الشخوص التى أصبحت تدير لنا ظهورها، ويجسدها كثير من أعمال الفنانين التشكيليين الآن، تبدو رسالتها أحياناً غير واضحة!! فهل هؤلاء النساء والرجال فى حالة من اليأس أثناء رحلة البحث عن الصحبة؟ أم هم فى حالة من الراحة والهدوء لغياب الآخرين عنهم؟ أم ربما يوحى هذا الخصام بمعنى الرفض لهذا العالم الكبير الذى يزداد كبراً واتساعاً بمدنه الجديدة البديلة عن المدينة الأم، حيث يتلاشى الدفء والتواصل فى العلاقات الحميمة مع الآخرين. هذه الظهور، بمعناها المادى الملموس أو بمعناها الفنى الإبداعى، تفتح المجال لتوضيح الفرق بين معنى الخلوة ومعنى الوحدة، حتى وإن كانت هذه المعانى تسترجع لدى البعض مشاعر الألم، خاصة مع الذين خاضوا تجربة الوحدة، وهى من ناحية أخرى تلفت النظر إلى هذا الجانب الإيجابى الذى يتحقق أثناء هذا الوقت الانفرادى الذى يقضيه الإنسان فى عزلة مع نفسه، فبينما يذكّرنا عالم النفس «سيجموند فرويد» دوماً أن الوحدة تعنى القسوة والألم فإن هؤلاء الذين يمارسون قدراً كبيراً من العزلة يقولون عكس ذلك، حيث يشعرون بالرضا التام وعدم الاحتياج إلى أحد وهم فى عزلة مع أنفسهم، لأنهم يدركون أن هذه المتعة التى يطلق عليها الفيلسوف الفرنسى «فولتير»: أسعد أوقات الحياة، اختيارية وأنهم لديهم من العلاقات المميزة ما يجعلهم يعودون إليها متى يشاءون. وإذا كان تقرير منظمة الصحة العالمية للصحة النفسية يؤكد أن واحداً من كل خمسة أفراد سيصبح وحيداً بحلول عام 2030 لذا فإنه ليس من العجب أن ترى هذه الدعوات الفلسفية المتزايدة التى تدعو إلى المزيد من هذه الممارسة التى تثرى النفس وتدفعها نحو الإبداع، ولا سيما أن هذه النداءات تتواكب مع تزايد العلاقات العابرة ونظم العمل الحديثة التى تساعد على انهيار القواعد الإنسانية التى تربط العاملين بعضهم ببعض نتيجة للثورة التكنولوجية الخالية من العواطف. هذه كلها عوامل ستزيد من وحدتنا ووحدة هؤلاء بالتحديد الذين يضعون وزناً كبيراً على أهمية الوجود دائماً مع الآخرين أكثر من قضاء أوقات فى خلوة أو عزلة مع أنفسهم ربما لأنهم يخشون مواجهة النفس والتعرف على حقيقتها.. وربما لأنهم لا يدركون أنهم يملكون القوة والقدرة على تأسيس علاقة جديدة، بل صداقة حميمية، مع الذات تكون أكثر قرباً ودفئاً وإخلاصاً، وأقل إزعاجاً وإلحاحاً. إنها علاقة فريدة.. قريبة منك.. قريبة أكثر مما تتوقع.. فماذا تنتظر؟!