كان عالم النفس الشهير »سيجموند فرويد« يري أنه لاشيء اسمه »الحب« وإنما هو الجنس، فالحب عنده وهم كبير.. مجرد وسيلة للوصول إلي الجنس حتي لو غلفته بفنون الغزل والكلمات الرقيقة الناعمة، فكلها مقدمات للجنس، أي أن الجنس عند فرويد هو الأصل، والحب هو الفرع! وثبت مع مرور السنين كذب نظرية فرويد التي أفرزت موجات صارخة من الانحلال الجنسي الخالي من الحب والعواطف، فلا يمكن أن تفصل الحب عن الجنس لارتباط كل منهما بالآخر، لأن الجنس حالة من النشوة المؤقتة تعيش قليلا، بينما الحب حالة دائمة تعيش للأبد ولا تتوقف عند حدود النفس والجسد، بدليل أن الرغبة قد تذبل أو تموت مع الشيخوخة، أو المرض، ولكن الحب لايتأثر كثيرا بتلك العوارض في حالة إذا كان مخلصا أصيلا! وإذا كان »فرويد« قد فشل بنظريته هذه، فإن إسلامنا العظيم الخالد قد نجح تماما في رصد أساس العلاقة بين الزوجين: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)، أي وصف تعجز عنه الكلمات مهما كانت بلاغتها، فالآية القرآنية فيها احتواء ورقة وحب وتداخل، ولن يفهم معانيها إنسان بلا قلب أو تجرد من المشاعر أو من لم يعرف للمودة طريقا، لأن معاني الآية هنا قائمة علي الحب والمودة والرحمة، ولو تخلي طرف من الطرفين عن تلك المشاعر الجميلة، فكيف سيكون لباسا للآخر؟! بل إن رسول الله (ص) يستنكر في حديث من أحاديثه الشريفة أن يضرب الرجل زوجته ثم يباشرها بعد ذلك في علاقة حميمية، فيقول (ص): »أَيَضْرِبُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ كَمَا يَضْرِبُ الْعَبْدَ يضربها أول النهار ثُمَّ يُجَامِعُهَا آخره« إذن فالقضية كما أفهمها ليست مجرد جنس فقط، بل هي مشاعر، وأحاسيس، وسمو بالعواطف، وتقدير ومودة للمرأة، ولو نجحت في ذلك فستحصد ثماره بعد ذلك، لأن الحب يخلق رغبة رائعة في الاقتراب الجميل، فيأتي الجنس هنا كتعبير عن أقصي درجات القرب! فلقد كرم الله الإنسان في أحلي صوره، ورفعه عن باقي الكائنات والمخلوقات الأخري، والرجل الراقي لايتعجل علي الجنس كهدف في حد ذاته، وإنما سيصل إليه كتطور طبيعي لسمو مشاعره الفياضة، والرغبة تحت مظلة الحب لها مذاق آخر، قد يصل إلي ذوبان كل منهما في الآخر، أما من يبحث عن الجنس للجنس فهو أشبه بالحيوان فالمهم عنده هو الشعور بذاته فقط، وبالتالي يفتقد التواصل الوجداني وهو أرقي مستويات المشاعر الإنسانية! المرأة إنسان، لو فهمت الإنسان فهمتها، وإذا أردت أن تبحر في أعماقها وتتعرف علي مفاتيحها عن قرب، فاقرأ »فقه المرأة«، وكيف رصد الإسلام كل خصائصها وخلجاتها، وكيفية تعامل القانون الإلهي معها، ولو نجحت في استيعاب كل ذلك ستستطيع فك ألغاز شفراتها بسهولة، لأنها كانت وستظل لغزا كبيرا!! والإسلام أهتم بالحب بين المرأة والرجل، واعتبره شرطا مهما لاستمرارية العلاقة الزوجية ودوامها، أنا لست رجلا للدين، ولا أمتهن الفقه والدعوة الإسلامية، لكن دليلي علي ذلك هذه القصة التي رفض رسول الله(ص) استمرار الحياة الزوجية بسبب فقدان الحب من جانب واحد.. وأقصد »الزوجة«: كانت جميلة بنت عبدالله زوجة للصحابي الجليل ثابت بن قيس، لكنها اكتشفت أنها لاتحبه، فجاءت إلي رسول الله (ص) قائلة: »يارسول الله.. لا أنا ولا ثابت يجمع رأسي ورأسه شيء، والله ماأعيبه في دين ولاخلق، ولكني أكره الكفر في الإسلام، وما أطيقه بغضا.. إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة من الرجال، فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها« فقال الرسول (ص): »أتردين عليه حديقته«؟ »فقالت«: »أردها وأزيده عليها«، قال: » أما الزيادة فلا.. وأحل طلبها الطلاق«. انتهت القصة وبقي الاستنتاج والتعليق بأن الإسلام يؤمن بالحب كشرط أساسي لاستمرار العلاقة الزوجية، واعتبر فقدانه مبررا قويا لانتهائها.. كيف تعيش وتستمر امرأة مع رجل لاتحبه؟! بل إنني استدعي هنا قصة »مماثلة«، ومسجلة في صحيح البخاري: امرأة اسمها »بريرة« طلبت الطلاق من زوجها لأنها لا تحبه، وكان زوجها يحبها حبا شديدا، وكان بعد فراقها يمشي خلفها في الأسواق ودموعه تسيل علي لحيته، فأشفق عليه الرسول (ص)، وقال لعمه العباس: »ياعباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثا؟«، ثم طلبها الرسول (ص) وقال لها: »لو راجعته فهو أبو ولدك«، فقالت في إصرار: »أهو أمر يارسول الله؟.. قال (ص): »لا إنما أنا شافع« قالت: »لا حاجة لي فيه«! والرسول (ص) يقول: »تزوجوا الولود الودود«، ومعني الودود التي تشعرك بالود والمحبة، وهي في (اعتقادي) كناية عما نسميه في عصرنا الحالي التوافق والحب العاطفي والارتياح والانسجام الروحي للطرف الآخر الذي أمامك حتي بمجرد النظرة الأولي، ودليلي في ذلك عندما يصف سيدنا رسول الله (ص) الحب الروحي فيقول: »"الأرواح جنود مجنّدة، ما تعارَف منها ائتَلفَ وما تنافر منها اختلف«. فعلا.. قد تلتقي بامرأة فاتنة الجمال.. ممشوقة القوام، لكنها لا تشدك، ولا تنجذب إليها، وعندما تسأل نفسك: ما الذي ينفرني منها؟.. لاتجد سببا واحدا ولا إجابة علي الإطلاق لأن التي أمامك ليس فيها »غلطة« واحدة، بينما امرأة أخري أقل جمالا منها تسحرك، وتشدك، وتحرمك من نوم الليل من شدة التفكير فيها، والسرحان في مواصفاتها وجاذبيتها..ما الذي جري؟.. إنها »الكيمياء« التي تتفاعل مع عناصرها.. أو بلغة الدين: إنها الأرواح عندما تتلاقي.. لا أقل.. ولا أكثر!!! وإذا أردت »التفتيش« عن أسباب نجاح أي رجل في حياته العامة.. سواء كان هذا النجاح في العمل، أو المال والثروة، أو التجارة فلابد أن يكون ناجحا في حياته الخاصة أولا، والعكس طبعا صحيح، فالحب شرط أساسي للنجاح والإنتاج والتفوق، بل والجنس أيضا، وليس كما ادعي »فرويد« أن الحب وهم كبير.. ومجرد وسيلة للوصول إلي هذا »الجنس«!!!