مزارات كثيرة ومعتقدات كبيرة، وما فى نفوس الناس أعمق.. إنها أرض البهنسا، «مدينة الشهداء»، كما أطلق عليها قديما، والتى يرقد فيها عدد من صحابة الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذين استشهدوا أثناء فتح مصر. قرية البهنسا التابعة لمركز بنى مزار متحف مفتوح لكل العصور، من الفرعونى إلى الإسلامى، مرورا بالرومانى والقبطى، وتقع على الضفة الغربية للبحر اليوسفى، وتحيط بها روايات وقصص مثيرة تمزج الحقيقة بالأسطوره. قدسية المكان لم تأت من فراغ. فرمال البهنسا رويت بدماء مئات الصحابة الذين حضروا غزوة بدر مع الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والقرية قبلة يقصدها آلاف المحبين، ومن أبرز مزاراتها «ضريح السبع بنات» الذى اختلفت حوله الروايات، وإن كان أكثرها شيوعا بين الزوار أن بنات مصريات كن يسكن ديرا فى هذا المكان ويمددن جيش المسلمين بالمياه، وذات يوم حاصرهن الرومان وقتلهن. وهناك اختلاف حول عددهن، فهناك من يقول بأنهن سبع، وآخرون يقولون سبعون، وهناك من يقول سبعمائة. ومن أكثر زوار منطقة «السبع بنات» النساء العاقرات اللائى يأملن فى الإنجاب، حيث يتبركن بالمكان ويقدمن النذور من الأطعمة والحلوى، وأغلبهن من أهالى القرى، ويتردد أيضاً عليه عدد لا بأس به من المحافظات الأخرى. ويروى الحاج على زيدان قصة «حجر الدحرجة» أو الحجر المبروك قائلا: إن هذا الحجر يبكى فى كل يوم جمعة على الشهداء، ويتدحرج أمامه الزوار للتبرك به، حيث يقوم خادمه بدفعك أمامه على الرمال لتشعر بأن قوة لا إرادية تدفعك دون أن تسطيع التوقف من تلقاء نفسك. ويعتقد الكثيرون أن هدف «الدحرجة» هو غسل الذنوب ومحوها وإزالة الهموم والكروب والأمراض والعلات المستعصية. أما مزار «شجرة مريم» فتروى قصته تحية عبدالغنى قائلة: تقع بجوار بئر مردوم شربت منه السيدة العذراء وطفلها عيسى(عليه السلام) واستظلا تحتها، لذا فهو مكان طاهر ومبروك يقدسه الجميع، ويقدمون فيه الهدايا والنذور. ويروى مصطفى حماد قصة ضريح «الشيخ على التكروتى» قائلا: إن هذا الشيخ كان أحد أولياء الله الصالحين، جاء إلى البهنسا ليتبرك بها، ومكث فيها حتى مماته. ويتردد أن منطقة بولاق الدكرور بالقاهرة منسوبة إليه. ويتجمع زواره أمام ضريحه أثناء شعائر صلاة الجمعة، ثم يهللون ويكبرون، وأثناء ذلك يظهر الشيخ على هيئة صغيرة فى صورة فارس يمتطى جواده ووجهه شديد البياض ولحيته كبيرة، وفى يده سيف ورمح، وبتدقيق النظر يبدو وكأنه وسط معركة شرسة يحارب فيها الأعداء. مزارات وأضرحة البهنسا لا تعد ولا تحصى، لكن أبرزها وأشهرها طريق الحصى، الذى يقال إنه سالت عليه دماء الصحابة، وأضرحة المشايخ «محمد فوزى» والإمام «القرافى» و«على الجمام» قاضى قضاة البهنسا وإمام المالكية فى عصره، وسيدى «فتح الباب» أحد العلماء الجهابذة.