خطاب ملىء بالورود وبالوعود أعاد لميدان التحرير هيبته وكرامته التى أهينت كثيراً من العسكر، وأحياناً من الإخوان أنفسهم، وهو فى مجمله خطاب تاريخى وعاطفى يلمس الأوتار الحساسة لقلوب المصريين، الذين يريدون باستماتة تصديق أن القادم مختلف، وأن مصر تنتقل بالدكتور مرسى إلى مرحلة جديدة تستعيد صحتها فيها بعد فترة إعياء كاملة كادت تقضى على آمال المصريين، واستطاع الدكتور مرسى أن يطمئن كل المتخوفين فى أول خطاباته ذاكراً من يعملون بقطاع السياحة والفنانين والمعوقين والمسيحيين وغيرهم، وهذا ما كان ينتظره الكثيرون منه. وكانت أفضل لحظات الخطاب هى لحظات الارتجال التى ارتجل فيها الرئيس مرسى الكلمات ولم يقرأ من الأوراق، ولأنه فى لحظات كان سياسياً محنكاً يلقى الكلمات فى مكانها بارتجال وبين الرئيس الموظف الذى يقرأ من الأوراق المكتوبة، ولذلك يجب أن يعرف الرئيس قيمة أن يظل قريباً من الشعب ولا يخسر التواصل أبداً ولا يقع فى فخ الحاشية الملوثة التى تعودت أن تكون عائقاً بين الرئيس وشعبه، والموجودة حوله من حرس جمهورى وحاشية القصر لكى تظل فعلاً الأبواب مفتوحة، كما قال، ولكن يجب أن يتم ذلك بقواعد منظمة ولو لساعات يومية يكون هناك مكتب لأخذ مواعيد لمقابلة الرئيس، ويكون موظفوه ليسوا ممن تعودوا على صد الشعب ومعاملته بدونية لكى تتحقق فكرة الأبواب المفتوحة وتكون واقعية. الرئيس المنتخب أراد أن يعيد السلطة للشعب لكى يحتمى بالشعب ويطلب تأييده فى رسالة ضمنية وغير صريحة ضد من يحاولون النهب والتلاعب بسلطاته، فى معركة الصراع على السلطة، التى قد تطول ولكن ليس لفترة طويلة، لأن الرئيس بمجرد حلفه اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا تسلم سلطاته ويحق له ممارستها، وهو من حقه ومن سلطاته وصلاحياته أن يلغى الإعلان الدستورى المكمل ويخرج كل المعتقلين فى المحاكمات العسكرية بقرار فورى لا يرجع فيه لرأى أو استشارة، وهذا شىء قد لا يعرفه الكثيرون ومتوقع حدوثه، ولكن هل فعلاً سيحدث؟ ولماذا قال الرئيس إنه «سيحاول» أن يعمل على ملف المحاكمات العسكرية من الغد وهو يستطيع بصلاحياته إخراج المعتقلين دون الرجوع للمجلس العسكرى أو غيره؟ حقيقة لا أعلم من سيستشير فى هذا الموضوع. وأداء اليمين أمام المحكمة الدستورية كما نص الإعلان الدستورى المكمل ليس اعترافاً بالإعلان الدستورى المكمل، لأن كثيراً من الناس تساءل هل يجوز أن يعترض على الإعلان المكمل ويطبق ما فيه، وهذا سؤال بديهى إجابته أن الرئيس لا بد أن يقوم بهذا لكى يتسلم صلاحياته وسلطاته، وبسرعة، ومن الممكن بعدها أن يلغى الإعلان الدستورى المكمل بعدها بخمس دقائق، وبذلك تتضح الصورة أن هذا الأداء أداء شكلى، واليمين الحقيقية فى «التحرير» كانت تهرباً من الفخ الذى أراد أن يوقعه فيه من وضعوا الإعلان الدستورى المكمل. من النقاط السلبية فى الخطاب الإساءة لفترة الستينات بصورة غير مباشرة، وطبعاً الهجوم موجه للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ومع أن هذه الفترة كان بها الكثير من الأخطاء التى انتهت بالنكسة، إلا أنها كانت فترة نهضة خصبة فى هذا الوقت أتمنى أن يستطيع الدكتور مرسى أن يحقق مثلها ويكون زعيماً شعبياً عن حق وليس بالكلام والخطابات، ولكن بالأفعال والمشاريع النهضوية والتنمية السريعة المؤثرة التى تنعش المجتمع المصرى وتشعر المصريين بالتغيير الذى ينتظرونه، ومن النقاط السلبية أيضاً ذكر عائلة عمر عبدالرحمن، الذى يعتبره كثيرون ليس بطلاً سياسياً وليس من المفروض أن من يراه الرئيس بطلاً أن يفرضه على الشعب، وهو يعلم أنه إرهابى ويحاكم على جرائم، ويساويه بأبطال الثورة ومعتقليها، هل هذا معقول؟ إن مصر تدخل مرحلة ازدواجية للسلطة وصراع تحتاج لمواءمات ذكية واستيعاب عميق من الرئيس لكل القوى السياسية، وعدم إعطاء جماعة الإخوان أو أى من أعضائها أهمية كبيرة، وأن يعامل حزب الحرية والعدالة على أنه حزب مثل كل الأحزاب، فهل سيستطيع أن يقوم بذلك؟ وهل ستتركه «الجماعة» بعد أن أصبح رئيساً أن يهمشها ويهمش دور حزبها المتحدث باسمها؟ وأخيراً لكى ينجح الرئيس فى ممارسة صلاحياته وسلطاته بقوة تحت كل الظروف عليه أن يشكل حكومة تكنوقراط قوية تضرب بيد من حديد كل بؤر الفساد والنفاق الإدارى والسياسى وتتحرك بقوة وفعالية على الأرض السياسية، التى يجب أن تكون أداة هامة من الأدوات التى تثبت قوة الرئيس وعدم تبعيته لا لجماعة ولا لحزب، وأيضا وضع الدستور بأسرع ما يمكن من الأولويات التى يجب أن تولى أقصى عناية من الرئيس. ولكن.. لا أعلم كيف يؤجل القضاء قضية حل «التأسيسية» إلى سبتمبر المقبل؟ وهل يعقل أن يجلس أعضاء اللجنة ليكتبوا الدستور وبعدها تحل اللجنة ونعيده تانى من الأول، شىء غريب جداً لا يفهمه أحد، وهل الرئيس سيقبل بالدستور الذى تضعه لجنة تأسيسية ممكن أن تحل فى سبتمبر؟ والبرلمان الذى أثبت فشله هل ممكن إعادته للحياة؟ أعتقد هذه خطوة يجب أن يعاد النظر فيها لأنها قد تضر أكثر مما تفيد. أسئلة كثيرة تدور بعقلى وعقولكم، والغد فقط سيحمل الرد على كل هذه الأسئلة، وأتمنى أن يكون الرد مُرضياً وعادلاً وهدفه مصلحة البلد والشعب فقط، فليعِن الله الرئيس على المرحلة الصعبة القادمة التى تحمل فى طياتها تحديات وصدامات وصراعات، فإما أن تطيح بالرئيس جانباً فى أقل من سنتين أو أن تصعد به للقمة، وأن يكون زعيماً شعبياً بحق ويحقق لمصريين ما وعدهم به، دعواتنا بالتوفيق للرئيس ولكل من يعاونه على نهضة البلاد.