالحافظ الفنان الذى أضاء أيامنا وأبهج عقولنا وأمتع عيوننا، رحل توأم أسامة الدرامى والروحى الذى عزف معه سيمفونية ليالى الحلمية درّة تاج الدراما التليفزيونية العربية. أتذكّر أننا كنا فى شرخ الشباب قد سمعنا عن مسلسل اسمه الشهد والدموع، إنتاج قطاع خاص، لم يشارك فيه التليفزيون المصرى، وقيل وقتها إن سبب الحجب والمنع هو أن المخرج شيوعى!، وعندما شاهدنا الجزء الأول من الشهد والدموع انبهرنا بمستوى الكتابة والإخراج، وعندما اقتنع التليفزيون المصرى أو لنقل بالأصح عندما فرض الثنائى العبقرى عكاشة وعبدالحافظ موهبتهما على المسئولين فى قطاع الإنتاج بدأت الرحلة الجميلة، رحلة اكتشاف متعة الدراما. ليالى الحلمية وميلاد جيل كامل من نجوم الدراما شكّلهم وقادهم وصاغ فنهم وقدمهم بجمال وحرفية إسماعيل عبدالحافظ، وعلى رأسهم يحيى الفخرانى وصلاح السعدنى، ميلاد جديد لنجمين راسخين، لمحت فيهما عينا عبدالحافظ الذكية اللماحة مساحة لم تُستغل ولم تُكتشف بعد فخرجت هذه الكلاسيكية الرائعة التى جذبنا مغناطيسها الجبار خمس سنوات نحلم مع الباشا ونسخر مع العمدة ونستعرض تاريخ مصر من خلال حى شعبى كنا نجهله. إسماعيل عبدالحافظ بئر نفط فنى لا ينضب أبداً، جاء مسلسل «العائلة» ليثبت أنه ليس توأماً ملتصقاً لأسامة العظيم ولكنه فنان متفرد يستطيع أن يشارك آخرين مثل الكاتب المتميز وحيد حامد صاحب البصمات التى لا تُنسى فى السينما وفى التليفزيون أيضاً، فى عز موجة الإرهاب خرج هذا المسلسل برؤيته الثاقبة وإيقاعه اللاهث وكاريزما عبقرى التمثيل المصرى محمود مرسى ليصبح هو الآخر من كلاسيكيات الدراما التى لا تُنسى. إسماعيل عبدالحافظ هو المخرج الذى أصبح المسلسل يسوّق باسمه، لم يكن جلبابه لمجرد الرحرحة فى الاستوديو ولكنه كان جلباباً داخلياً لأنه يعشق الأرض والطين والنكتة المصرية الحراقة والشجن المصرى المزمن، لم يكن شعره الأبيض دليلاً على بصمات الزمن ولكنه دليل على كراهيته للزيف والصبغة والتلون. رحم الله إسماعيل عبدالحافظ الذى، حتى فى موته، رفض أن يلبس الثوب الفرنسى ووضع كلمة النهاية وعاد إلى مصر التى يعشقها سريعاً، فضّل أن يعود إلى مصر فى نعش بدلاً من أن يظل فى باريس فى مستشفى سبعة نجوم.