يعتبر عجز الموازنة من أكبر مشاكل مصر الاقتصادية فى السنوات السابقة، والتى تفاقمت بشكل كبير بعد ثورة 25 يناير نتيجة ازدياد المصروفات الحكومية لأسباب متعددة، منها: زيادة حجم الدعم، زيادة خدمة الدين، وزيادة المرتبات الحكومية. فى الوقت ذاته لم تزد إيرادات الدولة بشكل مناسب فى العام الماضى. وقد أدى ذلك إلى زيادة عجز الموازنة الذى قد يصل إلى ما يقرب من 140 مليار جنيه فى العام المالى 2011/2012، ويتوقع أن يظل هذا العجز فى ازدياد. ولكن السؤال هنا: هل يمكن السيطرة على هذا العجز؟ قد تكون الإجابة على المدى البعيد: نعم، وهذا يتطلب الكثير من الإجراءات الاقتصادية الكبيرة، ولكن على المدى القصير يجب اتخاذ عدة إجراءات لاحتواء العجز والتقليل من حدته، حيث يوجد ثلاثة أوجه رئيسية لاحتواء عجز الموازنة: الوجه الأول: تقليل المصروفات الحكومية عن طريق سياسة التقشف، التى تركز على تقليل فاتورة الدعم وخاصة دعم المواد البترولية التى تدعم استهلاك الفئات غير المستحقة للدعم، وهى الفئة الأكثر غنى فى المجتمع. وكذلك دعم المواد البترولية التى تدعم الأنشطة الصناعية وخاصة التى يصدّر جزء كبير من إنتاجها، لذلك فإعادة هيكلة سياسة الدعم يقلل العبء على ميزانية الدولة كما يحقق هدف العدالة الاجتماعية، وهو أمر رئيسى لترشيد نفقات الحكومة. الأمر الآخر، الذى يجب التعامل معه فى قضية التقشف، هو أجور موظفى الحكومة والتى تزيد على 20% من مصروفات الحكومة، وقد شهد بند أجور موظفى الحكومة ازدياداً بعد الثورة نتيجة الاعتصامات ودعاوى الحد الأدنى من الأجور - والتى تعتبر مفهومة وشرعية نظراً للظروف السيئة لقطاع عريض من موظفى الحكومة - ولكن نتج عن ذلك زيادة ملحوظة فى هذا البند. ويتطلب ذلك إعادة هيكلة القطاع الحكومى للقضاء على البطالة المقنعة فى القطاع الحكومى وزيادة الإنتاج مع التخلص من العدد الكبير من المستشارين المعينين فى الوزارات المختلفة. الوجه الثانى: إعادة هيكلة سياسة تمويل عجز الموازنة بشكل يقلل من بند خدمة الدين فى مصروفات الحكومة. فنرى أن الحكومة تمول عجز الموازنة عن طريق طرح أذونات حكومية لفترات قصيرة على سعر فائدة يزداد بشكل كبير مما يزيد من خدمة الدين وبالتالى عجز الموازنة. لذلك يجب على الحكومة طرح سندات حكومية لفترات طويلة من 3 إلى 5 سنوات والذى يتماشى مع ودائع البنوك التجارية والتى تكتتب على أغلب طرح السندات الحكومية مما سيقلل الضغط على الحكومة من حيث إعادة تمويل السندات الحكومية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تقوم الحكومة بطرح سندات بالدولار على عوائد أقل من العائد على الجنيه، مما سيقلل من بند خدمة الدين على الحكومة من ناحية، كما سيجذب استثمارات من مستثمرين كانوا يخشون هبوط الجنيه المصرى ويرغبون فى الاستثمار بالدولار. الوجه الثالث: العمل على تعزيز موارد وإيرادات الدولة. وهذا أمر فى غاية الأهمية تستطيع الحكومة تحقيقه سريعاً عن طريق تحصيل أقساط الأراضى الممنوحة فى المناطق الصناعية والمدن العمرانية الجديدة. وكذلك التصالح العادل مع المستثمرين الأجانب وتحصيل المبالغ المستحقة عليهم. وهذه الإجراءات ستعزز من موارد الحكومة فى المدى القصير مما يساعد على تقليل عجز الموازنة. كما سبق ذكره، التعامل مع عجز الموازنة هو أمر طويل المدى كى نستطيع التخلص من العجز نهائياً. ولكن الأمر يحتاج إلى التعامل السريع على المدى القصير لاحتواء هذا العجز عن طريق التقشف الحكومى بما يخص الدعم والأجور الحكومية وكذلك إعادة هيكلة تمويل عجز الموازنة وتعزيز إيرادات الحكومة. ويتوقع أن يؤدى ذلك إلى احتواء العجز ومنعه من التفاقم مما سيساعد على التخلص منه على المدى البعيد، وهو ما يتمناه جموع الشعب المصرى بعد ثورة قامت لتحسين الأوضاع الاقتصادية للشعب ورفع سقف الحريات. عمر الشنيطى - مدير القسم الاقتصادى بمؤسسة بيت الحكمة