سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأسرة الدندراوية.. صوفية ب«أمير وتنظيم ووثيقة وشعارات وزى موحد» يقولون إنهم صوفيون وتنمويون وينشغلون بالسياسة ولا يشتغلون بها ولا يرحبون بالظهور فى الإعلام
مشهد مهيب يأسر القلوب ويشرح الصدور ويسمو بالروح، يفيض الدندراوية فى وصف مشهد جموعهم فى مؤتمرهم العام حيث يتوافدون إلى «دندرة» بصعيد مصر مرتين كل عام، مرة فى المولد النبوى الشريف، وأخرى فى الإسراء والمعراج، مرتدين زيهم الأبيض، كما يتميزون بالعمامة البيضاء التى تأخذ شكل العدد 7، وترتخى من الخلف بذيل على الرقبة. وقبل حلول المؤتمر بشهر تقريباً تبعث القيادة فى «دندرة» خطابات لجموع الساحات تطلب منهم اقتراحاتهم للبرنامج المزمع تنفيذه فى المؤتمر، وتعقد الساحات اجتماعاتها لطرح أفكارها للبرنامج القادم، التى تأخذ بها القيادة فى «دندرة» بعد مناقشته من لجنة المتابعة والتقرير. سلفيون وصوفيون وسياسيون وتنمويون واجتماعيون.. كل هذا يجتمع فى هذه الجماعة الصوفية الكبيرة المنتشرة فى مصر والعالم ويتجاوز أعضاؤها 5 ملايين، ولها أمير وتنظيم ومبادئ وأفكار وشعارات وصيحات وزى موحد تعرف به. «جمع إنسان محمد - الأسرة الدندراوية»، هذا هو اسم الجماعة التى انتشرت فى مصر وكثير من بلدان العالم بفضل أميرها والمؤسس الفعلى لها الفضل بن العباس، الذى كان لا يكاد يستقر فى «دندرة» -موطن دعوته- حتى يرجع ليطوف بجميع دول العالم داعياً إلى فكرته ودعوة جده حتى نجح فى إقناع الملايين داخل مصر وخارجها بصدقية دعوته وجمع حولها ملايين من المؤيدين والمنتسبين. ومع هذا عندما بحثنا عن معلومات عن هذه الجماعة لم نجد عنها كتاباً مطبوعاً ولا بحثاً منشوراً ولا مقالاً مكتوباً، فلجأنا إلى بعض منتسبيها لنسألهم إمدادنا بالمعلومات الكافية عن الجماعة ومعتقداتها، فرفضوا حتى مجرد السماح بمناقشتنا إلا بعد الاستئذان من الأمراء فى «دندرة» -مقر الجماعة بصعيد مصر- الذين جاء ردهم بعد طول انتظار باللجوء إليهم مباشرة دون الاتصال بقواعدهم، عرفنا بعدها أن الدندراويين لا يرغبون فى وضع أنفسهم وجماعتهم تحت عدسة الإعلام، الأمر الذى لم نجد له تفسيراً مؤكداً، لكننا لم نعدم مصادر داخل الجماعة أمدتنا ببعض الرسائل المطبوعة والمكتوبة بخط اليد، والمنسوبة إلى أميرها الفضل بن العباس آل الدندراوى، كما كشفت لنا عن كثير من الأمور التى ليس مسموحاً لأحد غير دندراوى أن يعرفها. نشأت الدندراوية على يد محمد الدندراوى، الملقب بالسلطان، الذى يعتبره الدندراويون جدهم المعنوى، والذى كان يقيم فى «دندرة» -إحدى قرى محافظة قنا بصعيد مصر- وجاء فى إحدى الرسائل التعريفية بالفكر الدندراوى والمنسوبة إلى أميرها الفضل بن العباس أن جدهم محمد هو من أحفاد السلطان اليوسف أحد أحفاد الشريف إدريس الأول مؤسس دولة الأدارسة بالمغرب العربى، الذى نسب نفسه إلى الإمام الحسن بن على بن أبى طالب. ومع أننا لم نجد إجابة تفسر سبب إطلاق لقب السلطان على محمد الدندراوى، ولا لقب سمو الأمير على الفضل بن العباس، إلا أنه يبدو أن هناك ارتباطاً بين إطلاق هذه الألقاب على زعماء الدندراوية وبين نسبتهم إلى أمراء وسلاطين دولة الأدارسة. وفى إحدى الرسائل التى كتبها الفضل بن العباس وصف فيها جماعته بأنها دعوة شاملة، وقال عنها إنها ليست بدعوة مذهبية حديثة.. وليست بطريقة صوفية جديدة.. وليست بجماعة سياسية قومية.. وليست بجمعية خيرية إقليمية. ويوضح «الفضل» فى فصل لاحق أنه لم يرد أن يكون كيان أسرته كياناً متخصصاً يضاف إلى الكيانات السابقة، بل يكون كيانا يضم كل هذه الكيانات ويحتوى على كل مميزاتها وخصائصها، فيذكر أن «جمع إنسان محمد - الأسرة الدندراوية» ليست كياناً من الكيانات الطائفية أو الطبقية ولا القومية أو الإقليمية، وإنما هى كيان اجتماعى يجمع الأفراد المتفرقين والتجمعات المتفرقة فى وعاء الأسرة الواحدة، ف«جمع إنسان محمد» صيحة نداء لجميع المسلمين أيا كان مذهبهم السلفى أو طريقتهم الصوفية أو تنظيمهم السياسى أو جمعيتهم الخيرية بأن يتجاوزوا حواجز الفرقة، وأن يتألفوا تحت ظل الزعامة المحمدية الجامعة. فى كتاب «الوثيقة البيضاء» يحاول مؤلفه الفضل بن العباس، أمير الأسرة الدندراوية، تعريف الفكر الدندراوى، فيبدأ بأسباب نشأة الفكرة نفسها على يد جده السلطان محمد ويضع خلفية لصورة الواقع المتردى للأمة الإسلامية وقتها، التى «أنهكها الهوان وأضنتها المهانة»، هذا الواقع هو الذى دفع مؤسس الأسرة بصفته «واحداً من المصلحين» إلى محاولة البحث عن تفسير لهذا الواقع المؤلم، ومن ثم اتخاذ خطوات لعلاج «ذلك البلاء المهين». وفى رحلة تفسير هذا الواقع رأى السلطان أن هناك أربع طوائف وصفها ب«الإصلاحية» انفردت كل منها بتصور لما «أصاب إنسان محمد»، ووضعت دواء حسب تصورها لهذا الداء؛ الطائفة الأولى المذاهب السلفية، والثانية الطرق الصوفية، والثالثة الجمعيات الخيرية، والرابعة رؤساء التنظيمات الوطنية. وتوزع السواد الأعظم من أهل الإسلام على هذه الطوائف المتشابهة فى الغاية، المتغايرة فى كيفية الوصول إليها، فانقسمت بذلك طوائف الشارع الإسلامى «المتخصصة» كل منها إلى قسمين: تجمعات صالحة ومجموعات فاسدة، وابتعد عن مواقع تلك الطوائف أكثر أهل الإسلام، ففقدت تلك الطوائف تأثيرها على المسلمين على مر الزمان. وبعد أن جال «الدندراوى الأول» فى مصر وفى عدد من البلدان الإسلامية، تأكد أنه لن يجد عند أى تجمع من التجمعات المتخصصة المخلصة من تماثلت رؤيته معه، وبالتالى فقد بدأ فى رصد الداء من أجل توصيف الدواء، فقال إن «أصل بلاء ما قد وصلنا إليه هو تركنا لما كنا عليه»، فأحد أدوار الرسول (صلى الله عليه وسلم) فى حياة إنسان أمته هو دور الرسول الزعيم الجامع، الذى جمع الله به المسلمين، وإعمالاً لهذا الدور لسيد البشر محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جعل الله الارتباط بشخصه (صلى الله عليه وسلم) متساوياً فى العقيدة مع التسليم برسالته، فبالتسليم برسالته الخاتمة أقام فى الوجدان قيم الإسلام، وأقام فى الوجود قيمة المسلمين، وبالارتباط بشخصه (صلى الله عليه وسلم) امتلك بسيادته المحمدية الشاملة الوجدان فترسخ فى الوجدان قيم الإنسان، وهيمن بزعامته المحمدية الجامعة على الوجود فتشمخ فى الوجود قيمة المسلمين. وبهذا الارتباط الانتمائى صار كل من اتبع السيادة المحمدية الشاملة وبايع الزعامة المحمدية محمدى التكوين، فبتكوينه المحمدى بنى الإنسان ذاته، وألف عائلته، وأقام مجتمعه، وأنشأ أمته، فالجميع فى كيان إنسانى لا يتجزأ مهما تنوعت الطائفيات أو الطبقيات، ومهما تعددت القوميات أو الإقليميات، ومن أجل هذا أنشأ «الدندراوى الأول» الأسرة الدندراوية. ومع أن الدندراويين يصفون جماعتهم بالأسرة إلا أنهم منظمون تنظيما شبه هيراركى، فأصغر وحدة فى هذا الكيان هى الساحة، وتضم عددا من جموع «إنسان محمد» فى مكان ما قد يكون مدينة أو قرية أو عدة قرى، وتشكل عدة ساحات فى محافظة ما «تجمع ساحات إنسان محمد»، تصب هذه التجمعات فى «دندرة»؛ حيث مقر الأمير الفضل ونوابه من أمراء الأسرة الدندراوية. وليس هناك شروط يجب أن تتوافر فى المسلم حتى يكون دندراوياً ويدخل فى جموع «إنسان محمد» إلا شرط واحد وهو أن يكون محباً لسيد الخلق، وأن يؤمن بإخلاص بالرؤية الدندراوية. وتقول مصادر فى الأسرة إن القيادة فى الساحة جماعية وليست فردية، والأمير يُبايع ولا يفرض، ولا يقدس، ولا تُقبل يده. ومع أن الأسرة الدندراوية غير معترف بها قانوناً؛ لأنها ليست طريقة صوفية فحسب فتخضع للمجلس الأعلى للطرق الصوفية، ولا هى جمعية خيرية فحسب فتخضع لقانون الجمعيات، ولا حزباً سياسياً فتحصل على رخصة الحزب السياسى - إلا أنها لا تتعرض للمساءلة القانونية، ولا إلى الهجمات الأمنية، وتنعقد اجتماعات ساحاتها ومؤتمراتها تحت غطاء قانونى. وعندما سألنا مصادر داخل الأسرة عن سبب تمتعهم بحرية الاجتماع والحركة فى حين أنهم يعدون جماعة محظورة تتشابه مع جماعة الإخوان فى شمولية منهجها وهيراركية تنظيمها، ومع السلفية الحركية فى رفع شعار «نحن نعلم بالسياسة ولا نعمل بها» - نفى هذا المصدر صفة «المحظورة» عن الأسرة، وقال إن لقاءاتهم واجتماعاتهم تعقد تحت غطاء مراكز دندرة الثقافية المشهرة وفق قانون الجمعيات. وللأسرة الدندراوية لائحة عرفية لم نعرف معظمها لكن عرفنا ما يتعلق منها بإجراءات العقوبة، فإذا ارتكب الدندراوى خطأ اعتبر خروجاً على النظام العام، فإنه يخضع لعدة عقوبات: تجنب - إيقاف - إسقاط - سحب انتساب. لكننا لم نستطع أن نعرف تحديداً ما يعتبر خروجاً عن النظام، لكن عقوبة الإسقاط أو سحب الانتساب لا تتخذ إلا بعد إجراء المحاكمة للدندراوى فى حضور ساحته، وحضور ممثلين عن جميع ساحات الجمهورية، ويتم سؤاله فى الغالب من النائب العام الأمير هاشم بن الأمير الفضل، ويكون السؤال علنياً والإجابة علنية أيضاً. وعقوبة «التجنب» تحدد بفترة معينة يعود بعدها المنتسب لصفته، وعقوبة «الإسقاط» قد يعود بعدها الدندراوى إذا تغير سلوكه. أما عقوبة «سحب الانتساب» فلا يمكن بعدها العودة، وطوال مدة كل هذه العقوبات لا يعتبر المعاقب دندراوياً، ويقاطع من جموع الأسرة، ولا يلقى عليه السلام. وكل ساحة من الساحات لها اجتماعان؛ الاثنين والخميس من كل أسبوع، يقرأ فيهما القرآن، وتعقد الحضرة، ويتم الشدو بالأهازيج الدندراوية بأداء جماعى، ويدرس فيها سلسلة كتب الوثيقة البيضاء، وبعض الرسائل الأخرى التى يكتبها الأمير الفضل، وتُناقش فى هذه الاجتماعات أحوال الساحة. والأسرة الدندراوية تمتد بمظلتها الاجتماعية على كل منتسبيها، فواجب على الدندراوية أن يتزاوروا ويعرفوا أحوال بعضهم البعض، ويتآزروا فى أوقات الشدة والفرح، ويقوموا بعمل اجتماعى وخيرى وتثقيفى فى إطار ساحاتهم، ويعقدوا دورات تدريبية للحرفيين المنتسبين للأسرة، وينشئوا جمعيات خيرية تخصص لمساعدة فقراء أهل البلدة أو الحى.