الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فريضة عظيمة أساء إليها أصحابها بتجاوزهم لأحكامها وانصرافهم عن فقهها العظيم وعدم تفاعلهم الجيد للجمع بين واجباتها الشرعية وواقع مجتمعاتهم.. وأساء إليها أيضاً من أنكرها ولم يعترف بفرضيتها وأهميتها نتيجة تجاوز البعض والخطأ فى ممارستها. وقد شرع الله فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لرد الظلم ومحاربة الفساد ومقاومة وردع الظالمين «وأطرهم على الحق أطراً».. وهى تعد حماية داخلية للمجتمع من الظلم والفواحش التى تنخر فى جسده.. وشرع الله فريضة الجهاد لحماية المجتمع والدولة من أعدائها الخارجيين. ويعد الإعلامى أو الصحفى الذى يقول للظلم «لا» داخلاً فى هذه الفريضة.. والموظف الذى يحارب الرشوة ينضوى تحت لوائها.. والثائر السلمى الذى يقول للحاكم «لا» ويرده عن ظلمه من أهلها.. وكل الثورات السلمية ضد الحكام الظلمة هى من باب النهى عن المنكر.. وهى من أعلى مراتبه.. فإن قتله الحاكم فهو سيد الشهداء وأعلاهم مكانة وقدراًً.. قال (صلى الله عليه وسلم): «سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله».. وقد فسر العلماء العلة فى سيادته على الشهداء جميعاً أن الشهيد فى الحرب يدخل المعركة باحتمالين هما النصر أو الشهادة.. أما الثائر أو الداعية أو العالم الذى يواجه الحاكم الظالم ويأمره بالعدل وينهاه عن الظلم فإنه يدخل هذه المعركة باحتمال واحد وهو الموت أو القتل.. لذلك نصّبه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «سيداً للشهداء». ومن أهم القواعد الفقهية للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ما نص عليه جمهور الفقهاء من أن التغيير باليد يكون للحاكم فحسب.. ولا يجوز لآحاد الرعية تغيير المنكرات باليد حتى لا تسود الفوضى ويتقاتل الناس وتعم الفتن. أما التغيير باللسان فهو للدعاة والعلماء والمفكرين وأرباب اللسان والقلم. أما التغيير بالقلب.. فهو يعنى مقاطعة المنكر، فهى لعوام المسلمين جميعاً.. وتعنى أنك إذا لم تستطع إزالة المنكر فزل عنه.. ويلخصه الفقهاء بكلمة رائعة: «إذا لم تزل المنكر فزل عنه».. وهذا يدخل فى باب مقاطعة الشعوب لمنتجات الدول التى تبغى فى الأرض أو تحتل بلاد المسلمين.. والتغيير بالقلب من أقوى الوسائل للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر عكس ما يتصور البعض.. وقد فعله الشعب المصرى مراراً، ومنها على سبيل الحصر مقاطعته للمنتجات البريطانية أثناء الاحتلال الإنجليزى لمصر.. ومقاطعته للبضائع الأمريكية أثناء الاحتلال الأمريكى للعراق.. ومقاطعته للسلع الدنماركية بعد الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم). وهذا يتوافق مع مبادئ الدولة الحديثة التى تحظر حمل واستخدام السلاح إلا للشرطة للأمن الداخلى.. والجيش للأمن الخارجى.. ففقهاء الإسلام من السلف الصالح كانوا على أعلى مستوى سياسى قبل أن تخرج للوجود نظريات الدولة الحديثة. نص فقهاء الإسلام على أنه لا يجوز تغيير المنكر بمنكر أكبر أو أشد منه.. فلا يجوز أن أغير صغيرة بكبيرة.. ولا كبيرة بأكبر منها.. ولا كبيرة بشرك أو كفر.. فلا يجوز تغيير منكر يقوم فيه شخص بتقبيل امرأة لا تحل له بقتله.. فالمنكر صغيرة وقتله من أكبر الكبائر.. ويشبه الفقهاء مَن يفعل ذلك مثل مَن يغسل الطين من ثوبه بالبول أو الدم.. فهل ندرك ذلك قبل فوات الأوان؟ وللحديث بقية فى مقال قادم إن شاء الله.